أنس نامة
أنس إبراهيم الدّغيم
جرجناز/معرّة النعمان/سوريا
وهي رسالة إلى شاعر الإسلام و فيلسوف الشرق
محمّد إقبال رحمه الله
تـقـيـمُ ضـلوعي و الفؤادُ يسافرُ
يـطيرُ على وعدٍ من النّور و النّدى
إلـيـكَ جـنـاحاهُ القصيدةُ و المدى
فـيـشـرقُ من قبرٍ هو الشّرقُ كلُّهُ
* * *
نفى جامُ (جَمشيدَ ) الهجوعَ ولم أزلْ
و أشـربُ بـاسـمِ الله كـأساً عتيقةً
و أفـرحُ بـالـمعنى إذا ضلَّ دربَه
كـذلـك مـن يـهـوى يريدُ حبيبَهُ
* * *
أقـمـنـا خـيامَ الشّوق فوقَ عيوننا
و لـيـس الـذي جفناهُ ناما و أسلما
و ليس الذي عيناهُ وسنى من الكرى
و كـم مـن سـيوفٍ فُوِّقَتْ بسواعدٍ
و أخطأَ سهمُ الخصمِ قلبي فلم يُصبْ
فـمـا لـكَ يـا قلبي أسيرَ هواجسٍ
فـصـبـراً لعلّ الله يحكمُ بيننــا
و يـفـرحُ (يعقوبٌ) بعودةِ (يوسفٍ)
* * *
حـمـلـتُ بحاراً في كنانة مهجتي
فـمـا مـدّ (جـبـريلٌ) إليّ جناحَهُ
عـلـى مـتنِ حبٍّ فيكَ عدلٌ رُواتُه
و مـا أنـا نـارٌ في هواكَ تضرّمتْ
أذوبُ فـتـحـيـا في الفؤاد قصيدةٌ
و كـنتُ كتمتُ السّرَّ عن كلّ طالبٍ
* * *
حـبـيبي إذا لم يشرحِ الحالَ معجمٌ
فـأبكي إذا اهتزّتْ غصونٌ و أينعتْ
و كـانـا حـديداً ناظرايَ لمن يرى
كـمـئـذنـةٍ قـلـبي يؤذّنُ للهوى
فـعـذراً إذا كـلّ الـقـصائدِ يُتّمتْ
و سـافـرَ عن أحداقها الكحلُ تاركاً
فـفـي كـلّ ميناءٍ لها صوتُ غربةٍ
و كـنّـا وصـلـنا قابَ قوسينِ مرّةً
و يـصنعُ أهلُ الصّينِ أثوابَ حَجّنا
و كـنّـا أقـمـنـا لـلزّمانِ خلافةً
و نـحن سقينا الأرضَ من حُرِّ مائنا
و كـان يـؤدّي الـغيمُ فَيءَ خَراجهِ
فـمـا بـلـغَ الـيومَ الفطامَ صبيُّنا
كـأنْ لم يكنْ يا (دجلةَ) الخير (خالدٌ)
و لـم يـركبِ البحرَ (العلاءُ) كأنّما
و لـم تـقـرأِ الدّنيا الكتابَ فتهتدي
و كـنّـا إذا مـا حرّةٌ هتفتْ بـ"وا"
و نـضـربُ باسمِ الله ضربةَ صادقٍ
و هـانـت نـفوسٌ كي تعيشَ عقيدةٌ
فـكـم من جراحٍ أُبرِمتْ في سبيلها
و لـيـس كـثـيراً أن تسيلَ دماؤنا
و ذلـك مـن تقوى القلوب فكم رَبَتْ
* * *
إذا كـان رأسُ الـمـالِ ذُلاً مـقدّراً
و لا تـرفـعُ الـبنيانَ للفَوقِ ساعدٌ
فـوالله لـم تـوهَـبْ حـياةٌ لطالبٍ
و لـن يـكـتبَ التّاريخَ قلبُ نعامةٍ
فـتـسـقـطُ أحـلافٌ كتبنا بنودَها
فـلا خيرَ في الدّنيا إذا لم يكنْ لناالـ
لَـئـنْ عدلتْ عن دربنا العدلِ أنفسٌ
و رُدَّتْ عـلى أعقابها الخيلُ و القنا
إلى الله حيثُ الأمنُ و الحُبُّ و الرّضا
هـنـاكَ و حـسـبي كلُّ داعٍ لهُ يدٌ
لـعـلَّ شـعـاعاً أنْ يُضيءَ قلوبَناو بـيـنـهما ينسابُ كالفجر شاعرُ
و عـنـدكَ لـلـنّونينِ حتماً مصادرُ
فـقلبيَ (إسماعيلُ ) و العينُ (هاجَرُ )
و لـيـسَ لهُ غربٌ و نورُكَ حاضرُ
* * *
عـلـى مـااعتراني من لَماهُ أُعاقرُ
تـعـلّـقَـها طيفٌ من الهندِ عاطرُ
إلـى غـيـر قـلبي أو نفتْهُ المعابرُ
لـهُ وحـدَهُ لا يـشـركُ القلبَ آخرُ
* * *
فـمـا تغمضُ الأجفانُ و الشّوقُ نافرُ
كـمـن أرّقـتْ جفنَيْهِ منكَ الخواطرُ
كـمـن قـلـبُه يا أنت يقظانُ ساهرُ
نَـبَـتْ و خـدودٍ كـالورودِ بواترُ
و لـكـن أصـابتْ مُبتغاها المحاجِرُ
و مـا انـتَ موتورٌ و لا هو واترُ ؟
و يـرجـعُ من غَيبِ الغَياباتِ حائرُ
إذا فـصـلَـتْ عِيرٌ و جاءتْ بشائرُ
* * *
و جـئتُ و قد أضحى الفؤادُ المهاجرُ
و هـا أنـذا بـالقلبِ و الحبِّ طائرُ
لـهُ سـنـدٌ مـن حـبّـكم متواترُ
و لـكـن فـراشٌ فـوقـها يتقاطرُ
تـسـيـلُ لـها فوقَ الشّفاهِ المشاعرُ
و لـكـن هـنا يا قومُ تُبلى السّرائرُ
* * *
مـن الـلّـفـظِ وفّتْهُ الدّموعُ البوادرُ
و ضـلّ عن الرّوضِ المباركِ طائرُ
فـجـئتُكَ يا إقبالُ و الطّرفُ حاسرُ
فـيـسجدُ ما بين الشّرايينِ ( بابِرُ )
و وجـهُ الـتي تهوى و تهواكَ سافِرُ
طـلـولَ عيونٍ و استُبيحتْ ضفائرُ
و فـي كـلّ يـومٍ عن حماها مسافرُ
فـعُـدنـا و قد زاغتْ لدينا البصائرُ
فـنـلـبسُ و المسعى لنا و المشاعرُ
فـقـامَ عـلـيـهـا بـائعٌ و مقامِرُ
فـحـتّى متى نظما و زمزمُ ماطرُ ؟
إلـينا و يعطي عن يَدٍ و هْوَ صاغرُ
و لا سـجـدتْ لـلـبالغينَ الجبابرُ
و لـم يقطعِ الصّحراءَ يا شامُ (عامرُ)
عـلى الماءِ بحرٌ من هدى الله زاخرُ
إلــى الله أرواحٌ بـهِ و سـرائـرُ
أجـبـنـا فـحـبّاتُ الرّمالِ عساكرُ
فـتُـهـدمُ أسوارٌ و يُهزمُ ( داهرُ )
يـطـيبُ بها المحيا و تحيا الضّمائرُ
و كـم فـي سبيلِ اللّه شُقّتْ مرائرُ ؟
و تـسـلـمَ مـن بعد الدّماءِ الشّعائرُ
بـهـا نِـعمٌ فينا و طابتْ عناصرُ ؟
* * *
فـصاحبُ رأس المال يا ناسُ خاسِرُ
و صـاحـبُـهـا بالمكرماتِ يُتاجرُ
إذا الـمـوتُ لمْ يُطلَبْ و تبقَ المآثرُ
و يـكـتـبُـهُ قـلـبٌ بتقواهُ عامرُ
و يـفـلحُ قلبٌ في دُجى اللّيلِ ذاكرُ
قـيـادُ و لـم تـرجعْ إلينا المصائرُ
و زاغـت عن الهديِ القويم البصائرُ
فـوجـهُ ( أبي بكرٍ ) إلى الله ناظرُ
و حـيـثُ الأماني و العطاءُ المباشِرُ
و مِـن قـبـلِ أن تُرجى يداهُ تُبادرُ
و يـفـجَؤنا من جانبِ الطُّورِ زائرُ