موَاجِدُ فَاس
د. محمد ياسين العشاب - طنجة/المغرب
[email protected]مَـدِيـنَـةُ الـعِلْمِ ما أخبارُ ماضيها
سـمـاؤُهـا و جِـنَانُ الأمسِ شَاهِدَةٌ
ضَاءَتْ بِهَا الصَّفَحَاتُ الغُرُّ و ائْتَلَقَتْ
لَـمْ آلُ مـنـها ادِّكَارًا و الفؤادُ هَوَى
يـا لَـيْـتَـهَا قَدْ أَجَابَتْ مُغْرَمًا وَلِهًا
مِـنْ بـعدما زَيَّنَتْهَا الرُّوحُ فانْتَسَجَتْ
آهَـا لَـهَـا خَدَعَتْنِي فاحْتَمَلْتُ شَجًى
مـا كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ الوَصْلَ فيهِ جَفًا
جَـرَحْـتَنِي مِنْ عَذَابٍ يا مُرِيقَ دمي
ولَـوْعَـةٌ لَـوَّعَـتْ أَعْمَاقَ ذَاكِرَتِي
فَـرَرْتُ مِنْ حُرْقَةِ الماضي فهَيَّجَنِي
أَدْهَـى مِنَ الفَقْدِ لَوْ أَنَّ الحبيبَ أَسَى
* * *
أَرُوحَ رُوحِي و عَيْنَ القلبِ قَدْ نَزَلَتْ
بـالـحُسْنِ مِنْ حُسْنِهَا حُسْنًا يُرَاوِحُهَا
ولـلـمـعـانـي مَعَانٍ ليس يُدْرِكُهَا
ذَاقَ الـمَـوَاجِدَ في حُبِّ الرجالٍِ و قَدْ
مِـنْـهُ الهُدَى و إليهِ الفَضْلُ إذ فَتَحَتْ
مِـنْ بَـعْـدِمَا مَسَّ غَدْرُ الغادرينَ يَدًا
فـحَـلَّ مِـشْـكَاةَ نُورٍ لَمْ يَزَلْ قَبَسٌ
لـولاهُ لانْـطَـفَأَتْ فينا الحياةُ و هَلْ
كـالـغَيْثِ إِنْ جَفَّتِ الأرواحُ أَوْرَدَهَا
حتى ارْتَوَتْ منه و اهْتَزَّتْ به و رَبَتْ
كَـمْ قـد تَحَلَّتْ بآياتِ الهدى فزَهَتْ
كـالـشمسِ مُشْرِقَةً لا شيءَ يَحْجُبُهَا
نـورٌ سـبـاني و أنوارٌ سَبَتْ مُهَجًا
كَـمَـا اشْـتِـيَاقُ مُحِبٍّ للحبيب إذا
فـكيفَ لا يُحْرِقُ النفسَ البِعَادُ و هَلْ
وَصَـلْتُ فانْقَطَعَ الوَصْلُ الذي عَلِقَتْ
فَـمَـا وَجَدْتُ الذي أَلْفَيْتُ في خَلَدِي
وبِـتُّ فـي حَـيْرَةٍ قَدْ عِفْتُ عَادِيَهَا
هَـانَـتْ عَلَيَّ و قَدْ أَزْرَى بِهَا زَمَنٌ
آهَـا لَـهَـا كيفَ لَمْ تَعْبَأْ بِمَا شَهِدَتْ
ومِـنْ أَسَايَ رَأَيْتُ الناسَ قَدْ نَزَعُوا
هِـيَ الحَيَاةُ وَلَوْلاَ الزُّورُ مَا غَرَبَتْ
كَـأَنَّـمَـا نَـبَذُوا البُرْهَانَ والْتَمَسُوا
* * *
لِـلَّـهِ فِـهْـرِيَّـةَ الآبَاءِ ما صَنَعَتْ
بـالأمـسِ قَـدْ قِيلَ بَيْتٌ مُظْلِمٌ فمَتَى
صَـلَّـيْتُ فيهِ فَمَا أَبْصَرْتُ غيرَ دُمًى
آهٍ تَـحَـمَّـلْـتُ ألوانَ الشَّجَى فَدَمِي
حَـاشَـاهُ و الـعلمُ مِنْ آلائِهِ سَطَعَتْ
فـي كُـلِّ سَـارِيَـةٍ بَـدْرٌ لـهُ أَلَقٌ
حَـنَّ الـجَنَانُ لَهَا مُذْ كُنْتُ في صِغَرٍ
أَضَـعْـتُـمُـوهَـا فأَنَّى بَعْدَهَا سَبَبٌ
مَـدِيـنَـةُ الـعِلْمِ قَدْ أُخْبِرْتُ مَاضِيَهَاو هـل لِـحَـاضِرِهَا شَأْنٌ كماضيها؟
عـلـى العُلَا, و رُبَاهَا الشِّعْرُ سَاقِيهَا
مِـشْـكَـاةَ نـورٍ ضياءُ الْعِلْمِ يُورِيهَا
تـلـكَ الـرُّبُـوعَ، فـلَمْ أَفْتَأْ أُنَاجِيهَا
أضـاعَ بـالـظَّـنِّ دُنْـيَاهُ وما فيها!
فـي الـقلبِ جَنَّاتِ عَدْنٍ عُدْتُ أَرْثِيهَا
مِـنْ بَـعِْـدِمَا جِئْتُهَا و ارْتَدْتُ نَادِيهَا
يَـزِيـدُ مِـنْ غُرْبَةِ العاني و يُنْمِيهَا
أَشَـاهِـدَ الأمـسِ ذِكْرَى بِتُّ أَبْكِيهَا
إِذْ لَـمْ أَزَلْ عَـاشِـقًـا مُسْتَغْرِقًا فيها
ما جَالَ مِنْ حَاضِرٍ في النفسِ يُشْجِيهَا
عـلـى حـبيبٍ, فمَنْ للرُّوحِ يُحْيِيهَا
* * *
بـأرضِ زَرْهُـونَ أَنْـوَارٌ تُـزَكِّيهَا
و بـالـجَـمَـالِ جَـمَالًا إِذْ يُغَادِيهَا
إِلَّا مُـحِـبٌّ نَـقِـيُّ الروحِ صَافِيهَا
أَحْـبَـبْـتُ نَازِلَ زَرْهُونٍ و حَامِيهَا
دَارُ الأمـانِ ذِرَاعَـيْـهَـا لِـهَادِيهَا
تَـضَـرَّعَتْ مِنْ هَوَى الْبَاغِي لِبَارِيهَا
مـنـهـا يَفِيضُ عَلَى الدُّنْيَا و يَرْوِيهَا
تُـرْجَـى حـيـاةٌ بلا هَدْيٍ يُرَاعِيهَا
أَسْـنَـى الـمَوَارِدِ مِنْ أَسْمَى مَعَانِيهَا
واسْـتَـبْـشَـرَتْ أَيَّمَا بُشْرَى بآتِيهَا
وعَـمَّـهَـا نُـورُهَـا يَجْلُو دَيَاجِيهَا
عَـنِ الْـعُـيُونِ مَدَى الآفاقِ تَشْبِيهَا
فـي نـورها غَرِقَتْ و الشوقُ دَاعِيهَا
هَـاجَتْ مِنَ الْوَجْدِ في نَفْسٍ دَوَاعِيهَا
وَصْـلٌ و قد رَاحَتِ الأنوارُ يُطْفِيهَا ؟
بـه حـيـاتـي وما قَدْ كان يُرْضِيهَا
حـتـى وَجَـدْتُ على فَاسٍ و أَهْلِيهَا
أُسَـائِـلُ الأرضَ مـاذا حَلَّ يُشْقِيهَا!
لَـمْ يُـبْـقِ خَـيْرًا فقَاصِيهَا كدَانِيهَا
مِـنَ الـضِّـيَاءِ و لَمْ تَرْغَبْ لِمُنْشِيهَا
إلـى الـتَّـحَـرُّرِ دَعْوَى لاَ أُعَادِيهَا
شْـمُـسُ الـمحَامِدِ وَانْهَارَتْ مَبَانِيهَا
مِـنَ الـهَـوَى وَ مِـنَ الأَفْكَارِ بَالِيهَا
* * *
يَـدَاكِ مِـنْ عِـزَّةٍ بُـشْـرَى لِبَانِيهَا
نَـرْعَى الحقيقةَ يا قومي و نَحْمِيهَا ؟!
أَسْـتَـغْـفِـرُ اللهَ مِـنْ حَالٍ أُعَانِيهَا
يَـغْـلِـي عـلـى أُمَّةٍ تَاهَتْ مَبَادِيهَا
شُـمُـوسُـهُ و بُدُورٌ لَسْتَ تُحْصِيهَا
هُـوَ الـهُدَى و النُّهَى فَاضَتْ مَعَانِيهَا
و يَـافِـعًـا لَـمْ يَزَلْ يَدْعُوهُ دَاعِيهَا
إلـى الـفـلاحِ و لا إِصْلَاحَ يُحْيِيهَا!
ومـا لِـحَـاضِـرِهَا شَأْنٌ كمَاضِيهَا
نظمت هذه القصيدة بعد العودة من زيارة لفاساس
