مختارات من وحي المقابلة
حديث الطرشان
طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
نصيحة أولا للصحفيّة التي أجرت المقابلة, حين يُطلبُ منكِ أن تجري مقابلة مع رئيس دولة غير قادر على رؤية أو سماع ثورة شعبية عارمة تشتعل في بلده منذ تسعة أشهر، فلا تتوقعي أن تحصلي على أجوبة مفيدة لأسئلتك.
المُقابَلة
حديث الطرشان
قابَلوهُ ... ويالَيتهُمْ ماقابَلوهْ!
وحاوَروهُ ... ويالَيتهُمْ ماحاوَروهْ!
قالوا عنهُ أنَّهُ يجيدُ اللغَةَ
فلا شَفِعتْ لهُ اللغةُ ولاالقتلى سامِحوهْ
وقالوا أنَّهُ طبيبٌ مختصٌ مِنَ الخارجِ
ربَّما إلى الخارجِ يجبُ أنْ يُعيدوهْ
إنْ كانَ (آخِّرُ الطِبِ الكَيَّ) فطبيبنا
منذُ اليومِ الأولِ أمرَ أنْ يَستعملوهْ!
ولما سَألوهُ عَنْ رأيهِ بلقبِ الديكتاتورِ؟
قالَ لايَهُمُهُ مادامَ ناسُهُ يُحبِّوهْ!
فسَألوهُ ولماذا سَمَحَ بكلِ ماحصلْ؟
فتحداهُمْ بِما حصلَ أنْ يُخبِروهْ
ولما أخبَروهُ عَنِ الثَورةِ أنكَرَها
فقالوا أنَّ الرجلَ إمّا مجنونٌ أو معتوهْ!
وإمّا مُنقطِعٌ عَنِ العالَمِ
وبِما يجري مِنْ حولهِ، أعوانُهُ لمْ يُعلِموهْ
قالوا لهُ كلُّ العالَمِ قاطَعَهُ
حتى جيرانهُ وأصدقائهُ مِمَنْ سانَدوهْ
فقالَ لايَهمّهُ مادامَ الشَعبُ لمْ يقاطِعَهُ
فناسُ الداخلِ همْ فقطْ مَنْ يَهُمّوهْ
وأنَّهُ يَحظى بدَعمِ الأغلبيةِ!
فهوَ ماقَبِلَ بالرئاسةِ إلا لأنَّهمْ يُحبّوهْ!
فقالوا لهُ أنَّ الناسَ تُقتَلُ بالآلافِ
فسَألهمْ عَنِ الدليلِ الذي يَملِكوهْ؟
قالوا أنَّها قواتُهُ فأجابَ ليسَتْ بقواتِهِ!
فهوَ مُجَردُ رئيسٍ الناسُ اختاروهْ!
مُجَردُ رئيسٍ ولكنْ ليسَ بملكٍ!
والدليلُ أنَّهُمْ استفتوا عليهِ ولمْ يتوِّجوهْ
"لايُنتخبُ الرئيسُ عندنا" قالها بلا خجلٍ
ثمَّ قالَ أيضاً أهلهُ للحكمِ لمْ يُورِّثوهْ
وسألوهُ عَمّا جَرى للأطفالِ؟
فقالَ أنَّ أهلَ الأطفالِ قابلوهُ وبَرّأوهْ
وعَنْ رسامِ الثورةِ قالَ بأنَّهُ ليسَ
بمسؤولٍ عَنْ كُلِ الذينَ رسموهْ
وعمَّنْ قتلَ شَحرورَ الثورةِ قالَ
لايعرفُهُ ولايعرِفُ الذينَ قتلوهْ
فسألوهُ إنْ كانَ ضميرُهُ يُعَذِّبهُ؟
وهلْ لأمثالِهِ ضميرٌ حتى يَسألوهْ؟
ولمّا ذكَّروهُ بحقوقِ الانسانِ ضحكَ
وكأنَّهمْ قطعوا المُحيطَ إليهِ ليُضحِكوهْ!
وفيما إذا كانَ يشعرُ بالذنبِ، ضحكَ أيضاً
أما للرجلِ أعوانٌ للمُقابلاتِ يُحَضِّروهْ؟
فمنْ أولِ المقابلةِ إلى نهايتِها، لا يبدو أنَّ
مُحاوريهِ مَرّةً واحدةً صَدَّقوهُ أو قَبضوهْ
جوابٌ مِنَ الشَرقِ وجوابٌ مِنَ الغربِ
إنْ ظنَّهُ ذكاءً، فالذكاءُ آخِرُ ماظنّوهْ
وظنَّ البعضُ أنَّ المقابلَةَ فيها رِسالة
رِسالتي لأهلِهِ أنْ بلا رقابَةٍ لاتتركوهْ