مقامات الملك العاشق

شعر:د. حسن الأمراني

[email protected]

قـبـل العـروج 

                       -1-

في البدء كان الصمتُ

                       -2-

كان الصمتُ قنديلاً بلا زيتٍ

                       -3-

وكان الحبّ فاندحر الظلام

وتفجّرت لغة الكلام

                       -4-

فليسكت الشعراءُ

حين بفيض بالعطر الإناءْ

ولتصمت الأقداحُ

والألواحُ

حين تفيض بالإنشاد أوردة الظباءْ

                       -5-

إني أراكِ ولا أراك

فلقد تقحّمني سناك   

أنا ما رأينك إذ رأيتُ وما رأيتُ،

وكيف للكينونة الطينية التكوينِ

أن ترقى ويدرك كنـهُـها سرَّ الملاك؟

                        -6-

 من أين أفتتح الكلامْ

وشذاك من خلف الغمامْ

 سُرُجٌ تحاصر قلعتي أضواؤها

 والقلب منزوع السلاح،

فلا قناة،ولا مسير،ولا حسامْ!

 من أين أيتها الأميرةُ،

بالذي سوّاك، أفتتح الكلامْ؟

                       -7-

أنا لا أشبّه بالرخامْ

أصداءَ صوتكِ في المروجِ

ولا عرائسك التي رقصت نشاوى

                           فوق أبراج الحمامْ

 أنا لستُ أعرف كيف أرسمُ

              ضوء شمسكِ في الزحامْ

أنا لستُ أقدرُ أنْ أخبّئ ثورة الشلاّلِ

أو ينبوعك السحريّ

في قارورةٍ كم كان طيبُ شموسها

                              يجلو الظلامْ

يا واحة الكلماتِ ...

إن جفّت بأوردتي بساتين الكلامْ

هل تستطيع الكأسُ أن يمتصّ نبضُ عروقها

ما قد تحدّر من شرايين الغمامْ؟

من أين أقتحم انتظاركِ والعراءُ يُمضّ روحي؟

كيف أفتح قلعة الكلماتِ؟

يا صحراءُ قد يبستْ على شفتيّ معجزةُ الكلامْ.

                       -8-

سبحان ، يا شمس الحقيقة،

 من حباك حمائل التقوى

                 وعلّمك البيانْ       

سبحان من أضفى عليك الحرفَ إكليلاً

 فصارت مفرداتُ العشقِ في ديوانك العربيّ

 تيجاناً مرصّعةً تسَاقطَ دونهنّ الصولجانْ

ويخرّ صرح  العنفوانْ.   

                       -9-

 لمّـا  أحاط بي الهوى المخزونُ

 في أحداق سيّدة الصحاري

والشيب أسرع في عذاري 

أيقنت أن عراركِ السحريّ خاتمتي

 فما بعد العشيّة من عرارِ 

                       -10-

كم غادر الشعراء من فننٍ

وكم ضلّت بهم في لجة الأشواقِ

                              أشرعة الكلامِ 

فإذا الكلامُ على يديكِ

يطير من فننٍ إلى فننٍ

                             كأسراب الحمامِ

سبحان من سـوّاكِ كالمصباح

                شمساً في سماء العارفين

 العارجين إلى مقامات الكرام

 

فتّحتِ نافــذة انخطافٍٍ نحو مـعراج اليقينِ

 فطار قلبي كاليمامة في سمائكِ

                            يا مُعلّمة اليمام

 سجعا يطير به إلى أسمى مقام

                       - 11-

كذبت عليّ النفسُ إن أنا قلتُ: أعطيك الثريّا

أو سأمنحك اللآلئ واليواقيت البعيدة والنجومْ

أو قلتُ:إنّي سوف أمنحك الندى الفضيّ

                                    في شفة الكرومْ

فأنا الفقيرُ، أنا الفقير

أنا لستُ أملكُ غير قلبٍ خائفٍ

من أن تزلّ به المسالك أو يتيه

فإذا أطلّ على سمائك فاقبليه

وتذكري:

"يا أم موسى أرضعيه

وإذا خشيت عليه فاقذفيه وأودعيه

أحشاء هذا اليمّ،لاحزنٌ عليك ولا تخافي.."

آه، يفزعني المصير

وأنا الفقير، أنا الفقير

لاشيء عندي غير أشواقي إلى التقوى

                            وما ملك الضمير.

                       -12-

ستظلّ تغسلنا الدروب

سيظلّ يسلمنا الشروق إلى الغروب

ستظلّ تمتصّ ابتسامة جرحنا الريح الغضوب

طرقت مهاوي الريح مملكتي بلا إذنٍ

وأمعن في جراحي سوطها الدامي

وشرّد أمنياتي كفّ بطشتها المهيب

اليأس يغرق كلّ شيءٍ..كل شيءٍ..

قال سامرهم:خذوا ما قد تبقى من ترابٍ

               واجعلوه في الجرابِ

                     فلا سبيل إلى النجاه

حتى مصابيح الدروب

أضحى يجللها الشحوب

حتّى الولاه

يستعصمون بيأسهم

ويجرّعون الناس كأس اليأس،

فاشربْ،لا سبيل إلى النجاه

وأتاك من خلف السحابْ

صوتٌ له ألق الكتابْ:

يا قلبُ،لا تحزن..

          فما بعد الهجير سوى الظلالِ

لقد تبدّى من خلال توهج الرمضاء ظلّ وارفٌ

من حوله غصن رطيبْ.

وأنا رأيتُ غزالةً

 مدّت إلى الرحمن حبل الخوفِ

فانفتحت مصاريع الرجاء فسيحةً في القلبِ

وانطلق الـيقينُ إلى مداه

أفديك أيتها الغزالةُ أسلمتْ لله ما ملكتْ

وعفّرتِ الجبينَ بظلّه

وتحرّرت مما سواه.

                        -13-

 لِطَـيْفِ غزالةٍ رهنتْ أساورها وخاتمها

لتوقد شمعة في ليلنا الأزرقْ

لطيفِ غزالةٍ من خوفها اغتسلتْ

بماء الشوق للرحمنْ،

واتخذتْ سرابيلَ الرجاء وخوفها زورقْ

لطيفِ غزالةٍ حنّت لأحباب لها في الله

عاليهم ثيابٌ سندسٌ خضرٌ وإستبرقْ

حدوتُ الروح نحو مدائنٍ مجبولةٍ بالشوقِ

والجسد الصديّ مجرّحٌ مرهقْ

وكان فتى كما الدرويش

 إذ يغري فراشته بلفح النارِ

قال:النارُ للتطهير فاغتسلي

لكي تَـصِـلِي

فإن النور مطلبنا

وإن النار لا تحرقْ

فجلجل من وراء النفس صوتٌ

كانبثاق الماء في الصحراء:واعجبا!

 

تقاتلُ دونما سيفٍ

وتبحرُ دونما زورق؟

طويتُ النفس عن سرّ من الأسرار لا يقهرْ

فنورُ غزالتي مصباحي الأخضرْ.