هوامش :
تُنضي : تُضعف . عسا : اشتد ، ثقل . تمار : تجادل ونقاش . الغوادي : الأمطار عند الصباح . السَّواري : الأمطار آخر الليل . المشرفي : السيف ، وذا الميعة : صاحب الحيوية والنشاط .
سائل القلبَ عن حسيسِ الأُوارِ = وعن الوجدِ رغمَ سمتِ الوقارِ
عاودتْني أطيافُها موحشاتٍ = بعدَ طولِ الغيابِ والأسفارِ
صمتُها قاتلٌ يكفنُه الهولُ ... = ... فيطوي العديدَ من أسرارِ
إنه الشَّوقُ عادني فتناءى = ذعرُ مافي البركانِ والإعصارِ
وتوارى ذاك الذهولُ وأخفى = من حكاياتِ ظالمٍ جزَّارِ
مابقلبي من اليقينِ حباني = بالخطابِ المقدسِ المعطارِ
وأراني مالم تَرَ العينُ ممَّا = في زمانِ التنكيلِ والإنكارِ
وهوى الظالمِ الخسيسِ امتهانٌ = لبني أمَّةٍ أتوا من نِفارِ
أبعدتْهُم من قبلُ منتجعاتٌ = زيَّنتْها بهارجُ الأوزارِ
وأعادتْهُمُ العقيدةُ شؤمًا = في وجوهِ الفُسَّاقِ والفُجَّارِ
فالطغاةُ الذين بايعهم شيطانُهم ... = ... هم من أضعفِ الأشرارِ
لم تَخفْهُم شعوبُنا أو يُهادنْ = ركبُها من مداهنٍ غدَّارِ
ليس تُنضي مكائدُ البغيِ ركبًا = قرأ المجدَ لا سرابَ حِوارِ (1)
أو سيرديه خائنٌ بيمينٍ = يحملُ الإفكَ والأذى في يسارِ
مكَّن اللهُ للأشاوسِ شأنًا = ليس يبلى من وطأةِ الأخطارِ
في مداها قد انتضوا فَتَكَاتٍ = تتراءى في سيفِه الخطَّارِ
هو طاغٍ أيَّامُه بترتْها = قدرةُ اللهِ دونَ أيِّ انتظارِ
قد عسا ليلُه الطويلُ ولكن = لدجى البغيِ ساعةٌ من نهارِ (2)
للمفاليسِ والمفاليسُ كُثْرٌ = عثرةٌ ليس شؤمُها ذا تمارِ (3)
قد أرادوا ذلَّ الأباةِ ولكن = ردَّ ربِّي مكائدَ الأشرارِ
وأراهم لم يظفروا رغم مكرٍ = دّفّقّ اللؤمُ من يديه بعارِ
هو أضناهُمُ ، وزادهُمُ ذعرًا ... = ... ودسَّ الشَّقاءَ في الأحشاءِ
إنها شِرعةُ الإلهِ ستبقى = رغمَ طولِ العنا وشيبِ العِذارِ
وستُطوَى مؤامراتُ عدوٍّ = فضلالُ استكباره لانحسارِ
أجحفتْ في الإيذاءِ فابتدرتْها = نقمةُ اللهِ في مُدَى الأقدارِ
فتلظَّتْ أوكارُها في تبارٍ = والمكيداتُ كلُّها لتبارِ
المآلُ الموعودُ موئلُكم لا = يُنتَسَى ما قدَّمتُمُ من شنارِ
وبعارِ الأيامِ بُؤْتُم بحملٍ = من ثقيلِ الإجرامِ والأوزارِ
يجرعُ الزَّفرةَ المقيتةَ شعبٌ = لم يَرَ الخيرَ في يَدَيْ سِمسارِ
باعَ طيبَ الحياةِ بالثَّمنِ البخسِ ... = ... وآخى مطامعَ الفُجَّارِ
هو ينحازُ لا لشعبٍ تأذَّى = من رزايا مهاتراتِ الشِّرارِ
حيثُ أغراهُ مالديهم من الوهمِ ... = ... ومجدٌ مزيَّفٌ لاندثارِ
فتهاوى بكِبرِه من غرورٍ = وغرورُ الهوى قرينُ انتحارِ
وتهاوى ما أدركتْهُ نياشينُ ... = ... طمتْ زهوَها وُحُولُ انهيارِ
يومها قد تصاممَ الأشقياءُ ... = ... المطمئنون عن نواحِ الصَّغارِ
خسروا منحةَ الغوادي من الله ... = ... سقاها لعصبةِ الأبرارِ (4 )
هي أيامُ رحمةٍ وعطايا = من لَدُنْ طيبِ مُزنِ أحلى السَّواري (5)
قد سقتْ رَبْعَ أمتي باشتياقٍ = وبأحداقِ نظرةٍ استبشارِ
أنتِ لاتكتمين حبًّا مصَفَّى = للمثاني وشهرِها المحبارِ
قد تولاَّكِ ربُّك الغوثُ فيه = فأجيبي نِدا الكريمِ الباري
في محيَّاكِ ومضةُ ليس تخفى = من بهاءِ الهُدَى ، وسِفرِ الفخارِ
ليس في ظنِّهم سوى عربداتٍ = صنعتْها سماجةُ الإقفارِ
لم تُخِفْنا مؤامراتُ الأعادي = ونقيقُ الأوباشِ والأشرارِ
أو تأخرْنا قبلُ عن مشرفيٍّ = لايُجافي ذا الميعةِ المغوارِ ( 6)
أنتِ يا أُمَّتي : بنوكِ شِدادٌ = مابهم من مستيئسٍ ذي صَغَارِ
وإذا مارأيْتِ بعضَ فلولٍ = من قليلي الحياءِ أهلِ الشَّنارِ
عندَ حانِ الفجورِ أو مجمعِ اللهوِ ... = ... فقوليها : إنَّهم أصفاري
إنَّهم من أمَّارةٍ رنَّحَتْها = كأسُ عارِ الهوى ومن أمَّارِ
منهم اليوم قائدٌ لجيوشٍ = ليس يدري سوى دروبِ الفِرارِ
ومن الأمَّارين بالسوء كانت = أغنياتُ الفجورِ والفجَّارِ
ومآتي شهرِ الصيامِ لديهم = في ضميرِ الإجحافِ والإنكارِ
في ضميرٍ مجندَلٍ بالخطايا = في حنايا المأروضِ والخوَّارِ
قد تلاشوا فليس من عزماتٍ = زيَّنتْ وجهَ أُمَّةِ المختارِ
والأكاذيبُ خيَّبتْ ماتمنَّتْ = أُمَّةُ المصطفى بصدرِ النَّهارِ
هو صفرٌ مقدارُهم في حسابٍ = أهملتْهُ الأعداءُ في المقدارِ
نُصِرَ القومُ من مسيرةِ شهرٍ = ذاك خوفُ العِدا من الأخيارِ
ملأَ الكونَ ذكرُهم ، فالليالي = مقمراتٌ ، والبغيُ في إدبارِ
ومغاني البلادِ تبسمُ نشوى = وشذاها من عاطرِ النُّوَّارِ
وقلوب العبادِ تنبضُ بالحبِّ ... = ... وتهفو للفاتحين الكِبارِ
مُجْتَنَاهُم حضارةٌ ماتخطَّتْ = ظلَّ نعمى ، وفائحَ الجُلَّنارِ
والموداتُ والإخاءُ شِعارٌ = حملتْهُ كتائبُ الأنصارِ
إنَّه دينُ رحمةٍ و وئامٍ = لايوالي الممقوتَ في الإفقارِ
فأجيبي يا أُمَّتي مَن تعاموا = عن مثانٍ وعن صحيحِ البخاري