إهداء للأخ الحبيب الأديب الأريب عمرمحمد العبسو حفظه الله
ولإخوانه الفضلاء في ( نحو أدب إسلامي )
هوامش :
(1)الغراء : المعتبرة ، المحترمة ، المشهورة ، ويقال : مدينة غراء : أي جميلة .
(2)الربداء : يقال ربدَ لون مافي الكأس : أي اختلط سوادُه بِكُدْرةٍ قبيحةٍ .
(3) مدرارة : (صِيغَةُ مِفْعَال لِلْمُبَالَغَةِ). مَطَرٌ مِدْرَارٌ: غزير ، كثير . وفي كتاب الـله :( وَيُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ) 11/ نوح .
(4)المفلق : فاعل أفلقَ ، ويقال أديب مفلق أي : جيد ومبدع .
(5) غانت : يقال غانت النفس : أي غَثَتْ وخَبُثَتْ.
*أبو أسامة : الدكتور عبدالله الطنطاوي : رئيس رابطة أدباء الشام ــ حفظه الله ــ
*زهير : الأستاذ زهير سالم : مدير مركز الرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية .
فاحتْ بطيبِ يمينِك الأشذاءُ=ولها استطابتْ نفحَهـا الأحناءُ
كفَّاكَ تحملُ للعقيدةِ مشعلاً=فتضيءُ رغم ظلامِها الأرجـاءُ
وبما نشرتَ من المزايا أسفرتْ=لرجالها ونسائهـا الـلألاءُ
من فيضِ وعيكِ صنتَ آثارًا لهم=وهي التراجمُ أهلُهـا الأكفاءُ
في سِفرِ رابطة الشآمِ فصولُها=تحلو وما للمبدعين خفـاءُ
تُلفَى برابطةٍ لهـا روَّادُهـا=وهي الـوثيقةُ عذبةٌ غرَّاءُ(1)
(وأبو أسامة) دأبُه إعلاؤُهـا=(وزهيرُ) فيها المفلقُ المعطاءُ
والسـادة العلمـاء والأعلامُ في=أعـنانِـهـا والإخـوةُ الأدباءُ
هلَّت (برابطة الشآمِ) رحالُهـم=حيثُ الهدى والشِّرعةُ الزَّهراءُ
ومفكرو الشرعِ الحنيفِ وعلمُهم=أغنى محيَّاها البهيجَ بهاءُ
(وبموقع الأدبِ) الرفيعِ صحائفٌ=جاءتْ بطهرِ حروفِهـا الأسماءُ
أخذت مكانتها بعالَمنـا الذي=يطغى برحبِ سباقهِ السفهاءُ
فبدائـعُ الأدبـاءِ في آنـائه=تشدو بعذبِ رفيفِهـا الآناءُ
طوبى أيـا (عـمر ) المآثرِ عذبةً=في مصر أو في الشامِ والزَّوراءِ
وبكلِّ أقطارِ البلادِ هبـوبُهـا=عذبٌ فما للحاقدين عزاءُ
ولقد نهلتَ من البيانِ قراحه=فأمِنتَ إذْ كأسُ الأذى ربداءُ(2)
سلمت يمينُك لم تزل مدرارة =وكأنها بحقولنا الوطفـاءُ(3)
فَلْتَنْعَمِ القيمُ الحِسانُ بعصبةٍ=حفظتْ فضائلَها الرؤى الحسناءُ
في مفلقٍ وهبَ اللسانَ فصاحةً=وبـلاغةً مـالاكهـا الإعياءُ(4)
فاهنأ ( أبا حفصٍ ) بموقِعِ رفعةٍ=ركناهُ لـلأدبِ الرفيـعِ وِقاءُ
شعرٌ تجلَّى في قوافِ لم تزلْ=تشدو وقد خفقتْ بها الأصداءُ
ولأهلـهـا الأدبُ الرفيـعُ فنونُـه=لم تَقْرَبَنْ ميثاقَـها الغلـواءُ
فحروفُـه اللألاءُ إسلاميَّةٌ=ماسامها الإجحافُ والخيـلاءُ
وهي التي تأبى مجاراةَ الهوى=ألقتْ بخـسَّتِه اليدُ البيضـاءُ
ماكانَ للتغـريبِ أن يلقى بـه=أثرًا يقـومُ ببذله استهزاءُ
أو ينحني لهـوى الطغاةِ فجبهةٌ=شمَّاءُ يخشى زهـوَها السُّفهاءُ
اللهُ أكبرُ : قد حبتْها قوَّةً=يخشى مرارةَ بأسها الأعداءُ
ماكان للحـرفِ المقدسِ أن يرى=صَفْوَ البيـانِ تلفُّـهُ الأهواءُ
أو يستجيرَ بِلُكْنـَةٍ منبـوذةٍ=درجتْ بريبِ فسادِها الحِرباءُ
تـغريبُهم أعمى يـتـيهُ بِحِـيرةٍ=وحقـولُ تربةِ أرضِـه جرداءُ
وطلاسمُ التَّغريبِ حيثُ توجَّهتْ=فرحابُ وجهةِ سعيِها سوداءُ
أمَّـا الحداثَـةُ فالتَّبارُ ختامُـها=وتلعثـمتْ وكأنَّها خرسـاءُ
داءُ عـرا جسدَ الحروفِ وإذْ بها .=. انتفضتْ فـولَّى إذْ عراهـا الدَّاءُ
بئستْ بضاعةُ مَن أتى بمتاعِها=فلهـا الكـسادُ وأُذْنُه صمَّـاءُ
تبًّا لِمَن هجـرَ النفائسَ جاحدًا=فيها وفي أرزائها البرحاءُ
أسفارُ تغريباتهم نـَتَنُ الأذى=ابتـاعَ ما لم يرضـها العقـلاءُ
فحداثةٌ غربيةٌ مشؤومةٌ=رُدَّتْ وغانتْ بالأذى الرقـطاءُ(5)
أوهامُ ذي حقدٍ على دينِ الهدى=سـفليَّةٌ يومي لهـا الإيماءُ
فاستفتِ أصحابَ الحِجَى في شأنِها=وامحقْ هـوى أدلى به الكُبَراءُ !؟
ياويلهـم من نـارِ يـومٍ مقبلٍ=قـد أنكـرتْهُ النُّخبةُ الـعمياءُ !
وهي الحضارة أصبحتْ مكسوفةً=خجلا ينوءُ بحملِـه العدَّاءُ
وبغمرةِ التهريجِ بثُّوا شرَّهـا=حتى يضيـعَ بـشاطئيه الـدَّاءُ
وأتوا على الأدبِ الذي أبوابُـه=قد زيَّنتْها الدعوةُ الفيحـاءُ
أدب البلاغةِ والبيانِ ومـا لـه=من رفعةٍ مانالها الإغضاءُ
وبهـا النُّبُوَّةُ حدَّثَتْ عربانَها=نزلَتْ بها الحجراتُ والإسراءُ
وبها تباهى المسلمون إذا شَـدا=بالركبِ حاديهم ورفَّ لواءُ
لغةُ الحضارةِ هذه آثارُها=في ظلمةِ الحقبِ الشِّدادِ ضيـاءُ
فاكتُبْ بـها للعـلمِ فَهْيَ مكينةٌ=والجودِ والإيـثارِ فَـهْيَ إناءُ
لاتستصغرَنْها فالمعـارف جذلُها=ولـقد سـقتْها في الربا العلياءُ
ماغـابَ عنها أيُّ معنى غامـضٍ=فله لـدى حُسْنِ الوضوحِ سناءُ
فاغرسْ جذورَ الكَلْمِ تقطفْ باقـةً=فيها تفوحُ لطيبِها الأشذاءُ
كبِّرْ ولا تخشَ السَّفيهَ إذا لوى=عُنُقًـا لـه في سمته استهزاءُ
ماكانَ يعلمُ ما العقيدةُ توَّجتْ=آيـاتِها فَصِحَـابُه القُرَّاءُ
فبكلِّ حرف في الكتابِ مثوبةٌ=لـم يعرِفَـنْ مقـدارَهـا السُّفهاءُ
هي نعمةٌ للمسلمين وإنَّما=تُصغي لِعَذبِ أدائِها الآنـاءُ
قرآنُنَـا العربيُّ معجـزةٌ فلـم=يقـدرْ علـى إيتيانه الفصحـاءُ
خابوا جميـعًا وانثنتْ أحقادُهـم=فكلامُ ربِّـك حُجَّةٌ و وِجاءُ
سادتْ على كلِّ اللغاتِ وأسهبتْ=فأصابَ شانئُ مجـدِها الإعيـاءُ
والشَّانئون أذلَّـةٌ في سعيِهم=قادتْهُـمُ الأحقادُ والأهواءُ
وخبتْ مداركُهم فلم تدركْ حِجًـى=جاءتْ بمعجزِ سبكها البلغاءُ
قد غرَّهـمُ دعمُ القوى لشرورهم=فلهـم بزورِ سرابِها الخُيلاءُ
هيهات فالإسـلامُ ديـنٌ خالدٌ=ماضرَّه العملاءُ والسُّفهاءُ
والمرجفون ومَن رأى في مكرِهـم=أنَّ العقيدةَ صـانها الصُّلحـاءُ
علماؤُها الأبرارُ إذ صدعوا بها=بالحقِّ والأُدبـاءُ والشُّعـراءُ
ومفكروها الأوفياءُ لدينهم=وشبابُها المقدامُ والـشُّهداءُ
وأفاضلُ الأدبِ الغنيِّ بـطهـرِه=فلهـم به الجـولاتُ والأكفاءُ
هم في سـماءِ الكَلْـمِ مـن أقماره=وَهُمُ إذا احتدمَ الظلامُ ضيـاءُ
منهم عباقـرةُ الـبيانِ ومـنهمُ=إنْ جـدَّ في دفعِ الأذى العظماءُ
ورؤاهُـمُ باتتْ لجيـلٍ بيننا=منهاجَ فخرٍ وجهـهُ وضَّـاءُ
و يهنِّـئـون رجـالَ هذا النهجِ في=جنَّاتِهم والإرثُ لايُستاءُ
ولقد مضوا واللهُ يكرمُ من أتى=بالصَّالحاتِ ... فَوِجهةٌ بيضاءُ
والإرثُ في أحفادِهـم ماضـاعَ أو=لعـبتْ به الأهـواءُ والآراءُ
علياهُ تكمـنُ في حنايـا صدقِهم=فـهـو السَّنى والدُّرَّةُ العصماءُ
حيثُ البشاشةُ والتفاهمٌ بينهم=والأُلفةُ الأسمى : اليدُ البيضـاءُ
تـغـشى ليـاليهم سعادةُ أنفُسٍ=عاشتْ يجدِّدُ خطوَهـنَّ إخاءُ
هي رحلـةٌ لكنَّهـا قدسيَّةٌ= وحروفُها لهدى الحنيفِ رداءُ
وهي الأغـاريـدُ الجميلةُ صاغها=بيدِ الوفاءِ الإخوةُ الشُّعراءُ
وفنونُهـا الأخرى بأيـدي نخبة=وفصولُـها فوَّاحةٌ حسناءُ
والله نسألُ أن يصون مودَّةً=ماضيَّعَتْ فـيفاءَها الوجناءُ!