أوديةُ الجراح
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]
وطـناً حملتك في الضلوع مسوّرا
ويـداً يـدقُّ الـمـستحيلَ وُثوبُها
فـاخـترْت وجهكَ للعيونِ ملامحاً
لـتـكـون وحدك يحتويني شكله
حـزنـاً شهقتُ بدفقِ ماءِ جوارحي
وخـشـيتُ أنك لم تعد تصطادَني
فـغـزلت أجنحة الصباح وهُدبَها
ورسمْت في الصحراء قيسَ جنونِها
فـرقـصْـت حلماً مرّ بي متغزلا
وصـنـعـت قافية السرابِ يمامة
فاصطدت حرفي واحتويتُ براءتي
لـتـكـون وحدك مَن يقيم صلاته
وغـفـوت جئت إلى عيوني زائراً
قـد أصطفيك ولست أخشى أنْ يداً
قـد أشـتـهـيك وربما لن أشتهي
قـد أشـتهيك فلا وربي ما اشتهت
يـا أيـهـا الوجعُ المحاصرُني فماً
يـا أيـهـا الـلا أشتهيك تذوقني
فـكـنِِ الـتماعاتي وأطفيء نبضَه
وأقـم بـمـنأى أضلعي وطقوسها
وأعـدْ إلـى وجـهي ملامحَ بسمة
كـن لـي ارتجاجَ اللا مكان يلمّني
كـنْ لـي الشّظايا أعتريك غرابة
يـا أيـهـا الوجه البريء يخيطني
جـسـدٌ من النكبات زاوج هيكلي
لا بـدّ مـنّـي في يديك تحيطُني
لا بـدّ مـنـك لكي تسلِّلني ضحى
كـن لـي احتلالاً كي أكونك ثائرا
جـئـني حريقاً لستُ عنك براغبٍ
جـئـنـي سحاباُ كي أسابقَ برقها
واشـربْ قناعاتي فبعضي لم يزلْ
وسـحـائـبـي لم تستردّ عفافها
حـتى ولا شمسي استردّت ومضها
أنـا قد وعدتُ الصبحَ أن يأتي غدا
لا بـدّ مـن نـارٍ لـتسرج زيتَها
لا بـدّ مـن ظـلٍّ يـقيمُ طقوسَه
عـلِّـمْ عـيـوني أنْ أكونَ نبيّها
أنـا طفلُ هذي الأرض أمنحُها دماً
وأرى مـيـاديـنـاً رموز جنونها
كـنـهـي عـلـيّ تغيبت أسراره
وأرى الـنفوس قد انحنت لقبورها
لـتـغصّ بالفرسانِ ساحاتُ الوغى
شـعري انفجارُ الريح أوّلُ عصفِه
أنـا غـيمة الآتين يزرعني الردى
يـا فجْرَ هذي الأرض ينطقني فمي
عـلّمت نفسي أنْ أكونَ لها الرحى
عـلـمـتـها إمّا الجراحُ تمايزَتْ
عـلـمـتـهـا أنّي أخيطُ حدودَها
ورجـعْـتُ منّي أصطفيكَ قصائداً
فـوجـدتْ ما قد قيلَ طوّق حاطباَ
نـاديـتُ فاحترقَ الصدى في أفقه
وإذا بـدجـلـة قُـطّـبت قبلاتُه
فـتـلـبّـستْ فيه الدما وتكشّفتْ
خَـطُّوا على الحيطانِ وعدَ مماتِهم
وهـمُ الذين إلى الشذا منحوا الشذا
بـالأمـسِ أعـتمت البلادُ فلوّنوا
فـتـسـابقت نحوي خفايا أسطري
وجـهـي سنابلُ حقلهِ منه اختفتْ
ومـخـابئ الأحزان في تجوْهرَت
أعـلـنـتُ موتي واقتنصت زمانَه
حـالـفتُ خطوي واختلفتُ ورملَه
أخـفـيت بعضي في خفايا جرمه
مـا زلـت يـتبعني سلاحُ جنونهم
قـلـقـي يـساورني وثمة حاطبٌ
مـا زلـت مـن قلقي أفرّ لدهشتي
والـقـلـب حاولني لأنفي صوتَه
فطمستُ وقعَ النزع في مقل الدجى
أخـشـى عـليَّ وقد نَفيتُ معالمي
حـاولـتُ عـنّي أنتهيك فأخجلتْ
فـخـشـيتَ منّي أنْ أعودَ لدولتي
لـتـعـود آفـاقُ الـعراق حمامة
جـفّـت شواطؤه فصاحتْ نخلتي
عـد بـي إليك فكلما انتهكت يدي
أي انـتـهـاكـات وأيـة سطوة
مـاذا تـبـقى من وجوه ما انحنت
يـا أيـهـا الـلا أشـتهيك مودة
تـدري بـأنّ الأمـس عادَ مخاطباً
ضـاقت عليك خطوطها وتشابكت
يـدك الـتـحـدّتْ كسّرتها شوكة
حـتـى إذا صـاحت تبلّجَ فجرُها
سـتـقوم كلّ الأرض تعلنُ بدءَها
يـومـا سـينتفضُ الزمان محاسباُ
يـا أيـهـا الـوجه الغريب أقالني
قـلني فلون الأرض خالط سحنتي
فـلكم دحوت دجى الضلوع خناجراً
هـلا سـتمنعهم حصونك لو مشى
مـا زلـت تـفرغني قدورُك لقمةً
مـا زلـت قرصنة بصيف نهايتي
ونـحـت فـي عينيك جلد خديعة
ووقـفـت تـبدعه الكلام مصححا
لـن أفـتـديـك وإنـني قد أفتدي
سـتـظـل يسقيك الجفاف مواسما
فـي أي مـوت يـشتهيك ستنتهي
لـوثـت وجه الشمس لاكت لحمنا
لا صـوت بـعـد اليوم يوقد ليلنا
فـمتى ستخجل من ممارسة الأذى
سـيـجـيء ما لا تشتهيه وتنحني
فـلـقـد تـكلمت الجراح وأطلقت
تـحتاج بعض الصبر يا شعبي فلا
نـحـتـاج مـوتا كي نقوم بعبئنا
أنـا إنْ غـفرتُ إلى جنوحك فعلهودمـاً عـلى وادي الجراح تفجّرا
لـيـقـولَ لـلتاريخ جئتُ لأعبرا
وحـمـلـتُ مـرآتي إليك لتنظرا
وتـكـونَ أنـتَ الوعدُ لن يتكرّرا
لـمـا أسـلـتكَ في وريدي كوْثرا
فـي سعفِ نخلك كي أكونكَ مِنبرا
لـلـمـوجِ ثوباً فيه يحتفلُ الثرى
وخـيـامُه في نجدَ يقصدُها الورى
يـأوي إلـى عـش النجوم مُحيّرا
وعـصرْت محبرة العطورِ لأسْكرا
ورجعت نحو الظل أمشي القهقرى
قـرْبـى ومـثل الأمس لن يتكرّرا
مذ غاب عن عيني وما رجع الكرى
لـن تـصـطفيك ومنك لن تتذمرا
أن أنـتـهيك وفيك أكتب ما جرى
نـفـسي سواك له احترقت مُعْطّرا
قـل لـي مـتـى أمتد حتى تعبرا
إسـكـبْ مدادَكَ في العيون لتشعُرا
أو كـنْ شـعوراً كي أكونكَ دفترا
حـتـى يـفجِّرني ارتباكي عنبرا
ودعِ الـشـموسَ لكي تسافرَ للورا
ظـلاً وكـن لي في المتاهة مَعبرا
ولـكـي أجـيئك من دماي محرّرا
ثـوبـاً وتـلـبسني النوار أنهرا
أرْضـاً مـصوّحة وغصناً أصفرا
وسـطـاً ويحملني الجنوبُ تبخترا
جـبـلاً بـبـلّوط الشمال مُهجَّرا
لـتـجـيـئـني بفم اللظى متنمِّرا
كـي أرتـديـك مشاعراً لن تنكرا
لأقـول أنّ الله عـنـدك أمـطرا
مـاءً وبـعـضـي كالرماد تبعثرا
كـلا ولا مـطرت سمائي جوْهرا
جـاءت لـيـعقده السراب ليكبرا
لـيـدقَّ في ضلع الغروبِ الخنجرا
بـيـن الضلوع لكي تعودَ فتزهرا
عـنـد النخيل لكي أجيء فأسهرا
مـتـغـزِّلا بالرفضِِ حتى لنْ أُرى
كـي تـنبتَ الأنفاسُ وعداً مزْهرا
عـادت لتنجبَ في حدودي عسْكرا
وأنـا لـسـرِّ الذات عشتُ مُحبِّرا
لـتـجـيء لغزا في الحياة مُستّرا
وصدى الهديرِ لصوت بعضيَ طهّرا
يـأتـي لـمَـنْ خانَ البلادَ ودمّرا
رمـحـاً بـخاصرة الزمان مُكوّرا
رعـداً يـغالبُ كي يكونَ الأجدرا
وأكـونَ عـيـناً للضميرِ بما درى
سـتـخـطُّ سـفراً للطفولةِ أزهرا
بـدم الـوريـدِ ومنه أنسجُ أسْطرا
ألـبـسْـتها جِلدي بسيمائي انبرى
صـدري وكلّ القولِ دونك مُفترى
وإذا الـفـراتُ بـحـزنِه مُتزنِّرا
وعـلـى شـواطئِه الجمالُ تغيّرا
عـن رصدِها وَعلا الخُداعُ ليغدَرا
أطـفـالُـنـا وله أقاموا المَحْشرا
ولـه الـنـدى فرشوهُ كي يتعطّرا
أسـوارَها ولها مضوا أُسُدَ الشَّرى
فـأتـتْ بدربِ الريح كي تتبصّرا
فـأقـام مـيـلادَ الـسماءِ ليظْهرا
وإلـيّ أعـلـنتِ الرحيلَ الأعْسرا
خـبـراً يـذاعُ ومـا أُذيعَ مزوّرا
والـخوفُ زاد على العروقِ توتّرا
وفـم الـشـظـايـا للتوجّع عكّرا
وبـي ارتـدى إعـجـازه وتعثرا
لـيـدي بها ذُهِل الردى وتجمْهرَا
وذبـابـهـم داسَ الـسّرابَ ونقّرا
مَـلـلاً وطـفلُ الروح فيّ تكسّرا
ومـسكت نبضَ القلب كي يتحرّرا
وكـرهت وجهي أن يخون ويغدرا
هـذي الـورودُ حبالَ ليلك والكرى
وإلـى سـرايـا الـمـيتين فأثأرا
بـيـد الـزمانِ ولن يُرى مسْتَعْمرا
مـا عـادَ غـصنُ الله يطلعُ مُثمِرا
حُـمّـاكَ شـتـتتني الأوارُ ونثّرا
أوشـكـت من خوف لديك مؤطرا
فـي السجن من حبل تدلى مُكترى
مُـذ كـنت مأموراً وصرتَ مؤمَّرا
صـلـوات أرضي يستفزُّ المحشرا
كـلُّ الـمُـدى ومَداك صارَ معفّرا
وعـلـيك كادت أنْ تميد وتسجرا
بـغـدادُ وانـتـفضَ السراة تكبّرا
وقـيـامـة الأموات تلعنُ قيصرا
وتـصـيـرُ دجلة للأوائلِ مَصدرا
مـوتـي فـقف حتى أجيئك مُنذرا
وبـدوت مـن حصبائهن الأسمرا
وبـكـل صـدر منك أصبح معبرا
شـعـب تـصدى للممات مشمرا
وعـلـى مـرافي منكراتك منكَرا
مـنذ ابتدأت وبحر قهرك ما جرى
وغـصـصت فينا شهقة وتحسّرا
خـطـأ السنين لكي تكون الأقدرا
وطـنـا على عرش الفؤاد تسمرا
مـتـقـصـدا حتى تموت وتقبرا
يـهـمـي عـليك بما يشا متأثرا
زمـر الـزنـاة تحوك موتا احمرا
إلا دم الـشـهـداء يورق اخضرا
ومـتـى تـقوم عن الدماء لتبصرا
مـتـوشـحـا بالموت فيه مزنرا
صـوتـا فـقـام لها الجهاد مكبرا
تـنـسى لمن ذبح الصدور وأوغرا
حـتـى لـنـجني من ثرانا بيدرا
يـبـقـى القصيد فلن يعف ويغفرا