دروب
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]يـا طـائـرَ الروح والذكرى بنا تردُ
وهـمسُ ماضٍ على الربوات ناعسني
ولـمـحةٌ ضوّأت في الغيبِ هاجسَها
وغـابـة الـنارِ ما هانتْ مطامحُها
ولـن يهون الذي قد جاش في خلدي
وفـي عيوني ثوى طيف الكرى لمَماً
يـرتـادُ بـوْنَ خـيالي لمحُ صورته
ويـسـتـقي بدمي مُذْ شعشعَتْ شعلٌ
وَوَلْـوَلاتُ صـدى لـلأمس تنشرُني
ولـوحـة من خيوط الكان قد رسمت
وفـي ضميرِ مدار الصمت تفضحني
وأنّـة نـثـّرت يـا بـوح خاطرتي
دمُ الـرجـولـة مـقـرونـقٌ بأفئدة
ومـنـه تُـسـقى وما شحّت روافده
مـاضٍ تـأرجـح في عينيّ زخرفه
فـاضت على شفتي الألحان فانطلقت
يـلـوح حـيّـاً هنا حيّاهُ مَن زرعوا
أنـي الـتفت ترى آي الجمال مشى
فـي كـل شـاهـقـة تسمو معلقة
هـذي مـعـاهدهم فيها ارتقت عبر
تـواكـبـت طـيّها في كل منعرج
مـسـتـأمنون بما صاغوه من حقب
شـابـت ومـا زال فينا عابر عبق
مـهـمـا تقادم كر الدهر من عجب
قامت وقد مدّ الحجا في عصرنا طنبا
تـسـقـي التهافا لأرواح بنا عطشت
فـمـن يـروم وإن أضـمتك قارعة
أيـد تـلاقـت عـلى بطحاء منتجع
هـنـا الـجـدود وفيهم خلدت سير
تـسـري مـواكـبهم لكن وما فتئت
تـبـقـى لـنـا عظة تغوي منشِّرةً
ولـلـنـواظـر ما زالت لشاخصها
عـزت وقد خلعت ثوب اصطبار فم
مـلاحـم الأمس خطت سفر مدرسة
تـبـقـى أغان بثغر الصادحين بها
تـزهـو الـنياشين في أعطاف ثنيته
يـا شـام دربـك حلم الروح طوقني
هـنـا لـغسان يحكي رسم منعطف
تـبـنـي مـكـابرة عزا سواعدهم
كـانـوا عـمـالـقة ما داسهم رهق
لـلـعـرب مدوا بأرواح الأُلى طنبا
وأنـهـم زرعوا في الأرض مجدهم
وأنـهـم نـقـشـوا بالصخر أحرفه
فـاءت عـلـينا وللفصحى شواردهم
لـلآن فـيـنـا نـواديـهم تساجلنا
والـواردون عـلى مجرى مواردهم
هـذا أبـا الـطـيب ما تنفك حاردة
هـنـا خـيول بني حمدان في حلب
ولابْـنِ ذبـيـان في الأصداء جلجلة
مـشـيـت فـيها وطرفي في أزقتها
وكـلـكل الصمت في حاراتها سرفا
حـتـى خـبا الضوء غالتني غوائله
وحـدي وأفكاري على رغمي تعاندني
وفـيه لاحت بوادي الصمت أشرعة
تـجـري عـلـى مهل فينا غواربها
وفـي الـسماء هنا لاحت لنا سحب
وغـاب عـنـا نداء السامرين دجى
وفـوق جيد الربى ألوى على ضجر
فـاربـدّ فـينا صدى التاريخ مغتربا
هـنـا مـواكب أجدادي قد احتشدت
شـدت لـسـاعـده المفتول آصرة
ومـرّ أمـس بـعـيني حالما شبحاً
شـادت أمـيـة ما شاءت وما فتئت
وأنـهـم وهـبـوا فـيما لهم وهبت
وأنـهـم عـمـروا شملا غدا كسرا
هـبـت تـغالب ما صاغته حكمتها
فـفـتَّـحـتْ مـا نأى رغما مكابرة
وضـاقت الأرض حتى عن مطامعها
تـبـنـي لأحـقـبة ما هم ما خبأت
غـاروا عـلى سرج في جحفل لجب
وقـد أقـامـت عـلى الدنيا هياكلها
دهـر تـعـدى وفي الأركان مطرح
ولـلـمـحـاريب في الأقباء أقيسه
هـنـا الـزمان حكى عنهم محاورة
الـمـسـتـطـيـرون شبانا وأكهلة
والـمـطـعمون سعار الحرب لحمهم
قـل لـلـذيـن بهم عن مجدهم عمه
لا تـوئـدَنّ دمـا قـد سال منسردا
فـلـيـس فينا هنا من قد يضارعهم
جـيـل تـفـاني وللتاريخ قد كتبوا
يـا شـام مـكمودة روحي بها عنت
أتـيـت واديـك مـغبرّ الشفاه فمي
وأشـرب الصبر في حلقوميَ اشتعلت
فـزّت مـن الوجع المحرور أوردتي
لـم يـبـق سـهل يغادينا ولا جبل
وفـيـه غـامـت بمدّ الأفق عبرته
مـرّت عـجـاف مهولات قوارعها
سـت وفـيـنـا تـغـادينا مداخنها
تـقـيءُ حـقـدا إلـى الشذاذ فذلكة
* * *
يـا شـام يـوحشني دربي مصايره
مـا كـان أظـمأنا من أن نرى شفقا
وعـاصـفـات لـيالينا غدت لججا
كـنـا عـنـاقيدا على الدنيا معرشة
حـتـى دهـتـنا عمايات تطوف بنا
وبـدلـت ظـلـمـا آلاء بـهجتنا
وصـادرونـا وألـقـى العب كلكله
يـا شـام مـحزونة روحي بها وجع
دم يـسـيـل ومـا راعـوا لحرمته
وفـصـدوا بـلدي واستفحلوا سرفا
وشُـرِّد الـناس في البلدان في حجج
إيـهٍ دمـشـق بـشـاشاتي تغادرني
تـمـضي سنيني وقلبي ظل محتسبا
ضـاقـت وضقنا وقد غالوا رغائبنا
مـتـى أرى بـلـدي يلقي وعن ثقةومـهـرجـانُ حـروفي فيّ يحتشدُ
ومـنـه ألـفُ ادّكـارٍ راح يطّـردُ
ولاعجُ الصدر يروي بعضَ ما يجـِدُ
بـيـن الـعروق سعارٌ ليس ينفصدُ
ولـيـس يـنـكـر ممّا فيه يختضدُ
وأمـسِ فـيـها التقي حتى وزار غدُ
درب الـجـدود فـيذكي عرفه البلدُ
مـن الـبطولات في أوراقها نضدوا
عـلـى الـسطور نهاراتي وما تعدُ
مـاضـي السنين بذهنِ الغيب تنولدُ
حـمّـى الأناشيد جمرَ الروح يتـّقدُ
لـيـلَ الـسكون وعنها غادر الـبددُ
بـعـمـق هذا المدى في سمعنا يخدُ
سـواحـل الـروح فيه الروح ترتفدُ
ولاح فـيـهـا الطريفُ الحلو والتلدُ
تـوحـي بـكل جميل الهمس ينعقدُ
مـرافـئ الـطيب في لون البها يفدُ
بـيـن الـدروب سـعى بالفخر يتئدُ
مـن الـبـطـولات فيها يخلد الجلدُ
يـضـيق حصرا بها في عدّها العددُ
دنـيـا الـخـيـال بها الأفياء تبتردُ
وعـاقـدون ومـا قـد خـانهم كتدُ
ومـا يـزال اعـتدادا يرقص الأمدُ
تـبـقـى ولادتـهـا مـغرورة تلدُ
فـبـان مـا زرعوا فينا وما حصدوا
والـعـلـم بالجهد موفور لمن جهدوا
بـاب الـعـلـوم لـها يرقى ويعتمدُ
كـف تـشـد عـلى أخرى وتستندُ
مـآثـر مـاحـصـى آثارها الخلدُ
لـلان تـجـري بـنـا نهرا وتقتعدُ
سـود الـذوائب يروي سطرها الأبدُ
هـذي الـدوارس لـلأجـيال تعتمدُ
أغـرى الـزمان بروح العصر يتحدُ
تـروي الـعـضات وفيها يولد البلدُ
ولـلـجـلال لـهـا طال المدى وتدُ
وفـي روابـي العلى قد يورق الرغدُ
بـقـامـة السحر تغري فيه من يفدُ
وفـيـه كـدّ الـخطى تسعى فتجتهدُ
ويـجـهـدون احتفاء فوق ما جهدوا
ولا ثـنـاهـم بـمـا قد ابرموا أحدُ
مـا طـاح منها على كر المدى عمدُ
وأنـهـم صـدقـوا فـيما به وعدوا
ومـا بـيـنهم بما قد عاهدوا زهدوا
ولـيس يبلى الذي صاغوه واعتمدوا
ولـلـمـواهـب في أرجائها قـِصَدُ
عـطـشـى وتنهل مما فيه قد وجدوا
مـنـه الـشـوارد جذلى ملؤها حردُ
مـسـوّمـات عدَت ضاقت بها النجدُ
مـوارد الـشـعر يشدو بوحها الغردُ
والـلـيـل جـهم بأفق الكون منعقدُ
وعـاصـفات دمي بالروح تضطردُ
ضـنـك المسالك واستمرا بي الشهدُ
ولـلـحـروف عـلـى طغرائها لددُ
لـلـحـادثـات كـعـقد الدر تنعقدُ
فـوق الأديـم لـها في مرجه صددُ
جـيـاشة النزف غشى للرؤى الزبدُ
حـتـى غـدوت لـوقع الخطو أفتقدُ
رقـص الـنـسيم ونام الطير والبردُ
وعـن مـسـار مراقي الأمة ابتعدوا
لـلـنـاظـريـن ويـعليهنَّ مجتهدُ
بـحـبـل جـد بـه مـن جده مسدُ
لـيـلا وفـيه النجوم الزهر تنتضدُ
سـمـاؤهـا بـالـغد الوضاء تنسعدُ
نـفـوسـهـم وجـرى في مدّه الثمدُ
وهـم جـديـرون عما كان وانتقدوا
مـا كـل عـزم بها أو بان من بلدوا
وفـي خـطـاها رعاها الواحد الأحدُ
وفـوق جـهد الألى سعيا لقد جهدوا
نـفـس الـلئام إذا ذموا وان حمدوا
يـلـتـاث فـيـها اتقادا للدم القودُ
وحطموا من غوى في الدين أو جحدوا
وفـي الـرحـاب مـنارات ومتسدُ
بـهـا تـشـاهـد ما صاغته فيه يدُ
لـلـمـرجـفـيـن وعنهم فند الفندُ
وفـوق جـنح الفدا أرواحهم حشدوا
والـمـجهزون على ظلم ومن فسدوا
وقـد تـصامم واستضرى به الحسدُ
لـلـنـازفين ومن بالعمر قد زهدوا
بـالـتـضحيات وما كنا كما شهدوا
أحـلى السطور بما خطوا وما اجتلدوا
وفـي جـراحي بنى جرحا له الكمدُ
ويـقـضـم الـروح في أنيابه النكدُ
مـرارة عـلـقـت لـلـدم تزدردُ
فـفـي بـلادي مـهار الموت تنفردُ
إلا وفـيـه جـرى مـن وقدهم وقدُ
ربـداء عـاصـت لما قد راقه النجدُ
فـيـها الملايين صاحت نابها الصردُ
بـنـا تضرت وسيف الويل يحتصدُ
والـحـاقـدون لـصوت الحر تعتبدُ
* * *
مـجـهـولـة وغـدي فيه السنا بددُ
عـلـى ثـرانـا له من نزفنا رصدُ
تـرتـج غـيضا وشد الأضلع الزردُ
لـلـطـارقين وفي الجلى هم السندُ
وأرزأتـنـا خـطـوب مـالها عددُ
حـتـى وضاقت بأنفاس الملا الصعدُ
صاغوا الخلاف فضاع الرشد والرشدُ
كـالـيـم يـهوى على قلبي وينجردُ
كـرامـة الله فـيـنـا جار مضطهدُ
وقـد تـنـامـى بنا في غربة اللددُ
عـلـى هـمـوم الـليالي مالهم مددُ
وصـاب عـيـنـي بما حملته الرمدُ
بـمـا يعاني فضمت من دمي الوُرُدُ
دنـيـا الفسيحات حتى استفحلت رُبدُ
عـبء الـدمـار وبـالأرزاء يتحدُ؟