بعد استشهاد أخي صلاح صرت أشعر أن مصيبتي مصيبتان.. مابين حزني على أخي, وحزني على نفسي... صارت تدور في نفسي خواطر كثيرة, وتمتلكني أحاسيس مؤلمةٌ تعتصر صدري.. وصارت الحياة سوداء في عيني.. إذ أن جميع آمالي وأحلامي وطموحاتي تحطمت وسحقت.. ومستقبلي ضاع, بل حياتي كلُّها معلقة بخيط رقيق بين السماء والأرض...
في إحدى ليالي السجن المظلمة البائسة, استغرقت في تفكيري وتأملت في هذه الحياة ومعانيها, وما أعيشه من ابتلاءات... كنت أختلس النظر من طاقة السقف المتجهمة وأرقب السماء السوداء في ظلام الليل, وأحسست أن الله وحده يسمعني, ويسمع آلامي وأحزاني, فتوجهت إليه بهذا الدعاء أناجيه بجناح مكسور وقلب حزين...
إلهي بسطتُ أكفَّ الدعاءِ=وقد بسط الظلمُ جُنحَ البلاءِ
ولَّف الأنام سكونٌ وليلٌ=وضجَّت شجوني وعزَّ دوائي
إلى مبتغايَ طريقٌ طويلُ=أريدُ الشراءَ وذُخري قليلُ
فكيف المفازُ بسلعةِ ربي=ودون المنالِ مُصابٌ جليلُ
مشَيتُ إليها أنوءُ بحملي=ودنيا دَعْتني, ونفسي تميلُ
أجبتُ نداها فأغوَتْ فؤادي=نسيتُ مُرادي وشَقَّ الرحيلُ
قعَدتُ بظلّ لدنيا تغنِّي=فتاهَ المَسيرُ وضاع الدليلُ
ولما أفقتُ بوادي الأفاعي=صرختُ هلوعاً أغثْ يا وكيلُ
أريدُ الخروجَ لشطِّ السلامة=وأمَّارةُ السُوء تَبْغي المُرام
فترسلُ موج الهوى والأمانيْ=لتَقذِفَني في بحور الندامةْ
أسيرُ بغابةِ رعبٍ مُريبةْ=تَهِيجُ بها الضَّارياتُ الرهيبةْ
وأسمعُ رجعَ الضحايا أنيناً=فيَنبتُ ثأرٌ بماءِ االمصيبةْ
وأحملُ درعي اتقاءَ الطعانِ=فتسخَرُ مني سهامُ الزمانِ
متى ردَّ عنك احتراسٌ قضاءاً=فلا نامتِ العينُ عينُ الجبانِ
قرأتُ حنانَك ربي جليَّاً=وحِفظَك في النائبات العتيَّة
فكم داهمتني خطوبٌ جِسامٌ=وكم طوَّقَتْني ذئابُ المَنيَّة
وسُّدتْ بوجهي دروبُ الخلاصِ=وأُحكِمَ قَيدي وضاقتْ عليَّ
ولم يبقَ غيرُك ربي رجاءاً=فناديتَ: عبدي إليَّ إليَّ
تهيجُ المنايا وترمي الرماحا=وترسِلُ سَيلَ الردى والرِياحا
تزلزلُ أرضي تُهدِّمُ سقفي=وهذا عدوي دمائي اسْتباحا
فأسقطُ بين مخالب يأسٍ=وأشْعُرُ حتفي يجيءُ اجتياحا
وأذكرُ أني بحفظِ عظيمٍ= يُغيثُ العِبادَ, يداوي الجِراحا
وأوقنُ أني إذا شاءَ ربي=أسيرٌ مساءاً ... طليقٌ صباحا
فتسري الحياةُ وتشرق نفسي=وأرقُبُ فتحاً على الأُفْقِ لاحا
قطار الحيَاة يمرُّ سريعا=ويَخطَف شيخاً وطفلاً رضيعا
وسهمُ المنيَّة ليس يُبالي=بمنْ كان جَلْداً وكان جزوعا
وطاحونةُ الدهرِ تحت رحاها=يُساوي الأميرُ الفقيرَ الوضيعا
فأين ظلومٌ يتيهُ اختيالاً=وأين عَذابُ السجين مُريعا
يزولُ الجميع ونُمسي تراباً=ونُبْعَثُ منها سَواءاً جميعا
وبعد النشورِ حسابٌ ووزنٌ=يذوقُ الجُنَاةُ العذابَ الشَنيعا
إلهي سَألتُكَ بالمَكرُماتِ=جِوارَ الرسولِ ومَثْوىً رفيعا
ولا ربِّ قابلتَني بفِعالي=وهَذا دعَائي لديكَ شفيعا