أين الفتوحاتُ التي فاروقُها=وافى برحمتِها المدى المتنائي !(4)
هوامش :
(1)الحدَثَان : نوائب الدهر ، وما ينزل بالناس من مصائب ومضرّات.
(2)وكان أبوهما : من الآية ( 82) من سورة الكهف (وكان أبوهما صالحا...) قال ابن عباس في قوله): وكان أبوهما صالحا ) قال : حُفِظَا بصلاح أبيهما .
(3)الرَّوغان : يقال : راغ الثعلب يروغ رَوغا و رَوَغانا : ذهب يَمنة و يَسرة في سرعة
و خَدِيعة ، فهو لا يستقرّ فى جهة. و الرَّوَاغ : اسم منه و راغ فلان إلى كذا : مال إليه
(4)التكلان : التُّكْلانُ : التوكُّلُ بمعنى الاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، وكَل إليه الأمرَ :سلّمه وفوّضه إليه واعتمد عليه فيه وحده جلَّ وعلا .
يهفو إليكم موكبُ الإيمان=شوقًا لطيبِ إخائه الربَّاني
هو موكبُ المهجِ التي ماردَّها=عمَّا ترومُ ضراوةُ العدوانِ
قد أرشدَتْهُ إلى السُّمُوِّ عقيدةٌ=في الأرضِ إسلاميَّةُ الأركانِ
فَشَدا بها زهوًا لرفعةِ شأنِها=ومكانها المرموقِ في الأزمانِ
لاقى من الطاغوتِ سوءَ أَذيَّةٍ=لم تحتملْها قوَّةُ الإنسانِ
الحقدُ موقدُها فَوَهْجُ ضرامِها=يطغى توقُّدُه على النيرانِ
والموكبُ الميمونُ ليس يهدُّه=وهنٌ ولم يركع لذي طغيانِ
فهو الشهيدُ الشاهدُ المقدامُ في=لججِ الصِّراعِ بغمرة الحَدَثانِ(1)
كم ظالمٍ في الحكمِ كشَّر نابَه=قد غرَّه جبروتُه الشيطاني
فأتى بسطوتِه يحاربُ شرعةً=للعالَمينَ جليَّةَ التِّبيانِ
اللهُ أنزلها فأحيتْ أُمَّةً=كانت تعيشُ بهامشِ الأزمانِ
فاشتدَّ ساعدُها بدينِ مُحَمَّدٍ=فمحتْ ضلالَ الفرسِ والرومانِ
واستسلمَ الطاغي لحكمٍ عادلٍ=وافى فَدُسَّ الخِبُّ في الأكفانِ
وأتى العقوبةَ صاغرًا ذا رعشةٍ=أنْسَتْهُ ما قد كان من سلطانِ
وجثا حواليه الذين اسْتُعْبِدوا=واقتيدَ هذا الجمعُ بالأرسانِ
عاشَ الأباةُ الصِّيدُ إخوةَ شرعةٍ=قد علَّمتْهم عزةَ الفرسانِ
ماكانَ للشَّهمِ الأبيِّ وقد شدا=بالدِّين أن يرضى بأيِّ هوانِ
وهو الذي مازالَ يسجدُ للذي=أغنى الفؤادَ بعزَّةِ الدَّيَّانِ
وبها زهتْ أيَّامُه بعقيدةٍ=قدسيَّةِ التَّنزيلِ والتِّبيانِ
يحلو بها ثوبُ الفخارِ وتزدهي=أخلاقُه بمآثر الفرقانِ
والروحُ زكَّاها الهدى لمَّا هفتْ=لترفَّ بين منابتِ الريحانِ
تزدانُ تكلؤُها المنى بحقولِها=في بيئةِ الأحبابِ والخلانِ
فالعيشُ طابتْ بالهدى غدواتُه=واخضرَّ في الروحاتِ بالشُّكرانِ
بهما تَثنَّتْ في يَدَيْ آنائه=نفسُ التَّقيِّ بجنَّةِ اطمئنانِ
وبنشأةٍ روحيَّةٍ عُلويةٍ=تغني ليالي المؤمنِ النَّشوانِ
فبسِفرِ دعوته الكريمةِ نورُها=قد فاضَ سلسلُه على الأكوانِ
بالوُدِّ والخُلُقِ الكريمِ ولهفةٍ=تمحو أذى الأكدارِ والأحزانِ
بالسُّنَّةِ الغرَّاءِ هَدْيِ مُحَمَّدٍ=صلَّى عليه اللهُ كلَّ أوانِ
فيها النِّداءُ مُجَدِّدًا لأُخُوَّةٍ=بين الشَّبابِ قويَّ الأركانِ
وبمنهجِ الإسلامِ في سِيَرِ الأُلى=وبنورِه المنسابِ في القرآنِ
ترثُ القلوبُ صفاءَها وجلالَها=في الفضلِ والإيثارِ والإحسانِ
وأراكَ فزْتَ ولا أُزكِّي يا أخي=بمشاعري أحدًا على الرحمنِ
ولطالما اجتمعتْ لديكَ خصالُها=تحكي لديكَ طهارةَ الوجدانِ
وتفوهُ ألسنةٌ ، ويزجي أهلُها=أوفى الثَّنا للطَّاهرِ الأردانِ
جمعتْ يدُ الآدابِ أطيبَ ما لدى=أهلِ الوفاءِ وأكرمِ السُّكَّانِ
ورأوهُ بالأثرِ الجميلِ ميمِّمًا=للأهلِ والأرحامِ والجيرانِ
قد نلتَها قُدُمًا أخا فيضِ الهدى=وسِواهُ رهنُ متاهةِ الخسرانِ
عذُبتْ مواردُه فهشَّ بفضلها=للناسِ تدفعُه يدُ التَّحنانِ
إنَّ التَّقيَّ أُخيَّ صنوٌ للنَّدى=ماعقَّ أمرَ الخيرِ في إنسانِ
تلكم شريعتُنا وهذا نهجُها=للعالمين برحمةٍ وحنانِ
ولعلَّكَ المثلُ الفريدُ لمَن سعى=بحثًا على قيمٍ لديكَ حِسانِ
جلَّى الوفاءَ الحقَّ إنسانيَّةً=للناس كلِّ الناسِ في الأعنانِ
فنسجتَ بهجتَه على منوالِه=وأعدْتَ زهوَ مناقبِ الفتيانِ
ما أجملَ القيمَ الوِضاءَ لمؤمنٍ=يولي مكانتَها بكلِّ تفانِ
خُلُقٌ نديُّ في صفاءِ سريرةٍ=و وفاءُ عهدٍ فوقَ عذبِ لسانِ
وبشاشةٌ يستأنسُ الرائي بها=أبهى معاني بثِّها الربَّاني
ومن السَّجايا حُلوُها وسُمُوُّها=للفوزِ عند الله بالشُّكرانِ
وأرى بنشأتك الأثيرةِ ما أرى=لأبيكِ من خُلُقٍ وطيبِ معاني
ومن الرعايةِ والعناية إذ جنى=هذي المآثرَ حلوةَ الإتقانِ
ولقد أتى القرآنُ في تبيانِها=بنديِّ ما يُتلَى من القرآنِ
والسُّنَّةُ الغرَّاءُ طابَ رشادُها=للمسلمين هديَّةَ العدناني
فاقرأ : (وكان أبوهما) في سورةٍ=جاءتْ بِسِرِّ عجائبِ الإحسانِ(2)
آباؤُنا البركاتُ عاشوا سُجَّدًا =للهِ في الأفراح والأحزانِ
وبهم بفضلِ الَّلهِ يحدونا الهدى=ويُردُّ شاردُنا إلى الإيقانِ
هم بابُ فطرتِنا الذي يبقى لِمَن=قد تاهَ في الزَّلاتِ والنُّكرانِ
يدعو البنين لتوبةٍ وإنابةٍ=والبعدِ عن سفهٍ وعن عصيانِ
ولَرُبَّ داعٍ منهُمُ بدعائه=ينجو الفتى من ربقةِ الخسرانِ
فاهنأ أخي بأبيكَ لاتنسَ الوفا=للوالدينِ بِخُلْقِكَ المزدانِ
بهما الحفاوةُ لم تزل مفروضةً=من ربِّنا في السِّرِّ والإعلانِ
إنَّ الهدايةَ ليس تنأى عن فتى=عاشَ السِّنينَ بها بظلِّ أمانِ
والناسُ أجناسٌ وفي أعمالهم=تجدُ التَّقيَّ وعابدَ الشيطانِ
والوالدان هما حِمى قلبَ الفتى=إنْ قصَّرَا فالأمرُ للخِلَّانِ
فاحذرْ رفاقَ السُّوءِ لاتقبل لهم=رأيًا يقودُ لفتنةٍ و هوانِ
ولربما تعفو المعالمُ عندما=يجفو الفتى قدسيَّةَ العنوانِ
عنوانُك الإيمانُ والتقوى به=هي حصنُكَ الواقي من الروغانِ(3)
وهو البراءةُ من تخاريف الذي=قد جاء بالتغريبِ والعلماني
بئستْ تجارةُ عصرِهم قد ساقها=نحو التَّبارِ تسلُّطُ العميانِ
وحضارةُ منبوذةٌ آثارُها=خدَّاعةٌ بالزخرفِ الفتَّانِ
أما حياة الناسِ مهما أُبعِدوا=عن دينِ ربِّ العرشِ ذي السلطانِ
تبقى تحنُّ لفطرةِ اللهِ التي=فيها النَّجاةُ ومقودُ الرُّبَّانِ
تبقى وإن يوما تمادى غيُّهم=فالأمرُ أمرُ البارئِ الدَّيَّانِ
فكنِ الفتى جَلْدًا لكلِّ مُلِمَّةٍ=واحفظْ إخاءَ شريعةِ الرحمنِ
يبقى الإخاءُ فلا أجلَّ من الإخا =في اللهِ لا في اللهو والعصيانِ
فعلى منابر نورِ جنَّاتٍ لهم=كان اللقاءُ العَذبُ للإخوانِ
ماكان يشغلُهم سوى صدقِ الوفا=يأبون غيَّ الإثمِ في الخلانِ
ولعلنا نحظى بما قد جاءَ في=هذا المآلِ بمحكم القرآنِ
ولك العهودُ وثيقةً لإخائنا=تجري أخا الإسلامِ في الشَّريانِ
هيَّا أخا الصَّبرِ الجميلِ لدعوةٍ=فيها الخلاصُ من الأذى المتداني
هي للمآثرِ جنَّةٌ فوَّاحةٌ=للعدلِ والتكريمِ للإنسانِ
وهي التي بسُمُوِّها تطوي لهم=عبثَ العقوقِ لطاعةِ الدَّيَّانِ
وتقودهم للمكرماتِ وعزَّةٍ=فقدَتْ تفرُّدَها مدى المَلَوانِ
هي دعوةٌ أنتم حملتُم رايةً=لنشيدِها القدسيِّ في البلدانِ
جاءت إلى الأعرابِ فازدانتْ بها=قيمٌ ففازوا بالجنى النشوانِ
فَلْيقرأ التاريخَ أحفادُ الأُلى=ليَروا مكانةَ مجدِنا الفينانِ
ماجفَّ روضُ فخارِهم ممًّا جرى=للمسلمين بهذه الأزمانِ
أفرادُهم مالوا إلى زيفِ الهوى=واستسلموا في التِّيهِ للبُطلانِ
حكامُهم هجروا شريعةَ أحمد=فتضوَّروا من وطأةِ الإمعانِ
جاعَ الإباءُ فصوَّحتْه عداوةٌ=فغدوا بلا قدمٍ إلى الإذعانِ
فاستعبدتهم في الحياة خطيئةٌ=فاختلَّ معنى العزِّ في الميزانِ
أين البطولات التي لم يرتجفْ=فرسانُها الأبرارُ في الميدانِ !
أين الرسالةُ من خليفةِ أمرِهم=للمعتدين ترفُّ في الأذهانِ !
في بضعةِ الأعوامِ سادتْ أُمَّتي=أرجاءَ ذي الغبراءِ بالإحسانِ
واليوم ماتلقاه من بغيِ العِدا= ومن الأذى ما كان بالحسبانِ
المالُ والمليارُ والكنزُ الذي=في أرضها لم تُجدِ مَن هم هانوا
هانوا لأنَّ البعدَ عن دينِ الذي=أعلى مكانتهم أتى بهوانِ
فالعزُّ باللهِ العظيمِ لأُمَّةٍ=لا بالهوى والظلمِ والطغيانِ
نُذُرٌ أتتْ لكبارها وصغارها=ونسائها وبقيَّةِ الأقرانِ
ولكلِّ مَن شربَ المرارةَ كأسُها=من حنظلِ الأحزانِ كأسِ الجاني
آنَ الأوانُ لهم ألا فَلْيحقروا=عيشَ الهوانِ وذلَّةَ الشُّجعانِ
ماهم طغاة في البريَّةِ أو بغوا=يومًا على ناءٍ بها أو دانِ
رسلُ المحبة والأُخوة والهدى=للخَلقِ من إنسٍ أخي أو جانِ
فعقيدةٌ جاءت لنا وأوامرٌ=من ربِّنا في السَّعيِ تقترنانِ
ولعلها هذي طلائعُهم أتى=(أُكتُوبرٌ) والسِّرُّ في الطوفانِ
والقدسُ والأقصى هما رمزُ الفدا=قد فجَّراها فوهةَ البركانِ
واستعذبَ الأبرارُ قبلُ بصدقهم=تقديمَ مافي الوسعِ من قربانِ
أَوَيُهدمُ الأقصى وأُمَّتُنا هنا=مهدودةُ الأركان كالجثمانِ !
أبتِ العقيدةُ والبطولةُ والفدا=أن تستكينَ فصائلُ الإيمانِ
وهو الجهادُ سنامُ عزَّتِنا بما=قد جاءَ دون الحقِّ في القرآنِ
رحماك ربَّ العرشِ أدرك أُمَّتي=فعليكَ ربِّي خالص التُّكلانِ(4)
ياربِّ لايُرجَى سِواك وأنتَ مَن=يُرجَى خفيَّ اللطفِ والإعلانِ
ما أقعدَ الأبرارَ ظلمُ مكابرٍ=أو بغيُ هذا الفاسقِ الشَّهواني
وبشائرُ الرحماتِ في غسق الدجى=تدعو كتائبَهم إلى اطمئنانِ
ياربِّ أثلجْ بالفلاحِ صدورَنا=واهزمْ فلولَ عساكرِ الخوَّانِ
وَلْتُطْوَ صَفْحاتُ التَّعنُّتِ والأذى=وَتَجَبُّرِ الفرعونِ والهامانِ
ياربِّ واقبلْنا بعفوكِ إنَّنا=أُبْنا لفضلِكِ ياعظيمَ الشَّان
أنت العليمُ بحالِنا وبما جرى=للمسلمين بهذه البلدانِ
فقد استباحوا يامُجيرُ دماءَنا=وبكلِّ ما في غارةِ الأضغانِ
والأرضُ ضجَّتْ من سفاهتهم ومن=ذا العُنْفُوانِ بحالةِ الهذيانِ