قُل لي لأنسى
صالح أحمد
لُغَتانِ في أفُقٍ، وما اختلطت صُوَر!
عما قليلٍ قد نرومُ المُرَّ كي نَنسى الأمَرّا
مفتاحُ هذا اللّغزِ كُنْ:
دمعَ الحَزانى، صرخَةَ الآتينَ للأفقِ الجديدِ، كُنِ المَمَرّا...
كُن وردَةً في كفِّ أمٍّ أينعَت – رغم الأسى- شوقًا وصبرا..
كُن مُهجَةً تحيا ليَضحَكَ كلُّ قلبٍ، كلُّ ثَغرْ
كُن صَرخَةَ الآتينَ من وَجَعِ المَكانِ إلى المَكانِ..
كُنِ الكَيانْ.
مفتاحُ هذا اللُّغزِ أن يَغدو بنا وَجَعُ الحَرائِرِ، صرخَةُ الأطفالِ... تاريخًا،
ولِهاثُ زَحفَتِنا أثر.
مفتاحُ هذا اللّغزِ أن أمضي إلى لُغَةٍ ستَكتُبُني لتعتَنِقَ الشِّفاهُ جِمارَها:
- أشلاءُ طِفلٍ، دُميَةٌ، شَفَةُ تُلاحِقُ صَوتَها، لُغَةٌ تَحِنُّ إلى صَداها،
مُهجَةٌ سَكَبَت رُؤاها، قَبضَةٌ نَسِيَت أصابِعَها،
وعينٌ لا تَرى فيمن يراها وَجهَها، صُوَرٌ تَموتُ فيها العِبَر...
مفتاحُ هذا اللُّغزِ رفضي أن يكونَ صُراخُ أمّي في المَدى المشحونِ عُذري.
عمّا قليلٍ ينتشي من وهج هذا الجَمرِ جمري؛ كي أرى ما لا يراهُ اللّيلُ
حينَ يَلوذُ في أحداقِ أُمّي.
وجَعي زحامٌ فاشِلٌ... وتميُّزُ الصّحرا انتِحاري..
دمعي كتابٌ قاحِلٌ... والموجُ يزحَفُ بالحصارِ على حِصاري..
آهي ضَميرٌ غافِلٌ... واللّيلُ يَكتُبُني اعتِذارًا للقَرارِ عَنِ القَرارِ..
وأُطِلُّ من وَجَعي على وَجَعٍ تَعملَقَ؛ كي يثوبَ إلى النّهارِ صدى نَهاري..
والأمرُ أخطَرُ من جَفافِ الحَلقِ عن لُغَةِ الصَّحاري.
قُلْ لي، لأنسى:
كيف صارَ الموتُ صَوتا؟
قُلْ لي، لأذكُرَ:
كيفَ عادَ الصّوتُ موتا؟
من عُمرِكَ انتَفَضَت يَدايَ تُهُزُّني:
هل كلُّ هذا الموتِ موت؟
والآنَ؛ هل أدرَكتَ أنَّ الصّمتَ ليسَ لهذِهِ الزّفَراتِ لونا؟!
وحدي أكَفكِفُ مَدمَعي كي لا تَراهُ مع السُّدى لغتي الوَحيدة
زمَنًا أسطِّرُ قصَّتي عزفًا على صَدرِ البداية..
شَغَفًا وأمضي بالمصير إلى المصير.
يتطاوَلُ المشوارُ، لكنّي سأمضي، والنّزيفُ يَشُدُّ من عزمِ النّزيف.
كي يَستَعيرَ الصّوتَ أمنيةٌ، وتعتَنِقَ الحُروفا.
والنّايُ يَرجِعُ لحنَهُ ليُثيرَ دمعَ الأغنِيات...
قَدَرُ البِدايَةِ أن تَكونَ مع النِّهايَةِ في عِناق
وحدي عِناقٌ للعِناقِ المستَمر...
لا شيءَ يأخُذُني سوى وردِ البِداياتِ المُضَرَّجِ في طريقي..
والطّريق بنا يطول.
يا أيّها الوردُ المُعَتَّقُ بي اعتَنِقني؛ كي أعودَ أنا أنا..
صمتٌ يُعانِقُ موتَهُ؛ ليَعيشَ في لُغَةِ البداية..
قَدَرُ البِدايَةِ أن تُعانِقَ أختها؛ لتُعيدَ تنظيم الحِكايَةِ...
والحِكايَةُ مَرحَلَة.
بُعدانِ... والظّلُّ انفِصالُ اللّونِ عن آثارِهِ..
بُعدانِ والصّرَخاتُ أوّلُ مَن سَيولَدُ..
بل يُوَلِّدُ ألفَ لونٍ في الأفق..
لونٌ لصوتِ الآهِ يبحَثُ عن ظِلالٍ يستَريحُ إلى صَداها.
لونٌ لِعُمقِ الرّوحِ تَطمَحُ أن يَعودَ من الرّؤى يومًا رُؤاها.
لونٌ لصوتِ القلبِ ينبِضُ كي يَصيرَ لكلِّ أمنيَةٍ مَداها.
لونٌ لعُمرِ الحبِّ يمنَحُ زهرَةَ العُمرِ شّذاها.
لونٌ لأغنِيَةِ الفُصولِ يُعيدُني عمقُ الصّدى دومًا صداها..
قل لي لأنسى:
- كيفَ صارَ اللّحنُ لونا؟
- كيفَ صارَ اللّونُ لحنا؟
قل لي لأذكُرَ:
- كيفَ لونُ اللّحنِ لحنُ اللّونِ .. عُمرًا لم يَكُنّي؟!
لوّنتُ أشلائي بِلَونِ الحُبِّ...
أنكَرَني المَدى!
لوَّنتُ أنبائي بِلَونِ العُذرِ...
أنكَرَني الرّجا!
لوّنتُ أيامي بلونِ الصّبرِ...
أنكرَني السُّدى!
فأعادَني لَوني إلى ما كانَ، أو لم يَبقَ إلا أن يكون...
خرجَ الجنونُ على الجنونِ منَ الجُنون ...
قل لي لأذكُرَ:
- كيفَ ينتصِبُ الجنونُ، ولا يَثورُ على الجُنون؟!