- " كتاب الفَسْرُ " لابنِ جِنّيّ في شرح ديوان المُتنبّي .
يا سَيّدَ الشِّعْرِ،تُلْقيهَ فَيَلْتَهِمُ=ما أوْهَموا أنَّهُ شِعْرٌ بِهِ عَظُموا
خَرَّتْ لديكَ قَوافيهِمْ وقَدْ عَلِمَتْ=عُلّوَّ كعْبِكَ- ما ألقى- وقدْ عَلِموا
وسِرْتَ فيهِمْ نَبِيًّا سِفْرُ دَعْوَتِهِ=حَرْفٌ أبِيٌّ وفِكْرٌ صاغَهُ الشَّمَمُ
وصُورةٌ قدْ أتاكَ الوَحْيُ يَحْمِلُها=لَمْ يَجْرِ قَبْلُ بِها لَفْظٌ ولا قَلَمُ
أتاكَ، فانْجَنَّ عِنْدَ الجِنِّ سَيِّدُها=وصاحَ:مِنْ سارقِ الأسْرارِ فانتَقِموا
تفرّقوا فِيكَ مَعْمودٌ ومًتَّهِمٌ=فما أبِهْتَ بِمَنْ حَبُّوا ومَنْ تَهِمُوا
وقُلتَ أنّكَ قَدْ أسْمَعْتَ ذا صَمَمٍ=بلْ إنَّ أُذْنًا أُصِمَّتْ عَنْكَ تُصْطَلَمُ
وقُلْتَ:إنَّ عُيونَ العُمْيِ قَدْ قَرأتْ=بلْ إنَّ عَيْنًا أشاحَتْ عَنْكَ تُخْتَرَمُ
لِلَّهِ" فَسْرُ" ابنِ جِنّيٍّ على أدَبٍ=فيهِ الشّريعةُ لِلإبْداعِ لَوْ فَهِموا
ألْقى على أدَبٍ مِنْ ذَوْقِهِ أدَبًا=وزادَ مِن عِلْمِهِ في زَهْوِهِ الكَلِمُ
إليكَ يا سيّدي أرْسَلْتُ قافيتي=شَكْوى ونَجْوى؛فقدْ أضنانيَ السَّقَمُ
لَغْوٌ مِنَ القَوْلِ لا رُوحٌ ولا جَسَدُ=مَشى بِهِ بيْنَنا العُرْبانُ والعَجَمُ
النثرُ عِنْدهُمُ شِعْرٌ إذا نَثَروا=والشِّعْرُ تَحْسَبُهُ نَثْرًا إذا نَظَموا
لمْ يعْلموا أنَّما الشِّعرُ الأصيلُ رُؤىً= يَقُصُّها الوَجْدُ والإلهامُ والنَّغَمُ
كَمْ قرَّحَ الكِبْرُ ألبابًا تُعلِّمهُم= وفي دُجى جَهْلِهِمْ كَمْ أُحْبِطَتْ هِمَمُ
وما يُحيكُ بِهِمْ لَوْمٌ ولا عَتَبٌ= قَدْ عَيَّ في نُصْحِهمْ قلبٌ وجَفَّ فَمُ
سَمِعْتُ في خَلْوتي صَوْتًا يُسائلُني=صَداهُ مِنْ أمَلٍ قدْ شابَهُ ألَمُ:
أيْنَ الذي مَلأ الدُّنيا وأشْغَلَها=يأتي فيَشْغَلُنا عَمَّنْ بِها بكَمُوا؟!