عفوًا نبيَّ الهدى ، شعري بصفحتِه = يأسى على أُمَّتي من فيضِ حسرتِه
قد روَّعَ الناسَ فيها مَن يخادعُها = وَمَن رآها تجاراتٍ لِبُغيتِه
أذاقَها الويلَ ، أبقاها بلوعتِها = وصبَّ فوقَ رُباها نارَ خسَّتِه
وسامَها حقدُه الأعمى فما فطنَتْ = إلا بُعَيْدَ تَنَامي زورِ وِجهتِه
وضجَّت الأرضُ من آثامِه اقتحمتْ = في أرضِنا حَرَمًـا في عزِّ حُرمتِه
هُمُ الطغاةُ أذاقوا أُمَّتي وجعًـا = قد آلمَ القلبَ من إيذاءِ وقدتِه
هُمُ البُغاةُ وأهوالٌ بجُعبتِهم = بئسَ الشَّقيُّ وما في طيِّ جُعبتِه
هُم مُبعَدون عن الآمالِ ترقبُهـا = عيونُ شعبٍ يقاسي ضَنكَ لقمتِه
ومن زمانٍ مضى والظالمون له = قد روَّعُوهُ فأمسى قيدَ حيرتِه
إذْ كيف يبغي عليه وَهْوَ قائدُهُ = وكيفَ هيَّـأَ أكفانًـا لموتتِه
ياربِّ شكوى إليك اليومَ ترفعُها = دموعُنا ودمانا من تَعَنُّتِه
وأنتَ تُهلكُ مَن ضلُّوا وَمَن ظلموا = وَمَن أساؤوا ، وكلٌّ رهنُ خطوتِه
هُم هؤلاءِ أتونا بالأذى فبكى = طفلٌ وعانى مصابٌ من مصيبتِه
وفرَّقُوا أُمَّةً قد كان يجمعُها = هُداك ياربِّ والبشرى بآيتِه
وأخَّروها قرونًا عن مكانتِها = فسامَها عبثٌ يحثو بِغُمَّتِه
فأدبرتْ عزماتٌ بعد جَلْبَتِه = وأقبلتْ حسراتٌ في تَفَلُّتِه
إذ يُنشئُ العبثُ الممقوتُ مخنثةً = تُميتُ عزمًا علمناهُ بصحبتِه
بدائِه شقيتْ في العصرِ أُمَّتُنا = ودارُهـا اكتأبتْ من سوءِ طلعتِه
بأسُ الليالي وما ألقتْ دُجُنَّتُه = من قرِّ هجمتِه أو حَرِّ رميتِه
نابُ الطغاةِ به قد فارَ يسكرُه = حبُّ التَّسلُّطِ في أيام سكرتِه
هو البلاءُ الذي قد حلَّ منتفشًا = وَغَيَّبَ الأنَفَ الأسمى بأُمَّتِه
يريدُها حقلَه الرَّيَّانَ يمنعُه = عن الذين سَقَوه شذوَ بهجتِه
أهانَهم ذلك الجاني وشرَّدَهم = وقد سقاهم سمومًا من تفاهتِه
وظنَّ أنْ لنْ تُوَارَى فأسُ سطوتِه = ولن تحورَ عذاباتٌ بحِدَّتِه
وطاوعتْهُ نفوسٌ في ضمائرِها = ماتَ الشُّعورُ ، فلا تحزنْ لغيبتِه
تلك النفوسُ تَرَبَّتْ في مآثمِها = على التَّلَوُّنِ وامتارتْ بخسَّتِه
مخاتلون فلا تُرجَى صحائفُهُم = لأيِّ خيرٍ علمناهُ بديرتِه
ومرجفون كإعلامٍ لهم سقطتْ = رؤاهُ في مهمهٍ أودى بوجهتِه
يحرِّفون حكاياتِ الأسى كذبًا = مهرِّجين وعاثوا في تَفَلُّتِه
أنباؤُه الريبُ والتشكيكُ يعرفُه = مَن لم يُجرِّبْ قراءاتٍ بعثرتِه
عوى التشاؤمُ في دنيا جريدته = وأغرقَ الفُحشُ وجهًـا في مجلتِه
وللهزائمِ كم غنَّت حناجرُه = والشَّعبُ يندبُ في ظلماءِ نكبتِه
إنَّ الرزايا جرتْ في بوقِ مُمتَهَنٍ = يراودُ الوهمَ لايُجدي بغدوتِه
وما أفاقَ أخو التلميعِ من دجلٍ = أعماه حتَّى ترامى في فضيحتِه
رفقًـا بأنفسِكم ياعارَ أُمَّتِنا = فَشَرُّكم باءَ بالعُسرى بخبرتِه
دوَّخْتُمونا بتهريجٍ فلا هدأتْ = لكم قلوبٌ عراها شُؤمُ نقمتِه
ولا استرحتُم بدنيا أو بآخرةٍ = ولا نعمتُم مع الطَّاغي وفرحتِه
يسوقُكم كقطيعٍ لايرى أحدًا = سِواهُ إذ دسَّكم حوضِ قسمتِه
هل أنتُمُ بشرٌ ؟ لا .لا أرى بشرًا = بل أنتُمُ رأسُ بلواهُ وحربتِه
عجبتُ من بشرٍ لاعقلَ يردعُهم = فهم غُثاءٌ تراءى فوقَ سطوتِه
غدًا غدًا والليالي جِدُّ مسرعةٌ = عجلى ويُكسرُ فيها صلبُ شوكتِه
وتنتهي حينها هدرًا قبائحُكُم = وقد طواها الذي وافى لنكبتِه
هذا الشَّقيُّ البغيُّ المجرمُ انحدرتْ = عليه من لؤمِه آفاتُ فلتتِه
قد حاربَ اللهَ ملعونًا بما ملكتْ = يداهُ من جمعِكم يسعى لبُغيتِه
وقاتلَ الشَّعبَ ويحَ الشَّعبِ كم قُتِلَتْ = بسيفِ ظالمِه آمالُ نهضتِه
وعرشُه بانتخاباتٍ مُزَيَّفَةٍ = علاهُ من قَتَرٍ من قُبحِ خدعتِه
وقيلَ فازَ ، وأبواقُ النِّفاقِ له = علا صُرَاخٌ لها في يومِ زينتِه
ياويلكم ، أَخُدِعْتُم أم بكم خُدِعَتْ = رؤى الشُّعوبِ ، وكنتُم وجهَ حِنكتِه
أظنُّكم تعرفون الظُّلمَ معرفةً = وتعرفون أخا ظلمٍ بسِحنتِه
وتعرفون بأنَّ النَّاسَ تكرهُه = وأنَّه خاسرٌ غافٍ بسكرتِه
فكيف ترضى به تيسًا زريبتُكم = وكيفَ قَرَّتْ بعارٍ عينُ عصبتِه !
ماذا ادَّخرتُم إذا الدَّيَّانُ يسألُكم = يومَ الحسابِ عن الجاني وعترتِه
ماذا تقولون إنْ نيرانُها استعرتْ = تلك الجحيمُ ونادتْ كلَّ فرقتِه !
فالويلُ يومئذٍ مأوى تَحَزُّبِكُم = وفيه ما لم تروا من هولِ رهبتِه
فاللهُ آتى الورى بِرًّا بشرعته = فليس في الأرض منهاجٌ كدعوتِه
ويعلمُ اللهُ مايُحيي النفوسَ وما = يبني المودَّةَ في الدنيا برحمتِه
أزرى الهوى بالورى فالناسُ مابرحوا = تحورُ عيشتُهم ضنكى بسكرتِه
لو أنَّهم أسلموا للهِ لانهمرتْ = سحائبُ الجودِ من ثجَّاجِ نعمتِه
لكنَّهم جحدوا آلاءَ بارئِهم = فأثمرَ الكفرُ في قيعانِ وهدتِه
و هـلَّ وجهُ رسولِ اللهِ مشرقةً = أنوارُه بالهدى معْ خيرِ صفوتِه
فآمنتْ أممٌ عاشتْ مآثرَه = والشَّرعُ أثمرَ مجدًا بعض آيتِه
وأورقتْ بالمُنى دنياهُمُ وزهتْ = بها الأُخُوَّةُ في نعمى مودتِه
فيها يرى المرءُ أهلَ الأرضِ قاطبةً = مَن آمنوا بالهدى هم كلُّ إخوتِه
للخيرِ إسلامنا في عالميَّتِه = كالشَّمسِ تغشى المدى في زهوِ بهجتِه
ويؤثرُ المسلمُ السَّبَّاقُ إخوتَه = في اللهِ إنْ أملقوا يومًا بنجدتِه
ويكرمُ اللهُ أهلَ الفضلِ يمنحُهُم = من الثَّوابِ الذي يُرجَى بجنَّتِه
فيها يفوزون بالبشرى ويكلؤُهم = ربُّ البريَّةِ من نعماء منحتِه
المنفقون ووجهُ اللهِ غايتُهُم = والمخلصون وقد جدُّوا لنصرتِه
هُمُ الكرامُ بديوانِ العلى ولهم = زلفى وحُسنُ مآبٍ من محبَّتِه
جاءَ النَّبيُّ بدينٍ عـزَّ حاملُه = وبلَّغَ الأمرَ بالحسنى لأُمَّتِه
وبيَّنتْ سُنَنُ التَّقوى مآثرَه = ورفعةُ المرءِ ماكانتْ بشهوتِه
بالبيِّناتِ سـما إنسانُ دعوتِه = فعاشَ في الأرضِ في أجلى مروءتِه
يجودُ بالنَّفسِ في ساحاتِ عزَّتِه = ويبذلُ المالَ مطواعًا برغبتِه
فلا تراهُ إذا بالنَّاسِ نازلةٌ = ألقتْ شقاها سوى غوثٍ لإخوتِه
لعلمه بثوابِ الباذلين غدًا = عندَ الإلهِ فلم يبخلْ بقدرتِه
يمينُه أعطت الملهوفَ حاجتَه = وللفقيرِ حباءٌ عند حاجتِه
قد هذَّبَ الدِّينُ بالتقوى خصائلَه = والدِّينُ يُنشِئُ أبرارًا برفعتِه
يسمو به المرءُ في أسمى مدارجِه = ويرتدي في الورى من نسْجِ حُلَّتِه
ويغسلُ الدِّينُ قلبَ المرءِ من دَرَنٍ = أصابَه أو هوىً يُزري بفطرتِه
والخيرُ في أُمَّةِ الإسلامِ أوَّلُه = باقٍ وآخره في وجهِ صفوتِه
يُرجَى به المجدُ ما ضلَّتْ مراكبُه = وللفلاحِ سيأتي صبحُ نُصرتِه
يقومُ في عصرِنا هذا به نفرٌ = يُحيون سيرتَه في جمعِ أُمَّتِه
ويبعثون مُحَيَّاهُ على قبسٍ = من الكتابِ ومن أنوارِ سُنَّتِه
فباركَ اللهُ مسعى الصَّالحين به = وأيَّدَ اللهُ مَن هم في كتيبتِه
فلن نرى الفتحَ إلا في شريعتِنا = ولن نرى النَّصرَ إلا تحتَ رايتِه
ولن يُغيِّرَ ربِّي حالَ أُمَّتِنا = ويرجعَ الجيلَ يومًا من ضلالتِه :
إلا إذا غيَّرَ الإسلامُ أنفسَهم = بالتَّوبِ والصِّدقِ والتَّقوى وسيرتِه
وذاك وعدٌ من الرحمنِ نعلمُه = في يومِ بعثتِه أو يومِ هجرتِه
وأوبةٌ لكتاب اللهِ صورتُها = توحي بصدقِ محيَّانا ورغبتِه
فَلْتُخْلِص العملَ المرضيَّ أنفسُنا = للهِ حتى نرى آثارَ رحمتِه
ياخيرَ أُمَّة مبعوثٍ لعالَمنا = عودي إلى اللهِ واسْعَيْ دونَ خدمتِه
فلن يُضَيِّعَك الرحمنُ في زمنٍ = تفورُ غفلتُه في شرِّ فعلتِه
ما اختارك اللهُ إلا أُمَّةً وسطًا = وقد حباكِ بخيرٍ من عنايتِه
فأوصلي بالتُّقى ما باتَ منقطعًا = واسترشدي بالهُدى تَحْظَيْ بنعمتِه
وَلْتَعلَمي أنَّ مُزْنَ الخيرِ قادمةٌ = رغمَ اليبابِ الذي أودى ببسمتِه
يأتي الربيعُ وبالإسلامِ رونقُه = في طيبِ مطلعِه ، في شذوِ نفحتِه
ولم تزل شمسُه في الكونِ مشرقةً = لمَّـا تغبْ وسناها وحيِ وِجهتِه
هذا هو الألقُ القدسيُّ يغمرُنا = فهل نُيَمِّمُ ياقومي لديرتِه ؟
نجددُ المجدَ بالإسلامِ حيثُ لنا = وعدٌ من اللهِ ميثاقًا لعودتِه