تقاسيم على غيتارةِ الحنين

الطريقُ التي لا تسيرينَ فيها

لا تقودُ إلى أيِّ تيهٍ هنا

سوى لحدائقَ بحريَّةٍ

من رمادٍ وطينْ

*

تركتُ المدينةَ

مكتظَّةً برسائلِ عشَّاقها

ولا شيءَ فيها يزيِّنُ روحَ النهارِ

بأوراقِ ماءٍ وريشةِ نوستالجيا الغائبينْ

*

الحنينُ الخفيُّ على حالهِ 

والنحيبُ المضيءُ

وزهرُ الغبارُ 

ونهرٌ يطيرُ إلى مشتهاهُ

وقلبٌ يُرجِّعُ أغنيةً

في مَحارِ الشغفْ

*

التفاصيلُ غامضةٌ كالصُدَفْ

والتماثيلُ تبسمُ في السرِّ لي 

وهي تأوي إلى أمِّها آخرَ الليلِ مشتاقةً..

ولا شيءَ يُغري العصافيرَ 

كي تتنزَّلَ من لوحةٍ حيَّةٍ

وتحطَّ على راحةِ القلبِ..

والشعراءُ السكارى 

يضيئونَ أوجاعَهم بالكحولِ الرخيصةِ 

أو يبحثونَ عن امرأةٍ 

لا يُكمَّلُ نقصانُها المختلفْ

*

لا شيءَ يُغري بشيءٍ بتاتاً

ولا أستطيعُ 

التخلَّصَ من لغتي كي أصفْ

*

العاشقاتُ اللواتي استدرنَ إلى الخلفِ 

أهدينَ تلويحةً لسدومِ الغريقةِ

أو قبلةً في الهواءْ

والشاعراتُ اللواتي انتحرنَ

من الغضبِ العاطفيِّ ومن ذكرياتِ الهباءْ

لم يجدنَ مَصبَّاً سعيداً لأنهارهنَّ التعيسةِ

أو مشجباً واحداً في الظلامِ لثوبِ البكاءْ

*

كلُّ قصائدِ الحريَّةِ لا تجعلُ من دمٍ ماءً 

ولا تجعلُ من حلمٍ وطناً

كلُّ قصائدِ الحنينِ لا تعيدُ الطفولةَ ولا تقرِّبُ البعيدَ

كلُّ قصائدِ الحُبِّ ومزاميرَ الغَزلِ

لا توقفُ قطارَ الزمنِ الذي مرَّ 

على جسدِ حبيبتي في السابعةِ صباحاً

*

شاعرٌ ينادي على دواوينهِ التي لم يقرأها أحدٌ

والموزَّعةِ على قاراتِ الوجعِ الإنساني

فتأتيهِ على هيأةِ أسرابٍ من الطيرِ 

تحملُ حبَّاتِ قمحِ وقطراتِ قوسِ قزحٍ

تحطُّ على وجههِ في غفلةٍ منهُ

*

تعالي إليَّ يا كلَّ مراثي الشعراءِ

فقلبي حصَّالةٌ للدموعِ

*

لا انتهاءَ لها

لا سماءَ لأسرارها 

لا شتاءَ لأشعارها 

لا أصابعَ تبكي فراشاتِها 

وهيَ تمضي إلى الشمسِ

أو تتغلغلُ في عزلتي آخرَ اليومِ

وحدي أفتِّتُ صلصالَ قلبي 

على ركبةٍ من غيومِ الشموعِ

*

هل الأبديُّ إذنْ 

أن أعلِّقُ معنى اشتهائي 

على لفظكِ الجسديّْ؟

*

ما الذي يربطُ الرملَ بالماءِ

وامرأةً بالقصيدةِ

والحُبَّ بالزرقةِ المُبهمةْ

ما الذي يربطُ الجسرَ بالأغنياتِ

وصيفَ المدينةِ بالأخرياتِ

وعينيَّ بالحَبقِ العاطفيِّ

وزهرَ البنفسجِ بالجُمجمةْ

سوى العطشِ الشاعريِّ 

الذي في دمي

وسوى اللسعةِ المُلهمةْ؟

*

مهما فعلتِ.. مجازُ الريحِ في لغتي

لا يطمئنُ وقلبُ الشِعرِ ليسَ يعي

تقودني هاوياتُ الطينِ في جسدي

أعمى من الشغفِ الناريِّ والولعِ

*

إذا انسلَّ قلبُكَ كالطيرِ من بحرهِ

ثمَّ طارَ بعيداً

فمن يا تُرى سوفَ يمنعهُ

ثمَّ يُشعلُ للمشتهى أضلعَكْ؟

تفقَّدْ مراياكَ يا آخري

إنَّ قلبي معَكْ

*

بالبراهينِ أم بالغوايةِ 

أم بحفيفِ يديكِ إلى آخرِ السردِ

أم بالفراشةِ في ثوبِ قلبكِ

أم بالحريرِ الذي انسابَ من جسدِ المفردةْ

تُنقصينَ الروايةَ خيطاً من الماسِ 

أو ما يقايضُ قلبي بليمونةٍ واحدةْ؟

*

إلى جلجلةٍ في السرابِ

يقودني قلبي من يدي

وعلى صليبٍ غيرِ مرئيٍّ

أتخيَّلُ نفسي مسمَّراً دائماً

حتى من دونِ أن أُحبَّ 

أو أكتبَ الشِعر

*

ثمَّةَ عطرٌ يدوِّخُ في غيمةِ التبغِ

ياقوتةً لا تنامُ من القهوةِ العربيَّةِ

ثمَّةَ نايٌ يئنُّ من البردِ في الدورةِ الدمويَّةِ

ثمَّةَ نافورةٌ قربَ بيتِ اليمامِ 

وتعويذةٌ للغيابِ الذي يتناسلُ 

من ورقِ الغارِ أو قيظِ آبْ

*

عشرونَ قلباً في الطريقِ إلى حدائقها 

المعلَّقةِ الخرابِ ولستَ تنسى

هرمتْ قصائدُكَ الجميلةُ 

وانطفأتَ من العذابِ 

وفعلِ تزجيةِ الحنينِ المُرِّ يأسا

لا شيءَ كانَ عليكَ من وجعِ التأمُّلِ

في ذبولِ الحُبِّ أقسى

*

بلاغتُها تتحوَّلُ كلَّ صباحٍ 

إلى سيوفٍ صغيرةٍ تنزلقُ بمهارةِ متزلِّجٍ 

على ثلجِ خاصرتي الاستوائيَّةِ 

تقدُّ قميصَ القلبِ من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ

*

طالما لم يروِّضْ دمي شوكَ شهوةِ ياقوتها 

فسأمشي على فضَّةٍ في يديها وفي صوتها

*

تقولُ الأغنية الشعبيَّةُ: 

أُلمسي بأصابعكِ النحيلةِ قلبي 

ليضيءَ لكِ كأوَّلِ قنديلٍ

ويدي لتتحوَّل نافورةَ فراشاتٍ

وقصيدتي لتصبحَ نورساً أزرقَ

وعينيَّ لتصبحا سماءً

*

أعرفُ أنكِ كنتِ ضائعةً 

في الغزليَّات الأندلسيَّةِ

وفي بكائيَّاتِ لويس أراغون

ومدائحِ ماريو فارغاس يوسا

ومرحلةِ بابلو بيكاسو الزرقاءِ

ولكني أجهلُ كونَكَ 

وردةَ خوان ميرو السرياليَّةَ 

التي أحبُّها حدَّ الولهِ

*

قدمايَ تحنَّانِ لتجوالٍ بلا هدَفٍ

والناياتُ التي في دمي تحنُّ لأصابعكِ

والقُبلُ الطافيةُ في بحيرةِ القلبِ تحنُّ لفمكِ

ويدايَ لتحطيمِ ألواحِ وصايا أفلاطونَ 

التي لم تعجبُكِ أبداً

*

خُذها من الماءِ.. من ملحِ الغناءِ ومن

أقصى الدماءِ ومن أنشودةِ الوجَعِ

وكن أنينَ يديها أو مَحارتها

وما تقولُ رمالُ البحرِ للبجَعِ

*

أغنيَّةُ الغجريَّةِ 

حبالٌ من نعاسِ النعناعِ 

ومن عطرِ الليمونِ وحبائبِ القمرِ

تستدرجُني إلى الخرائبِ المعلَّقةِ 

في فردوسها المُموسَقِ

*

إلامَ سأقضمُ وردةَ صلصالها

وتفَّاحَها الساحليَّ الأنيقْ

وأحمي غبارَ الندى من يديها

وأنشقُ نرجسَها الآدميَّ..

إلامَ بلهفةِ خلخالها 

أنادي الملائكةَ الطيِّبينَ

وأغمدُ أحجارَها في العروقِ

وأنهارَها في النهارِ / الحريقْ؟

*

كصفصافةٍ في الخريفِ

أقولُ الكلامَ الخفيفَ.. وأمشي

بغيرِ ارتباكٍ إلى آخرِ الشِعرِ...

عيناكِ أحلى مرايايَ

ثغرُكِ في القلبِ أجملُ نقشِ

*

عندما أرجعُ لبيتي في مساءٍ

مُثقلٍ بشَعركِ القمحيِّ

لن يكونَ ثمَّةَ برابرةٌ في انتظاري

لن أجدَ سوى يدكِ لتسندَ وجهي

الضائعَ في المدنِ والنساءِ والقصائدِ

كما تسندُ صوَّانةُ الوادي الأقحوانةَ

وكما تسندُ قطرةُ ماءٍ في صحراءَ ملتهبةٍ 

منقارَ عصفورٍ متشرِّدٍ ينقرُ يدَ قلبي

*

ينتابني السيَّابُ هذا اليومَ

لا كهبوبِ عصفورٍ على عينيَّ

يغمسُ قلبَهُ في الدردنيلْ

بل مثلَ موجِ الوجدِ..

مثلَ دموعِ عاشقةٍ

ترى المعشوقَ في قمَرِ النخيلْ

ينتابني السيَّابُ 

حينَ أغيبُ عن حبقِ المنازلِ 

في الطريقِ الساحليَّةِ..

حينَ لا ترقى يدايَ إلى قناديلِ الحديقةِ

والغوايةِ والزمانِ المستحيلْ

ينتابني السيَّابُ 

حينَ أكونُ أبعدَ من أنينِ البحرِ 

في الحَبَّارِ والمنفى 

وحينَ أكونُ قابَ غمامةٍ بحريةٍ

أو نثرِ أغنيتينِ 

راحَ يضيءُ في غوريهما 

قلبُ الجليلْ

*

لو رصاصُ الطغاةِ رأى حزنَ عينيكِ

ما كانَ يوماً ليشطرَ قلبَكِ..

لو عانقَ الغازُ أنفاسَ تفَّاحكِ العسليَّةَ

ما كانَ منكِ اقتربْ

لو أفاعي السكاكينِ 

طافتْ بخصركِ 

ما نفثَّتْ سُمَّها في العنبْ

*

هيَ أختُ القصيدةِ 

رميةُ نردٍ طقوسيَّةٌ

وانتظارُ الذي لا يجيءْ

صوتُها يثقبُ القلبَ..

أوتارُها النرجسيَّةُ ترتقُهُ

بهواءٍ يئنُّ.. 

ونثرٍ يضيءْ

*

ضجَرُ السبتِ مُنسدلٌ كالترابِ 

على نجمتي الساحليَّةِ

فيما أنا كنتُ منشغلاً باصطيادِ الندى

وبنزعِ المساميرِ من قدميَّ

ومشيي على الماءِ..

كانَ فمي للسرابِ

وكانَ دمي للصدى

*

أطعمتُ قلبي لاشتهائكِ 

مثلما تُلقينَ قُبلتَكِ الأخيرةَ 

للذئابِ الضارياتِ وللقصائدِ 

لا مباليَةً.. كأنكِ شهرزادُ

بجيدها الذهبيِّ

والوجهِ الذي لسعَ الدماءَ بفتنةٍ تبكي

وبالشَعرِ الذي تركتهُ أقمارُ السوادِ

على سجيَّتهِ أمامَ فمي المراهقِ..

كنتِ تندلعينَ في عينيَّ 

أو لغتي الصغيرةِ كالندى

لا شهريارُ ينالُ طيفَكِ في المرايا الخُضرِ

أو يرقى لكَرمكِ كي يودِّعهُ على عجَلٍ

ويغرسَ ظفرَهُ في الريحِ..

نامَ رذاذُ صيفكِ في أصابعهِ

التي احترقتْ من الحرمانِ 

والقلَقُ الوجوديُّ استوى في جسمهِ

شجراً من الصوَّانِ

تسرحُ فيهِ غربانُ الرمادْ

يستلُّ منكِ الرمزَ والمعنى

بلمسةِ خصركِ المُضنى

بحنَّاءِ الندامةِ والبروقِ

وتنحني أحلى زنابقهِ على سيفِ القتادْ

وسوم: العدد 631