خطبة النصر الكاذب... ورَدُّ الشعب
خطبة النصر الكاذب... ورَدُّ الشعب
عبد الرحمن يوسف القرضاوي
دخل وهو متقلد سيفًا متنكِّبٌ قوسًا عربية، فعلا المنبرَ وقال:
أنا ابن جَلا وطلاع الثنَايَا *** مَتَى أضَع "البيادة" تعرِفُوني
أيها الناس ...
لقد وُلّيت عليكم وأنا خيركم، الصدق خيابة، والكذب نجابة.
القَوِيُّ فيكم قَوِيٌّ عندي إذا دفع إتاوتَه، والضعيفُ فيكم ضعيفٌ عندي ما أطال لي سجدتَه.
أطيعوني لأني أطيع الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فسوف يشهد لي ألف شيخ أنني قد أطعت الله ورسوله، وسيشهد عليكم ألف شاهدٍ مُعَمَّمٍ بأنكم من الخوارج، طوبى لمن قتلكم وقتلتموه، رائحتكم نتنة، وأفكاركم عفنة !
أطيعوني ما أطعت أمريكا وإسرائيل، فإن عصيتهما فلا طاعة لي عليكم، واعلموا أنه ما ترك قوم الرقص أمام اللجان إلا ذلوا، وضربهم الله بالفقر، فكونوا عباد الله قوما يجمعهم المزمار ويفرقهم العصا.
كنت أنتظر منكم المبايعة، فجئتموني بالمقاطعة، ووالله لأنتقمنَّ منكم انتقام من تمسكن حتى تمكن.
سوف أحسن لا محالة فأعينوني، وإن ظننتم أني أسأت فوالله الذي لا إله إلا هو إني لأرى رؤوسا قد أينعت وآن قطافها، وإني لقاطفها، وجاعل منها باقة ورد أفخر بها بين السادة الأنجاب، وبين كل قادة مكافحة الإرهاب.
واعلموا أن المربوط عندي مضروب ليخاف السايب، وأن المال عندي مفكوك مبذول سايب، ولأضرِبنكم ضربَ غرائبِ الإبل، حتى تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى يقولَ القائل: "أنْجُ سعدُ فقد قُتِل سعيد"
أيها الناس ...
أنتم الخوارج على كل حال، وأنا المستأمن على كل عرض ومال، وأنا الوارث لمن ليس له عيال، فإن ظننتم أنكم تملكون من أمركم شيئا فاعلموا أنكم ستلاقون مصير إرم وعاد، وإن ظننتم أن الناس سواسية فاعلموا أني سميع بصير بالعباد.
نحنُ العسكر أوّلُ الناس إقدامًا، وأوْسَطُهم دارًا، وأكرمُهم أحسابًا، وأحسنُهم وُجوهًا، نحن الأمَراءُ، وأنتم الخدم لا الوزراء، لا تَدِينُ العربُ إلا لهذا الحَي من المنوفية، وأنتم محقوقون ألا تَنْفَسوا على إخوانكم من العسكر ما ساق الله إليهم.
ووالله لو عثرت بغلة في آخر صعيد مصر لأستخرجن ميتين أم صاحبها وأهله ... لم لم تنتبه لبغلتك يا بغل يا ابن البغل؟ احنا ناقصين ميتين أمك؟
أسأل الله أن ينير طريقنا بالمغفرة، وبلنضة موفرة... وأقم الصلاة ... وصل بهم أنت يا شيخ علي ... أنا مش فاضي !
قوموا إلى صلاتكم يا أبناء ال***ة
انتهى المخلوع من خطبته، فرد عليه لسان الشعب قائلا :
إذا كَانَ مِنْ أَهْلِ الخَنَا مَنْ تُخَاصِمُهْ
لَعَمْرُكَ لَنْ تُجْدي الكَريمَ مَكَارِمُهْ
ولَيْسَ بعَيْبٍ أَنْ تَرَى الكَلْبَ حَاكِما
بَلِ العَيْبُ تَلْقَى الشَّعْبَ لَيْسَ يُقَاوِمُهْ
بِمِصْرَ يَمُوتُ المَوْتُ والشَّعْبُ خَالدٌ
فَتَبْقَى لَهُ الحُسْنَى وتُنْسَى هَزَائِمُهْ
سِوَانَا يَهَابُ المَوْتَ حينَ يَزُورُهُ
ونَحْنُ يَفِرُّ المَوْتُ حينَ نُدَاهِمُهْ
بمِصْرَ يَعيشُ الشَّعْبُ قصَّةَ خُلدِهِ
ويَهْلِكُ في قَصْرِ الخِيَانَةِ حَاكِمُهْ
فَيَبْقَى برَغْمِ الدَّهْرِ طِيبُ فِعَالِنَا
وحَاكِمُنَا بالخِزْيِ تَبْقَى جَرَائِمُهْ
ويَنْفُذُ أَمْرُ الدَّهْرِ في كُلِّ أُمَّةٍ
ونَحْنُ مَعَ الدَّهْرِ الفَقيرِ نُسَاوِمُهْ
ويَنْفُذُ حُكْمُ المَوْتِ خَارِجَ أَرْضِنَا
وفي مِصْرَ أَهْرَامُ الجُدُودِ تُحَاكِمُهْ
نُعَلِّمُ أحْفَادَ الحَفيدِ صُمُودَنَا
وتُنْقَلُ مِنْ جَدِّ الجُدُودِ عَظَائِمُهْ
تَزيدُ بِدَرْبِ الحَقِّ فينَا فَضَائِلٌ
وحَاكِمُنَا بالسُّحْتِ زَادَتْ دَرَاهِمُهْ
رْفَعُ بَيْتَ العَنْكَبُوتِ بِمَالِهِ
وللشَّعْبِ صَرْحٌ لا تُهَزُّ دَعَائِمُهْ
وإِنَّا لَشَعْبٌ يَهْزِمُ الظُّلْمَ صَبْرُهُ
يُطَاوِلُ أَيُّوبًا بهِ ويُعَاظِمُهْ
فَيَصْبِرُ إِنْ كَانَ النَّفيرُ مَذَمَّةً
ويَضْرِبُ إِنْ كَانَ الزَّمَانُ يُوَائِمُهْ
فَكُنْ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ في غِمْدِ فَارِسٍ
يُسَالِمُ كُلَّ النَّاسِ حينَ تُسَالِمُهْ
وكُنْ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ يُشْرِقُ قَاتِلاً
إذا جَاءَ رِعْدِيدُ الظَّلامِ يُهَاجِمُهْ
بِمِصْرَ تَرَى شَعْبًا يُؤَدِّبُ حَاكِما
يُجَادِلُهُ حينًا و حينًا يُشَاتِمُهْ
نُخَلِّدُ حُكَّامًا ، ونَقْتُلُ بَعْضَهُمْ
وكُلٌّ بذي الدُّنْيَا لَهُ مَا يُلائِمُهْ
تَرَانَا كَخَيْلِ العِزِّ إِنْ هَبَّ جَامِحًا
عَلى سَقْفِ قَصْرِ الظُّلْمِ دَبَّتْ قَوَائِمُهْ
نُسَايِرُهُ بالصَّمْتِ ثُمَّ نَجُرُّهُ
إلى سَاحَةِ الإِعْدَامِ فاللهُ قَاصِمُهْ
فَتَسْقُطُ رَأْسُ الكَلْبِ عِنْدَ حِذَائِنَا
ويُتْرَكُ مِنْ أجْلِ الشَّمَاتَةِ خَادِمُهْ
يا معشر الثوّار ... لا يرهبنكم موكب حاكم، فكم من حاكم احتمى بحراسه من شعبهثم أذله الله على أيدي البسطاء !
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...