(فصلٌ في مَا يرتديهِ السيّدُ الفسَاد)
"... وكان من أعجب ما شهدتُ فتيةٌ من أهل فاس يحفظون مع أراجيز الآجرومية والبيقونية والشمقمقية ما يدْعونه "الأرجوزة الفضّاحيَّة"، للفضَّاح بن الوضَّاح بن أبي الصَّحصاح، وضعها لهم لِما شهد من كثرة الفساد بِبلادهم، وما جناه على العمران من خراب، وعلى الإنسان من يباب، ولِما أدخل فيهِ مستقبل البلاد والعباد من ضباب، لا سيما وقد أصبح ذا تلاوينَ تخفَى على غير الألِبّاء، وأزياء تلتبسُ على من لم يدخل في جمهرة الفُطناء. ومن بين ما أدركتُهم يردّدونه بالمسجد الجامع، ثم بعد الصلاة بالأزقة والشوارع، على غير خِيفة من شرطة السلطان وعيونه، هذه النتفة من "فصلٌ في مَا يرتديهِ السيّدُ الفسَاد"، وهو الفصل الخامسُ منها، بعد أربعة فصول في التعريف بالسيد الفساد ونسبه، ونعوته وأوصافه، وعاداته وطباعه، وأهوائه وأمزجته، وتليه فصول في غاية الشجاعة والطرافة، يضيق بذكرها المقام":
الفصل الخامس
۩ (فصلٌ في مَا يرتديهِ السيّدُ الفسَاد) ۩
۩ تنبيه ۩
للسيدِ الفسادِ بِدْلتانِ =فبدلة لمرقَصٍ وحانِ
وجُبةٌ وسُبحةُ كَراهبْ =أدارَ كَشحَهُ عن الرغائِبْ
وقدْ يزيدُ فوقَ بِدلتيْهِ =كما استَزادَ فوقَ نِحلتيْهِ
بِحسْبِ ما تدعُو لهُ المواقِفْ =أوْ في اتجاهِ هبَّةِ العَواصفْ
فَربَّما اقتضتْ لهُ الزعَامهْ =أن يربِطَ الحزامَ والعِمامهْ
أو أن يلفَّ وزرَةَ المصانِعْ =بالخِصرِ والحِذاءُ غيرُ لامِعْ
لكيْ يقودَ ثورةَ الجِياعِ =على الضِّباعِ مِنْ ذَوي الضِّيَاِع
وربَّما قبلَ انتخابهِ تَرَى=منْ زَيِّهِ ما لا يراهُ منْ يَرَى
وربَّما اكتفَى بمَا يُرقَّعْ =وكمْ بها مِنّا الغبيُّ يُخدَعْ
وربما بكَى على اليتيمِ =في خِرْقةٍ لمُشفقٍ حكيمِ
وربما... وربما... والحاصِلْ =أن الفسادَ ماكرٌ مُخاتِلْ
يرُوغُ مثلمَا يروغُ ثعلبْ =ولوْ رأيتَهُ بِفَرْوِ أرنَبْ
والسيد الفسادُ والنزاههْ =قدْ يلبسانِ يا أُولي النباههْ
نفسَ البَياضِ والبياضُ شارَهْ =على الحَلال لا على الدَّعارَهْ
فيرْتدي قناعَها ويمشِي =وسْطَ انبهارِ نعجةٍ وكَبشِ
وترتدِي مَخدوعةً قِناعَهْ =ويَدَّعيها زوجةً مُطاعَهْ
فتَشهدُ النِّعاجُ ذا القِرَانَا =وتنثُرُ الورودَ والجُمانَا
فاحْذرهُ أنْ يستنعِجَ انتباهَكْ =ألا وكُنْ يَقظانَ لا أبا لَكْ!