دروس في الصبر
عمر أبو عبد النور الجزائري
[email protected]
المسلم في عالَم اليوم مستهدفٌ بالطَّعنات ، معرّض للنّهشات ممرّغ في المعاناة ، تنوء به الآهات والأنَّات ، وقد يُبرِّح به ألم الظّلم والخذل ، ويهوي في هاوية اليأس والشّعور بالضّياع في الحياة، فيفكِّر في الانتحار الحسِّي والمعنوي بالاستسلام الذّليل للمعتدين الغزاة، فيخسر الدنيا والآخرة، لذلك وجب عليه أن يتصبَّر بقوَّة مستحضرا معاناة الأوَّلين، وجزاء الصابرين، وسِيَر الأنبياء والصالحين، والتي فصَّل فيها القرآن وأوجز بأسلوبه الشّيِّق المعجز، لتكون نبراسا لذوي
الآلام المزلزلة، والمآسي المخلخلة
والقصيدة تذكير بتلك الدُّروس ، من أجل تحمُّل الفتنة الضَّروس ، والثبات في مواجهة الأعداء رضا بالقضاء وطلبا للجزاء
وهي مهداة لكل مسلم واقع تحت وطاة البلاء مزلزل برجات المظالم والارزاء.
مـهما قَسوتُم فلن تقضوا على جَلَدي
مـهـما قسوتمْ فإن الصَّبرَ يعصمني
اسـتغفرُ الله من شكوى جهرتُ بها
اسـتـغـفـرُ الله من آهٍ زفرتُ بها
الـعـيـشُ دربٌ ومـيدانٌ لغربلةٍ
لا يـخـلُـوَنَّ ولِـيُّ الله من وجعٍ
أو فـقـرِ ذات يـدٍ يُـزري بقيمتِه
أو بـالـقرينِ الذي تُشقِي فظاظتُه
اذكرْ مصيبةَ نوحٍ في الورى عَظُمتْ
اذكـرْ مـصـيبةَ أيُّوب وقد فَتكَتْ
اذكـرْ مـصـيـبةَ يعقوبٍ بنازلةٍ
اذكـرْ مـصائب طفلِ الجُب مُعتقدا
اذكـرْ عـذاب سجينِ الحوت مُتَّخذا
اذكـرْ مـخـاوفَ موسى في بذاذته
اذكـرْ تـوكُّـل إبـراهـيم مُعتبراً
اذكـرْ بلاءً هوَى كالسَّيف من رحِمٍ
اذكـرْ طهارة أهل الكهف إذ هربوا
اذكـرْ حـكـاية أخدودٍ ومن فُتنُوا
اذكـرْ مصائبَ خير الخلق إذ نزلتْ
وفـي ثـقيفَ وقد أزرى الرِّعاع به
ومـن نـفـاقٍ ومـن كُرْهٍ أحاط به
كـم صالحٍ صابرٍ يزهوالصَّلاح به
كم عالمٍ في الورى أزرى المحيطُ به
اذكـرْ فـإنَّ دروسَ الـصَّبر كافيةٌ
اذكـرْ وفـكِّـرْ فلا فوزٌ بِلا عَنَتٍ
والأرضُ تُـنـتجُ بعد الحرث دائبةً
وكـل والـدةٍ يُـزري المخاضُ بها
الله يـمـتـحـن المختار في فتنٍ
الله يـرفـع أهل الضرِّ إن صبروا
فـالنَّفس تألف وقع البأس إن علمتْ
كم في الجِنان لدي الرَّحمن من مُتعٍ
* * *
يـاعـانياً في سجون اليأس منزوياً
اسـأل كـريـماً عليماً قادراً أمرك
كـمْ شـدَّةٍ بـدعـاءٍ صادقٍ فُرجتْ
الـقـلـب يعمى إذا هام القنوطُ به
والـبـؤسُ مهما يكظُّ الصَّدرَ غاربُه
الـبؤسُ يفنى ويبقى القلبُ مشتعلا
فاصبرْ إذا هجمتْ هوجُ الهموم وقُمْ
الـصـبرُ يُعلي ويأسُ المرء يهلكُه
بـالـصَّـبر لَمْلِمْ قوى نفسٍ مشتتةٍ
اصـبرْ وصابرْ وقاومْ غير مُكترثٍ
اصـبـر بـتقوى فحبلُ العزِّ عالقةٌ
إن َّالـتَّـصـبـر يا مغدور مدرسةٌ
الـصَّـبرُ تقوى وتدريبٌ على مُثُلٍ
فـاغـنـم لتسلمَ لا تنحطَّ في وطرٍ
* * *
الـدِّينُ حقٌ فكم في الكون من حُججٍ
الـدِّيـنُ حـقٌّ وآيُ الـبـعث بَيِّنةٌ
الـدِّيـنُ حـقٌّ فيومُ الفصلِ موعدنا
الـدِّيـنُ حقٌّ وربُّ النَّاس مُنصفُنا
الـدِّيـنُ حـقٌّ وعـهدٌ في عقيدتنا
الـدِّيـنُ حـقٌّ وحقُّ الموت يطلبُنا
الـديـنُ حـق ودين الحق منتصرٌولـو نـزلـتـم بسفُّودٍ على كبِدي
ويـورِثُ القلب حبَّ الواحد الصَّمدِ
إلـى ضـعيف فزاد الله في كمَدي
يومًا لضُعْفٍ ورُمْتُ العونَ من أحَدِ
بـالـهـمِّ والـغـمِّ والآلام والنَّكدِ
بـالـضـرِّ يلحقه أو طعنة اللُّدَدِ
أو مـؤمـنٍ بالأذي يُشقيه والحسَدِ
أو بـالعقوق وسوء الحال في الولدِ
فـي أسـرةٍ خَـذَلـتْ أو نَفرةِ البلدِ
بـه الـمـواجعُ و امتدَّت مع الأمدِ
يـشوي ضناها طريَّ القلب والكبِدِ
أنَّ الـتَّـصـبـرَ والتَّقوى علوَّ يدِ
مـن استغاثة بطن الحوت نورَ غدِ
في وجه غطرسة الفرعون لم يحِدِ
مـا ضـرَّه لـهـب من نقمة الجنُدِ
على البتول وعيسى المرسل الزَّهِدِ
بـالـدِّيـن من بُؤرِ الكفران واللَّدَدِ
فـي الله بـالنَّار قد عزُّوا إلى الأبدِ
بـه الـمـواجعُ من قذفٍ وفي أُحُدِ
ومـا تـجـشَّم من جوعٍ ومن كبَدِ
ومـن طِـعـانٍ لدى الرَّايات والبنُدِ
يُـؤذَى بـلا سـببٍ من فاسقٍ نَّكِدِ
قـد بـات في مجلس الجهَّال يُنتقَدِ
تـثـبِّت القلب في الإيمان والرَّشَدِ
فـالـغيثُ ينزل بعد البرْق والرَّعَدِ
والنَّصر بعد جراح الطَّعن في الجسدِ
والـكَـفُّ تُلسعُ دون الفوز بالشَّهَد ِ
يـرمـيـه بـالألـم الحاني ليجتهدِ
رفـعـاً يـهـوِّن كلَّ الضرِّ والنَّكدِ
أنَّ الـصِّـعاب مطايا النَّفسِ للرَّغَدِ
لـلـنَّفس إن صبرت حُباً ولم تَجِدِ
* * *
اسـأل الـه الـورى يلحقْك بالمدَدِ
أن تـطلب العونَ حين الضرِّ والعُقدِ
وكـم أسـيـر أسـى أنجاه من قُيُدِ
كـالـعـين يطمسها ضرٌٌّ من الرَّمدِ
بـالصَّبر يذوي كمثل الظلِّ والزَّبَدِ
بـالـعـزم والنُّور والإحساس يَتَّقِدِ
لـلـه تـسـعدْ بما تعطى وما تَجِدِ
تـلـك الـحـقيقة لا تنفكُّ عن أحَدِ
ولا تـطـيـشنَّ عند إلباس في بدَدِ
فـالصَّبر أنفع في البلوى من العُدَدِ
بـعـرش صبر على أركان مُعتقدِ
فـعـلـم النَّفس فنَّ الصَّبر والجلَدِ
لـلـعـزِّ والـفوز والإعلاء كالعُمُدِ
قـد حطَّه الموت والتَّعفيرُ في اللُّحُدِ
* * *
عـلـى الـعـقيدة تُعلي الحق للابَدِ
تُـقـرِّعُ الـمنكِرَ المغرور من أمد
فـلـيـمرح الخائنُ الغدَّار في البلَدِ
فالله يـكـلـؤنـا بالحفظ والرَّصَدِ
بـالـصَّبر نَرعَى حدودَ الله والعُهُدِ
كـم يمكُثُ العبد بين الطَّلقِ واللَّحَدِ
فـليهنإ الصابر المغموس في الوَبَدِ