رعاك اللَّه يا أرض الكنانةْ=وشاد علاك خفاقاً وصانهْ
وأعلى منك ما ترجو الغوالي=وما تشتاقه الجلّى وزانه
وبوّأك الدراري وهي تزهو=بأنك أنت أرفعها مكانة
بنوك الشهب والأيام تدري=وأدري أنهم أهل الفطانة
وأهل العلم والفن المجلّي =وأهل الصبر فيه والتقانة
بناة للحضارة منذ كانت=بنوها بالجمال وبالمتانة
ومذ كانوا فهم والخلد ندّ=يسامرهم ويمنحهم رِعانه
ويرضيهم ويعليهم مكاناً=ويهديهم كما رغبوا عِنانه
وأدناهم وقد صنعوا المعالي=فكانوا حيث حلّوا مهرجانه
وذاقوا دهرهم حلواً ومراً=رضوه مكدراً ورضوا أمانه
فما خافوا إذا عصفت عوادٍ=ولا بطروا إذا أعطى لَيانه
مآثرهم حسان طال فيها=فخار الدهر إن ذكروا حِسانه
وإني عاشق يا مصر حسناً=يميس على ثراك و لا مَجانة*
أيا مصر التي كرمت وطابت=خذي من عاشق صب جَنانه
وشعري فيك عرفان وشكر=فمنك نهلت من قدم بيانه
سكنتِ جوانحي أمّاً رؤوماً=وقد جمعت إلى الودّ الرزانة
وللدنيا الرحيبة أنت أمّ =تصون وإن غلا الثمن الأمانة
منحت الناس جودك حاتمياً=ولا عيب سرى فيه فشانه
أبحت نداك للعافين ورداً=وقد أترعت من كرم دنانه
وما طوي البساط ولا ذووه=وما غابوا وما نقصوا خوانه
وما منت عوارفك الزواهي=فجود الحر ينسيه لسانه
يكون المنُّ من كرم دعي=وجودك قد أعزّ الصدق شانه
* * *=* * *
أمصر وأنت مهد للمعالي=بنيت بكل غالية كيانه
فخار العرب كنت ولا أغالي=وتاج الشرق مرفوع المكانة
وأمَّ المسلمين ولم تزالي=وبيتاً قد أبحت لهم جِنانه
وحصناً مانعاً ظلم الليالي=وكفاً هز في البلوى سنانه
وصُنْتِ الضاد عاليةً ذراه=وكنتِ وقد غَنيتِ له الخزانة
حذار حذار حولك ألف عادٍ =وأعداء الفضيلة والديانة
ومن راموك بالسوأى وضلوا=ومن رضعوا مع الغدر الخيانة
وأنت ــ وحــبلك الرحمن ــ =فهم فانون والباقي الكنانة
يموت الظلم فيك وإن تمادى= ويدفن في ثراك ومن أعانه
وما جاء الغزاة إليك إلا=وعادوا بالصَّغَار وبالمهانة
* * *=* * *
حباك اللَّه نيلك وهو غدق=أتاح لكل محروم جفانه
فطاب بفضله الوادي وطابت=على الشطين أثمار وبانة
فكان الجود أروع ما تراه=وقد بهرت مكارمه زمانه
وأجود منه عمرو وهو يعلي=على الفسطاط في جذل أذانه
هما نيلان من فضل ونبل=ومجد تعلم الدنيا هجانه
* * *=* * *
سألت القلب أي الأرض خير=مقاماً طيباً؟ قال الكنانة