تَراتيل من قلب الجَبل الوحش
(1)
قُمْ لِلشَّيخَيْنِ هُنَا وَفِّهِمَا التَّبْجِيلاَ
قَدْ كِدْتُ أَرَى بِالأَرْضِ رَسُولاً وَرَسُولاَ
مُذْ سَطَعَا مَا عَرَفَتْ هَذِي الشَّمْسُ أُفُولاَ
(2)
قُمْ لِلشَّيْخَيْنِ الْمُشْتَعِلَيْنِ أَمَامَكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ تَطَهَّرْ بِصَلاَتِهِمَا. اِخْلَعْ نَعْلَيْكَ وَأَنْتَ تُرَشُّ بِغَيْثٍ يَتَدَفَّقُ مِنْ نَخْلاَتِهِمَا.. قُمْ.. رَفْرِفْ بِجَنَاحَيْكَ قَرِيباً مِنْ قَمَرٍ زَيَّنَ خَضْرَاءَ قَسَنْطِينَةَ ثُمَّ رَمَى بِشِهَابٍ قَبَسٍ بَيْنَ شَوَارِعِ فَاسَ وَتِطْوَانَ فَجَاءَتْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ عَنَادِلُ أَطْلَسِنَا تَلْتَقِطُ الْـحَب َّ تَضُمُّ الْـحَاءَ إِلَيْهَا فَإِذَا الْـحُبُّ الطَّالِعُ مِنْ جَمْرَاتِهِمَا يَنْثُرُ فِي الأَرْضِ أَرِيجاً يَسْرِي بَيْنَ الأَشْجَارِ فَتَفْتَحُ طَنْجَةُ عِنْدَ الْفَجْرِ ذِرَاعَيْهَا الْوَاسِعَتَيْنِ تَضُمُّ الأَطْلَسَ وَالأَوْرَاسَ إِلَى صَدْرٍ هُوَ أَوْسَعُ مِنْ أَحْلَامِ الشُّعَرَاءِ/ الشُّهَدَاءِ الْعَطِرَهْ
قُمْ لِلشَّيْخَيْنِ بِهَذِي الأَرْضِ الْحُبْلَى بِأُلُوفِ الشُّهَدَاءِ امْلَأْ وَجْهَكَ هَذَا الرَّمْلِيَّ بِأَنْهَارِ بَصَائِرَ كَانَتْ تَسْرِي بَيْنَ رِمَالٍ عَطْشَى فَإِذَا الْأَشْجَارُ تُرَفْرِفُ مُثْقَلَةً بِسَحَائِبَ مِنْ وَهَجِ النُّورِ الْأَشْجَارُ تَسِيرُ مُقَدَّسَةً بِلَهِيبِ الرَّعْدِ مُعَطَّرَةً بِجَلَالِ النَّحْلِ مُزَيَّنَةً بِتَشَابُكِ أَغْصَانٍ هِيَ عِنْدَ اللَّيْلِ الْمَرْشُوشِ بِآيَاتِ اللَّيْلِ رِمَاحٌ تَقْذِفُ فِي قَلْبِ الرُّومِيِّ الرُّعْبَ فَيَحْمِلُ قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ حَقَائِبَهُ وَيُعِيدُ الْبَحْرَ يُعِيدُ الْبَرَّ يُعِيدُ الرُّوحَ لِأَبْنَاءِ الشَّيْخَيْنِ الْبَرَرَهْ.
(3)
آهٍ!.. لَوْ يَلْقَانِي الشَّيْخُ الْوَاقِفُ كَاللَّيْثِ بِبَابِ الْقَصْبَةِ أَوْ عِنْدَ تُخُومِ الْقُبَّةِ.. لَوْ يَلْقَانِي الْيَوْمَ وَيَسْأَلُنِي عَنْ حَالِي فِي هَذَا الزَّمَنِ الْمَحْلِ وَعَنْ حَالِ مَدَائِنِنَا ! أأَقُولُ أَضَعْنَا غَرْنَاطَةَ قَبْلَ سُقُوطِ الثَّلْجِ وَسَلَّمْنَا مِفْتَاحَ عَوَاصِمِنَا لِغُزَاةٍ أَلْقَى بَحْرُ الرُّومِ بِهِمْ فَانْتَشَرُوا كَالنَّارِ الظَّمْأَى فِي غَابَاتِ خَلَايَانَا..
لَوْ يَسْأَلُنِي هَذَا الشًّيْخُ أَصَلَّيْتَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ مَرَرْتَ بِمَكَّةَ هَلْ قَدَّسْتَ وَهَلْ خَلَّلْتَ وَأَنْتَ تَعُودُ إِلَى وَجْدَةَ نَشْوَانَا؟
لَوْ يَسْأَلُنِي الشَّيْخُ الْمَرْشُوشُ بِأَنْوَارِ التَّقْوَى عَنْ حَلَبٍ جَوْهَرَةِ الشَّامِ وَعَنْ بَغْدَادٍ عَاصِمَةِ الأَحْلَامِ وَعَنْ كُلِّ خَمَائِلِنَا الْمَحْرُوقَةِ قُدَّامِي.. أَأَقُولُ أَنَا بِيَدِي أَشْعَلْتُ النَّارَ أَنَا بِيَدِي أَحْرَقْتُ الْأَشْجَارَ أَنَا بِيَدِي دَمَّرْتُ الدَّارَ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ. فَيَا شَيْخِي أَيْنَ أُخَبِّئُ وَجْهِي كَيْ لَا تَسْقُطَ عَيْنَايَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَرَانِي بِثِيَابٍ لَا تَسْتُرُنِي؟ أَيْنَ أُخَبِّئُنِي كَيْ أَنْجُوَ مِنْ جَمْرِ سُؤَالِكْ؟
يَا هَذَا الشَّيْخُ الْمَارُّ وَحِيداً بِالْجَبَلِ الْوَحْشِ رَبِيعُكَ يَأْتِي فَوَّاحاً بِأَرِيجِ الزَّهْرِ الْفَاتِنِ لَكِنَّ رَبِيعِي فِي هَذَا الزَّمَنِ الْعَرَبِيِّ السَّاكِنِ يَأْتِي فَوَّاحاً بِدَمِي وَهْوَ غَزِيراً يَتَدَفَّقُ مِنْ أَشْجَارِ ضُلُوعِي... لَا تَسْأَلْ مَنْ أَهْرَقَ هَذَا الدَّمَ !... لَا تَسْأَلْ يَا شَيْخِ وَدَثِّرْ جَسَدِي بِجَلَالِ لَهِيبِكَ دَثِّرْنِي عَلَّ زُهُوراً مِنِّي تَبْجُسُ بَيْنَ ظِلَالِكْ.
(4)
خُذْ دَرْبَكَ أَنْتَ الْحَيُّ وَإِنْ كُنْتَ قَتِيلَا
مُدَّ يَدَيْكَ إِلَى الْمِشْكَاةِ خُذِ الْقِنْدِيلَا
رَتِّلْ آيَاتِ الْفَجْرِ عَلَيْنَا تَرْتِيلَا
................................
أَنَا أُصْغِي الْآنَ إِلَيْهِ يُهَلِّلُ تَهْلِيلَا
الجزائر( قاعة مفدي زكرياء: -ماي 2015)
--------------------------
الشيخان هما عبد الحميد بن باديس (1889/1940) ومحمد البشير الإبراهيمي (1889/1965)
الشهاب: جريدة أسبوعية بالعربية أنشأها ابن باديس 1925 وتحولت 1929 إلى مجلة وتوقفت 1939
التقى وعماء الأحزاب المغاربية بطنجة 27-30 أبريل1958 ( حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الجزائرية)
جريدة البصائر : أصدرها البشير الإبراهيمي. عددها الأول كان 27/12/1935
القصبة والقبة من أحياء الجزائر العاصمة
منطقة بمدينة قسنطينة
وسوم: العدد 644