على مَنْ سأبكي ؟
خلف دلف الحديثي
[email protected]ألغيْتُ صمْتَ فمي والنارُ في جسدي
ومزَّقتْ رئتي الأحزانُ مُعلنةً
والقلبُ رشْقَ نواعيرٍ مُحمّلةٍ
غِلِّي من الويْلِ ترْتجُّ العروقُ به
مُذْ كنْتُ وحْدي بلا ظلّ يؤانسُني
كأنّ ما كنْتُ تَطوي البيدَ قافلتي
كأنّما عنْ مواني الأمْسِ قد رحلَتْ
مَذْهولةٌ شفتي والقرْعُ يُرْبِكُها
خَوْفي يُلاوي اللظى سَعْفاتِ نخْلتِنا
خرَجْتُ مِنْ زَمني والمَاءُ يتْبَعُني
ترَكْتُ زادي على بابي وراحِلتي
صرَخْتُ كانَ احْتراقي لا يُطاقُ أذىً
أبْكي الجنائنَ ضيّعْنا أُنوثَتَها
وقفْتُ وحْدي أزيزُ الطلقِ يسْلِبُني
أبْكي العروبةَ ضاعَتْ حينَ ودّعَنا
أبْكي لأنّيَ لمْ أُبْصرْ شُعاعَ غدٍ
أبكي لشاهدةٍ ظلّتْ تُحَاوِرُنا
أصْغي ويسألني الإلْحاحُ أسْئلةً
هذي دمَشْقُ وذي بيروتُ في قلَقٍ
ماذا أقولُ وقدْ دُكَّتْ شوَاهِقُها
اللهَ يا شامُ كمْ مرَّتْ وَما عَبرَتْ
وكمْ وقفْتِ بسَاحِ العِزِّ ذائدةً
وكمْ بعَثْتِ بمَيْتٍ رُوحَ نهضتِهِ
شَابَ انتظاري على ميناءِ غربَتِنا
تناوشَتْنا خطوبُ الغدْرِ مُسْجَرَةً
هذا فُراتُ النّدى فاضَتْ سواحلُهُ
كؤوسُهُمْ من دمِ الثوّارِ مُتْرعةٌ
أُولاءِ أهْلي تنادَوا يا رُبى انْتفضي
ماذا يُريدونَ رقراقُ الضُّحى عبرَتْ
هذي الليالي على أحداقِنا ضرَبَتْ
وتلكَ مِصْرُ سَعَتْ تحْمي لجُثّتِها
فيها اسْبطرّتْ عصاباتٌ مُؤجّرَةٌ
ساخَتْ ببحْرِ اللظى عُمْقا قوائمُها
جُرّتْ لهاويةٍ واستسْعَرَتْ زُمَرٌ
تركْتُ خلفي بقايا جرْحِ أزْمنتي
وجئْتُ أملأ مائي منْ مصادرِهِ
كنْتُ المُدانَ إداناتي بي ازْدَحمَتْ
وكانَ حُبّي إلى أرضي يُجرّمني
وكانَ حتّى اعترافي في عروبَتِنا
حدَّقْتُ حدّقُتُ فيمَنْ زرْتهُ وجِلاً
وكلّ وجْهٍ به السّحَناتُ قد طبِعَتْ
فما وجدْتُ سوى أصداءَ ولوَلةٍ
فودّعَ الليْلُ مأسوراً بحارتِهِ
ضربْتُ راحاً على راحٍ على وجَعٍ
ودّعْتُ نفْسي على أبوابِ خارطتي
تآكلَ الرّمْلُ في ثكناتِ أوْديتي
مُمزَّقٌ ثوبُ أنفاسي وترْمُقني
والليلُ نائحةٌ يلْهو بنرْجِستي
مشيْتُ والأرضُ تمشي عندَ دائرتي
ومرْجلُ الغضَبِ الموتورِ جانبُهُ
أنا حمَلْتُ هَوى الأوطانِ مُحْترساً
لأرْضِ طنْجةَ داسوا نارَ نخوَتِهِمْ
تعمْلقوا بالتآخي أصبحوا جسداً
إنّا انتهيْنا ومِتْنا في تخاذلِنا
مُنصّبونَ وفاضَ البحْرُ تحْتهُمُ
للآن منذ احتراقِ الطفِّ في دمِنا
ومنذ أنْ طاحَ صاحَتْ كلّ أنمُلةٍ
جفَّ الفراتُ وعينُ النّفطِ ما برِحَتَ
فصارَ نفطي سلاحاً فيه يَقتلُنا
مُحاصرٌ وطني العربيُّ مذ خُصِفَتْ
قامتْ قيامةُ هذي الأرضِ وانتفضَتْ
أولاءِ عادوا على أكتافِ جُبِّهُمُ
يا غارةَ اللهِ جُدّي واحْبلي بطلاً
ومن جديدٍ خذي للعابرينَ يداً
ضَعي رجالاً فهذي الأرضُ ما عَقُمَتْ
لمْ يبْقَ شيءٌ فوَجْهي عُدْتُ أعْرِفُهُ
كلّ المسافاتِ تُطوى في توَقّدنا
لها جماجمُنا تُفدى برمَّتِها
هو الطريقُ رسمْنا فيهِ خطْوَتَنا
هذي الملايينُ ترجو مِنكُمُ أملاً
فدونكِ الموتُ يا روحي ولا تَهِنيوعدْتُ أسقي جفافَ العمْرِ بالصَّرَدِ
أنّي اكتَهلْتُ وكفّي حضّرتْ لَحِدي
بالحزنِ تسْكبُ ماءَ الجمْرِ فوقَ يدي
وتنْحني قامَتي للقيدِ والزّرَدِ
وأجّلَ الموْتُ موْتي عندَ مُحتشدي
نحْو السّرابِ وغيرُ الوَهْمِ لمِ تَلِدِ
أحلى الفناراتِ عن دوّارةِ السّندِ
مشْبوكةُ الكَسْرِ فيها أطبقَتْ وَتدي
وتهْصُرُ الرِّيحُ غُصْنَ الحُلْمِ باللَّدَدِ
لكنّني لمْ أجِدْ في قِرْبَتي مَدَدي
وعندما عدْتُ لمْ أعْثرْ على جَسدي
أبْكي لبغدادَ لا أبكي على أحَدِ
وَشَيَّعَ الدّمُّ عرْسَ الحُبِّ للأبدِ
صبْري ونثّرَتِ الطلَقَاتُ لي عَضُدي
صوْتُ الصّهيلِ وماتَ السّيْفُ بالغَمَدِ
يلوحُ بين كَهوفِ الموْتِ والنُّجُدِ
وألفُ عيْنٍ مضَتْ للسِّجْنْ لم تَعُدِ
عَمّا سيأتي وما يأتي وراءَ غَدي
يُولوِلُ الصُّبْحُ فيها مُرْهقَ الجَلَدِ
وصارَتِ القمَمُ الشَّماءُ كالبَدَدِ
نيرانُ أزْمنةٍ مرْصودةُ الرّصَدِ
كي لا يَطالَ البِلى أرْجوحةَ المَيَدِ
وقاوَمَ الذَّبْحَ مذبوحٌ بلا عُدَدِ
أرْجو لرَكبي وصولاً وهوَ لمْ يَعُدِ
ونحْنُ نُوغلُ بالشّكوى وبالفَنَدِ
بألفِ نزْفٍ يُحَنّي كَفَّ مُضْطَهِدي
ونحْنُ ننفُثُ للآتينَ بالعُقَدِ
إلى التحرّرِ لمْ ترْكَعْ ولمْ تَحِدِ
عنّا رؤاهُ وغابَتْ ضحكةُ الغيَدِ
سُوراً فأطبَقَتْ الظلماءُ في الرَّأدِ
وَيْلٌ يُرَاوِدُها في زُحْمَةِ النّكَدِ
تبيعُ لحْمَ الهوى في ساحةِ الأسدِ
وجرّحتْها يدُ الطاغوتِ بالمسَدِ
حتّى يضيعَ الذي ما ضاعَ في بلدي
فطوَّحَتْ غِضبةُ التّابوتِ في السّعَدِ
وأجرَحُ الغيمَ حتى يرتوي ثمَدي
وكلّ ذنبي أنا أشعَلْتُ للوَقدِ
وصوْتُ حقٍّ ينادي في دمِ الهُمُدِ
جريمةً في عُصورِ الزَّيْفِ والكيَدِ
وبينَهم فتَّشَتْ كفّاي عن كبِدي
منْ سومرٍ جُبِلتْ طيناً ومِنْ أكدِ
عليَّ تبكي فأبكاني أذى القَودِ
درْبَ الصباح فنامَ الوَهْمُ في خلَدي
فهَدَّ سهْمُ اشتعالِ الرِّيحِ لي جَلَدي
وكانَ بعْضُ دمي في الدّرْبِ مُتّسَدي
وعادَ يقْطنُ جَفناً شِيبَ بالرَّمَدِ
شزْراً قوانينُ غاباتي على حَرَدِ
وصوْتُ روحي ينادي خطْوَ مُبتعدِ
وقطْبُ شمْسي بضوءِ الشمْسِ لم يَفدِ
أضاع في الفيءِ مطعونَ الذُّرى رَشدي
من حضرموتَ إلى يافا على كَتِدي
وعندما حُوصِرَتْ كفّي انتهى سَنَدي
وكلّما ارْعدَتْ صاحوا بها ارْتعدي
ونحْنُ نرْجَمُ والحكّامُ في صَدَدِ
على الكراسي وتاهَ العدُّ بالعَدَدِ
ونحْنُ نبحَثُ عن رأسٍ فلمْ نَجِدِ
هذا الذي طاحَ رُغمَ الموْتِ لم يَبِدِ
للآنَ تُعطي بما يحلو لمزْدَردي
وطاردَ القصْفُ صوْتَ الطائرِ الغردِ
له المآسي ودارَ الموْتُ في الصُّعُدِ
أقوامُ هابيلَ تبْغي الثارَ عن عَمَدِ
ويوسفُ الحسْنِ بين النّارِ والبَرَدِ
ويا نساءُ لِدِي للفارسِ النّجِدِ
وحَطّمي جُدُرِ الطّاغوتِ واتَّحِدي
وما نزالُ نصوغُ النّصْرَ منْ أُحُدِ
وأعْرفُ الدّرْبَ إنْ أطرُقْهُ يَحْتشِدِ
ويرْجفُ الكوْنُ لو صِحْنا بها انعَقِدي
كي لا يَطالَ الرُّبى غازٍ ولم يَكِدِ
منَ العراقِ لأرضِ الشّامِ للصّفدِ
لتبزغَ الشمْسُ في أثْوابِها الجُدُدِ
وغيرُ ماءِ العُلا والعزِّ لا ترِدِي