هوامش :
- الضَّرب : الشَّديدة القاطعة .
- الحَزِب : الشَّديد المؤلم .
- الطَّحلب : هي الخضرة النتنة التي تعلو الماء المنتن .
- الأخيب : هو أكثر الناس خسرانا ، وأشدُّهم فشلا .
يادروبَ المجدِ من أرضِ النَّبي = جدِّدي للمجدِ روحَ الغلبِ
فانشري ما كان من تاريخنا = من سُمُوٍّ في مغاني الحقبِ
سامَه الشَّرُّ الذي أوقده = نارَ حقدٍ في صدورِ العربِ
فأذابت ويحهم رفعَتهم = فاستُذلُّوا في يدِ المُنْقَلَبِ
ما رعوا مجدًا تولاَّهُ الهدى = أو أتوا شوقًا إلى نهجِ النَّبي
والسَّجايا البيضُ أخلاقُ الأٌلى = ضيَّعوها في ملاهي الأجنبي
والمروءاتُ التي لم تنحسرْ = كفَّتاها عن طيوبِ المَشربِ
بذلوها للمعنَّى نخوةً = بيدَي كلِّ شجاعٍ مِحرَبِ
وارتوى الظمآنُ شَهدًا ريِّقًا = من خوابيهم ذواتِ الشَّنبِ
فاسأل الناسَ الذين ابتهجوا = يومَ إسلامِهمُ في المغربِ
ملكوا الدنيا بما في دينِهم = من إخاءٍ ليس بالمنشعبِ
ومن العدل حكايا لم تمت = رغمَ تزويرٍ طغى في الحقبِ
والبطولاتُ التي لَمَّا تزل = بينَ أغمادِ الإباءِ اليعربي
زانها الإسلامُ من عزَّتِه = لاتبالي باحتدامِ النُّوَبِ
يتملاَّها فؤادي صُحُفًا = أُهمِلَتْ بين رخيصِ الكتبِ
كالمزايا ، فالليالي استُبدِلَتْ = بليالٍ للهوى واللعبِ
وتوارى مالَهم من هممٍ = واضمحلَّتْ قوةُ الركبِ الأبي
وهنا قيلَ : زمانٌ قد مضى = والزمانُ المنقضي لم يؤُبِ
أُغرقَ الناسُ ببحرٍ لجبٍ = من فسادِ عاصفٍ بالرِّيبِ
ومن الغيِّ الذي أنهكهم = والملماتِ التي في الضَّربِ (1)
قد تردَّوا في مهاوي وهنِهم = واستُذِلُّوا في يدِ المغتصبِ
وتداعتْ أُممٌ جاءت لها = بالقُوى العمياءِ صنعِ الأجنبي
لفلسطين وللأقصى أسى = لم يزل يشوي قلوبَ النُّجبِ
نصفُ قرنٍ المآسي لم تزل = تهزأُ اليوم بأعتى الخطبِ
والشعارات التي قد دوَّخت = أُمَّةً تجثو ولَمَّا تثبِ
لا على جبهتِها لكنْ على = عزمِها المكدودِ بعدَ الرُّكبِ
فالعدوُّ الغاشمُ الملعونُ قد = جاءَ يجتثُّ الإبا بالغلبِ
وجنى منها له خيراتِها = ورماها مسرفًا بالقُضُبِ
فمتى تصحو حِجَى أمَّتِنا = وتعيدُ المجدَ في هدْيِ النَّبي
وترى ماخطَّه قرآنُها = من يقينٍ في الغدِ المُرْتَقَبِ
وتراها بشرياتٍ لم تزل = في أحاديثِ النَّبيِّ العربي
والفتوحات وما يُملي الهدى = في صحيحٍ للبخاري المُحْدِبِ
والشَّبابُ المسلمُ البَرُّ الذي = عاهدَ المولى هنا عن كثبِ
قد كفانا ذلَّةً في عالَمٍ = قَلِقٍ مضطربٍ ملتهبِ
مزَّقوا أوطانَنا وانتهكوا = حرماتٍ لم نصنْها من سبي!
إنَّه الإسلامُ أحيا أُمَّةً = شمسُها عن عصرِنا لم تغبِ
عينُنا ترنو إلى ملحمةٍ = لم تزل غافيةً في الهُدُبِ
ظمئَ الصُّبحُ لأفواجِ السَّنا = فانشري الموكبَ إثرَ الموكبِ
وأعيدي علمَ الفتحِ إلى = موكبِ الفتحِ وطيبِ المركبِ
وامنحي أُمَّتَنا بعد الونى = عزةَ الإسلامِ بينَ النُّجُبِ
وانثريها حللا زاهيةً = لِكَمِيٍّ يعشقُ النُّورَ أبي
قد مضى قرنٌ ، وقرنٌ فاغرٌ = فاهُ لم يمضغ سوى كلِّ غبي
وهجعنا نحن في غفلتِنا = واجتمعْنا للهوى واللعبِ
وشئمْنا وحشةَ العيشِ بما = فيه من لذَّاتِ عصرٍ مجدبِ
وحضاراتٍ تمادى غيُّها = بينَ مكرٍ وازدهارٍ خُلَّبي
أسرف استعمارُهم في ذُلِّنا = وتداعوا لاغتنامِ المُخصبِ
وأقاموا لابتزازٍ محفلا = يهدمُ الدِّين وروحَ الغلبِ
واستساغوا الكيدَ في قانونه = محقَ حقٍّ للهدى لم يقشُبِ
ذاك روحُ العزم من إيماننا = يتخطَّى أيَّ غدرٍ مرعبِ
أثقلَ الوهنُ خطانا وسرى = في حنايانا ثقيل الكربِ
كم طوتْ أضغانُهم صحوتُنا = إذ تثنَّتْ بالقنا والقضُبِ
قد وهبْنا للورى فيْءَ المنى = فاستظلُّوا بمداهُ الأرحبِ
و وهبنا عيشهم مكرمةً = لابزيفٍ مُفترى أو كذِبِ
لم يهنْ فرسانُنا يوم الوغى = أو تلاشى عزمُهم في غيهبِ
نحن مَن قد حرَّروا أيامهم = من أذى قيدٍ النظامِ الحَزِبِ (2)
يومَ هدَّمنا قلاعًا شمختْ = تتحدَّى أيَّ جيشٍ لَجِبِ
وغمرناها ميادينَ الفدا = وَهَجًا ردَّ هوى المغتصبِ
يادروبَ المجدِ مازالت لنا = أمنياتٌ بعدَ تيهِ النَّصبِ
نحن لن نحيا ضياعا مرهِقًا = حنقًا أقعدَنا للنُّوبِ
إنها سرُّ مثاني ديننا = أحرزتْه لهفةُ المرتقبِ
هزَّت الأبرارَ نجوى يثربٍ = في دياجٍ عاصفاتٍ ... لنبِي
فهو الموئلُ أيام انجلى = نورُها مستوطنًا في يثربِ
عزمات المُصْطَفَيْن اتَّقدَتْ = في قلوبِ القوم لا في الكتبِ
ورياحُ الفتحِ في آنائها = حملتْ تكبيرَها في الرَّحب
إنَّني رغم ظلامٍ دامسٍ = لأرى النُّورَ خلالَ السُّحُبِ
وأحسُّ النصرَ يسري في دمي = ويُواتي في الحنايا أربي
وهي الرؤيا أتت صادقةً = ليس من أضغاث حلم مجدبِ
ما الملايين أظلُّتْ أملي = ولها بالمجدِ أعلى الرُّتَبِ
إنَّما لوعةُ أكبادٍ مشت = فوق جمر لاهبٍ مضطربِ
فَلْتُمَزِّقْ وهننا روحُ الفدا = إنَّها الروحُ التي لم تخبِ
وَلْيُوَحِّدْ صفَّنا دينُ الهدى = وَلْيُبارِك خطوَنا حبُّ النَّبي
واحذرَنْ يابن الكرام النُّجَبَا = عبثَ الناسِ وزورَ الرُّتبِ
لاتجادلْ مَن رمى عزَّته = وثوى يشكو فسادَ الملعبِ
لم يُبَوِّئْ نفسَه مدرجها = وتعامى عن عُلُوِّ الحسبِ
ومضى مستمرئًا مقتًا لِمَنْ = حملُوا الرَّايةَ رغمَ النَّصبِ
وافترى مختلقًا أنباءَ مَن = أقحموا الناسَ بفوضى الصَّخبِ
هم من الناسِ الذين استسلمُوا = لروايات العدوِّ الأجنبي
إنَّما الركبُ الذي أدهشنا = من طرازِ الأتقياءِ النُّجُبِ
لم يبالوا بالطواغيت ومَنْ = أعلنوا الحربَ لئام المذهبِ
كم لغا من وَقحٍ في ديننا = وسقى الزيفَ فسادَ الطَّحلبِ (3)
عابثًا في رأيه مضطربًا = ليبثَّ السمَّ مثل الرُّقُب
عاشَ للطاغوتِ يرمي دينَنَا = بالأكاذيبِ أتى والرِّيبِ
وأعادي دينِنا كم خُيِّبُوا = بمآتي قيمٍ لم تُحجبِ
وكم اصفرَّتْ وجوهٌ شانها = صفعُ ما في دينِنا من شُهبِ
تمحقُ الباغي الزنيمَ استمرأتْ = نفسُه ذُلَّ قليلِ الأدبِ
فلهُ الخزيُ لباسًا عدا = مستفزًّا لفنونِ الصَّخبِ
كم طوى الدهرُ طغاةً كفروا = وادَّعوا الأمرَ الذي لم يُحسَبِ
إنَّه اللهُ الذي يمهلُهم = واللظى عاقبةٌ للأخيبِ (4)
لايغرَّنْكَ مَن هم ملكوا = فمن العقبى له لم يهربِ
وله الأيامُ في دورتِها = ثمَّ من مدرارِهِا لمَّا يشربِ
أمْرُ ربِّي نافذٌ فاصبرْ له = ودعِ المغرورَ إنْ لم يَؤُبِ