واوي الشيخ كاصد
(1)
د. حسن الربابعة
قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة
أيُّها الواويْ الأسي |
(م) |
رُ،فــــي الدِّيار الَّلندنيهْ |
ذقتَ مرًّا ،بعد طيبٍ |
(م) |
في الدِّيار الكـــــاصديه[2] |
لم يـــــــكـــنْ أسرُكَ إلا |
|
خدعةً[3]ًمن "تاتشر"يه |
أحـــــدقـــــــــتْ أجنادُهم |
|
والفرو غايتُهم دنيَّــــه |
متَّ، يا واوي، غريبا |
|
عن فــــــرات الرافديَّهْ |
كم عضضت الجندَ حينا |
|
بالنيوب الجـــاهـــزيَّه |
فمضى "Henry " بذعر |
|
ذاك وحـــشُ القادسيَّهْ |
فبـــكـــــــاك اليومَ راعٍ |
|
كيف تأسرُك البغيَّه؟! |
******
عينُهُ العـــــوراءُ نزَّت |
|
بالدِّمـــــا،عينٌ بـــكيــــَّـهُ |
ومضى للشيـــــخ يهذي |
|
راح "واوينا "ضحيــــَّـــهْ |
صفَّدوا "واوينا "قيـــدا |
|
أغمضوا "البوبو" اذيَّه |
حدثني والدي قائلا":
عندما دخل الانكليز العراق عام 1918 بعد أن تم دحر العثمانيين من منطقة الفرات الأوسط قرروا أنشاء معسكر لهم في هذه المنطقة.
وبالفعل نفذوا ذلك وكان مكان المعسكر يقع ضمن مناطق نفوذ أحد مشايخ الفرات الأوسط آنذاك وهو الشيخ كاصد.
ولم يكن لهذا المعسكر واجب يذكر فكل شيء هادئ جدا" في المنطقة والعثمانيون غادروا العراق نهائيا”. ولم يكن لدى الضباط والجنود أي واجبات. وكان لديهم الكثير من الوقت فقرروا صيد الثعالب وهي هواية محببة لدى فئة كبار العسكريين البريطانيين.
وفي أحدى المرات قامت مجموعة من ضباط هذا المعسكر بمطاردة ثعلب داخل عمق مناطق بساتين الشيخ كاصد. تمت محاصرة هذا الثعلب وكان جميل الشكل فقرروا أسره وشحنه إلى بريطانيا للمباهاة.
وتشاء الصدف أن يشهد الحادثة أحد الرُّعيان وكان قبيح المنظر أعورا" وأعرجَ وقصير القامة. ولم ينبس هذا الراعي بشفة في حينها لكنه أمتعض امتعاضا" شديدا". وحالما غادر البريطانيون البستان جمع الخراف على عجل وتوجه إلى مضيف الشيخ.
دخل الراعي المضيف وكان الشيخ جالسا مع رجاله وربعه من العربان وقام برمي العقال على الحصيرة وهوس مايلي بالجلفي (مع الشرح بالفصيح):
واوينا ياكـــــــــاصد شنهو السبب كضة
(لماذا أسرو ثعلبنا)
تراجية ذهــــــــــب والطــوك من فضة
(معناها ثعلبنا عزيز وغالي)
جم صوجر بصـــــــــــوجر بالسدر عضة
(عض كثير من الجنود البريطانيين)
ميســــــــور إل لنـــــــــــدة يــــــودونة؟
(هل سنقبل بأن يرسل إلى لندن أسير)
عندئذ ساد المضيف الهرج والمرج من شدة هذا الكلام عليهم، شلون الواوي يروح أسير إلى لندن.
وزعق الشيخ كاصد على أتباعه: تفـــــككـــم إخوتي .........تفـــــككـــم إخوتي .........
وجمع الشيخ كاصد مجموعة كبيرة من المسلحين ببنادق "الكجك جبلي" القصيرة والتي تستخدم في الهجمات الالتحامية وتوجه والى المعسكر البريطاني. وفي هجوم خاطف دخلوا المعسكر الغير مستعد وفتكوا بكل الجنود البريطانيين الموجودين فيه. وبحثوا مطولا" عن الواوي ولكن بدون جدوى ولم يكن له أثر فعاد الشيخ كاصد مع رجاله إلى ديارهم وهو يرتعد من الغضب فقد تم شحن الواوي إلى لندن وكان هذا قدره.
أمَّا ما كان من البريطانيين فقد صعقتهم المفاجأة فهذا عمل عسكري تكتيكي لا سابقة له في تاريخ الحرب العالمية الأولى وما قبلها. وربما أخذ الألمان من الشيخ كاصد فكرة الحرب الخاطفة. وبدأ البريطانيون تحقيقاتهم وتحرياتهم مستفيدين من ذوي النفوس الضعيفة وشخصوا قائد المقاتلين وتحسبوا لكل ما يمكن أن يكون أسوأ من ذلك واعتبروه إهانة لا يمكن غض النظر عنها لملكتهم المعظمة وللتاج البريطاني وتوصلوا إلى حل أوله قطع رأس الشيخ كاصد ولن ينتهي إلا باجتثاث رجولة كل رجاله الذين شاركوه في الهجوم لكي يكون عبرة لغيره.
وكعادة البريطانيين في الكيد و الخباثة طلبوا من الشيخ كاصد أن يتوجه لمقر المندوب السامي البريطاني في بغداد للتفاوض والغرض الحقيقي الإنفراد به وأسره لغرض تنفيذ الحكم بإعدامه.
رفض الشيخ كاصد هذا الطلب وقال ما معناه اللي يريد يحجي وياي يتفضل عندي بالمضيف وهو آمن على الرحب والسعة.
عندئذ توصل المندوب السامي إلى حل وسطي في الخباثة وأرسل له بطلب موافاته في القطار الذي سيتوقف في أقرب محطة من مقر الشيخ كاصد وفي ضميره أن يأسره في القطار ويتوجه به إلى بغداد حيث يعدمه هناك. وافق الشيخ كاصد وتوجه إلى المحطة.
وعندما وصل إلى المحطة كانت تحوط القطار من جميع الجهات جميع تفاكة العشاير والربحر من الرجال والعكل والسلاح من عشائر الفرات الأوسط . وكان القطار يبدو مثل القارب الصغير وسط بحر من الرجال المسلحين.
وطار قلب المندوب السامي البريطاني شعاعا" فقد ظن بأنه وقع في فخ الشيخ كاصد (كلمن يشوف الناس بعين طبعه) وأن الشيخ ينوي الفتك به كما فتك بجنوده.
ولكن الشيخ كاصد لم يكن يضمر الغدر وصعد إلى القطار وكان لبقا" ودبلوماسيا" في حديثه مع المندوب السامي وحاول بحلاوة المنطق إن يعيد الواوي إلى موطنه. وهنا ارتأى المندوب السامي طلب جزية لقاء الجنود الذين قتلوا في المعسكر البريطاني فلم يكن يصدق مطلقا" أن هذا العمل العسكري المرعب هو لإطلاق سراح الواوي. وحاول أن يكون حادا" مع الشيخ بكل عنجهية واستعلاء فكتوري على طلب مبلغ يكسر الظهر.
أدرك الشيخ كاصد أن لا جدوى من الكلام مع المندوب السامي البريطاني فقال له إنني لست صاحب القرار في ذلك ولكني سأنقل رغبتك بكل أمانة لأخوتي وأنا سأطيعهم في ما يقررون. وخرج الشيخ من القطار ولم يجرأ أحد على إيقافه.
خاطب الشيخ كاصد جموع المحاربين قائلا" بطريقة يفهمونها بقصد استفزازهم على البريطانيين:
- الصاحب يريد دن (جزية تعويضية) والواوي باقي يمهم شتكولون أخوتي؟؟؟؟؟؟؟ "يستشيرهم "
وهنا جن جنون المحاربين من هذا الطلب وظلوا يهوسون ببنادقهم ورافقتها أطلاقات نارية في الهواء: " وما احلي زغاريد البنادق للدفاع عن الوطن!"
- دن ما ننطي وهد واوينا
- دن ما ننطي وهد واوينا
- دن ما ننطي وهد واوينا
ارتعدت فرائص المندوب السامي ومن معه من المرافقين والحرس وظنوا أن الهلاك المحتم مصيرهم.
وأشار عليه أحد مرافقيه أن يغض النظر عن هذا موضوع الدن وأن يعد الشيخ بإطلاق سراح الواوي بأسرع وقت. فقال المندوب السامي ما معناه منين أجيب الواوي؟؟؟ فقال له من معه " جيب أي واوي منين ما جان وأعطه لهم وسد حلكهم.".
عندئذ أبرق إلى بغداد بإرسال أي واوي شلون ماكان بأسرع ما يمكن وكان له ما أراد.
وهكذا عاد الواوي الأغبر إلى دياره بزفة عظيمة من هوسات المقاتلين الذين أسعدتهم عودته ولم يسبق أن حظي بهذه الزفة أي واوي في تاريخ العالم القديم أو الحديث. كذلك عاد الشيخ كاصد فرحا" ومسرورا" بعودة الواوي العزيز والغالي والذي من أجله سقط العشرات من الجنود البريطانيين مضرجين برصاص العشاير فداء له.
من ناحية أخرى عاد المندوب السامي مع مرافقيه إلى بغداد غير مصدقين بنجاتهم من ناحية وكيف أن أرواحهم كانت على المحك وإنها توقفت على واوي أغبر واحد وما أكثر الواوية في العراق وبريطانيا العظمى.
خلاصة الكلام مما سبق أن العزة لله وحده
ولكن من
يعتز بأبناء بلده جميعا" حتى لو كانوا واوية فأنه لن
يهون أو يهان أحد من أبناء ذلك البلد مطلقا".
لقد عرفها الشيخ كاصد قبل تسعين عاما"
فهل عرفناها نحن؟؟؟؟
الجواب أسمعه من عدكم
[1] انظر رسالة الأديب الفاضل يوسف الشريف المرسلة إلي وفيها تفصيل وماخصها أن واويا للشيخ كاصد العراقي في الفرات الأوسط أسره جود انجليز في بستان للشيخ كاصد وأرسلوه أسيرا إلى لندن، للمباهاة به وجمال شكله ، فغضب راع عراقي اعور وقصير وأعرج مما فعله جنود بريطانيا بالواوي ولأسرهم الواوي في احد بساتين الشيخ كاصد ، ثم دخل إلى بيت الشيخ ورمى أمامه عقاله هذا قبل تسعين عاما مضت ،وارتجل حينها قصيدة بلهجة غريبة يحثه على إعادة الواوي الأسير والانتقام من آسريه ، وفي هجوم مباغت قتل جنوده كل الجنود البريطانيين في المعسكر المجاور فما إن سمع مندوب بريطانيا بالخبر حتى صعق وبدأ يكيد للشيخ كاصد لجلبه إلى بغداد وإعدامه ويقطع الأعضاء التناسليه لرجاله فرفض كاصد الذهاب إلى بغداد ،لان صاحب الحاجة هو الذي يجب يأتي للآخر ، فأرسل المندوب البريطاني لدهائه قطارا لإحضار الشيخ كاصد ولأقرب نقطة من منزله ، فركب القطار كاصد ورجاله ،واحتشد جنود كثر ببنادقهم "الكجك جبلي" على الطرقات يحيون كاصدا ، ولما وصل إلى بغداد طلب المندوب البريطاني جزية عن جنوده القتلى ،فطلب كاصد إعادة الواوي إلى موطنه، مذكرا بناقة السوس ودهسها فراخا مستجيرة في بستان الشيخ ،وهي وان كانت جاهلية ففيهما استثارة نخوة للدفاع عن الحمى ، سواء أكان حقلا أو اتسع وطنا ـ أما الجزية فمرهونة بمشاورة رجاله فغضب رجال كاصد من هذا الشرط وتوعدوا فما كان من مندوب بريطانيا إلا أن أعاد واويا بديلا من براري بغداد وسكت المنوب البريطاني عن الجزية لما شاهد عقربه الحواجب الكاصدية
[2] يقصد به الشيخ كاصد في الفرات الأوسط ، وكاصدية نسبة إليه
[3] أحاط الجند الانجليز بالواوي من كل جهة فأسروه في بستان الشيخ كاصد