شاهدت صورة طفل رسم صورة أمه على التراب، ووضع رأسه ما بين ما حَلُمَ أنه زَند أمه وحضنها، فكانت هذه الأبيات:
أمي رسمتُكِ كي أنامَ قريرا=والبيتُ بعدَكِ قد غدا مهجورا
وحلمتُ أن الرَّسمَ يُؤنسُ وحشتي =فرأيتُ ذراتِ الترابِ صخورا
غادرْتِني من بعدِ أن أودى أبي=وأخي المعيلُ، وما أزالُ صغيرا
وأمام عيني أمسِ أختي قد قضتْ=لمَّا جرى دمُها الطهورُ غزيرا
لم ألقَ بينَ ركامِ بيتي مأمناً=آوي إليه، وما وجدتُ حصيرا
وأكادُ من جوعي أموتُ وليسَ لي=يا أمُّ بعدكِ من أراه مجيرا
والأهلُ!! لا أهلٌ هناكَ تعينني=فالكلُّ يا أمي قضى مغدورا
جثثُ الضحايا في الرُّكامِ تكدَّستْ=لم تلقَ من هولِ المصيرِ نصيرا
قتلاً وذبحاً مَن مضى منَّا قضى=ويموتُ منَّا من بقوْا تحسيرا
وإلى ترابٍ طالما أحببتِهِ=ووهبتِ منه للجمالِ زهورا
أسرعتِ يا أمَّاهُ أرسمُ صورةً =فيها أرى عما افتقدتُ سريرا
لكنَّ رسمَكِ لم يُعوِّضْ مهجتي =عن دفءِ حضنِكِ فانكفأتِ حسيرا
ورفعتُ طرفـي للإله تضرعاً=فازددتُ بالفرجِ القريبِ شعورا
لا تسأليني بعدها ماذا جرى =أدنى الذي عانيتُ كان خطيرا
لا شيءَ عما أرتضيه يصدُّني =فإباءُ روحي لا يرى محظورا
فإذا وهى يا أمُّ بأسي لحظةً=ورأيتُ رسمَك عدتُ عنه مُغيرا
في كل آن كان يلهِبُ همتي =وبها غدوتُ على الجهادِ قديرا
أمَّاهُ عهدُكِ لم أزلْ أحيا له =نصراً له قد شئتِني منذورا
أمَّاهُ صورتُكِ التي سكنتْ دمي =ظلَّتْ تصبُّ على حياتي النُّورا
ما كانَ منّي كلَّما أبصرتُها =إلا وعدْتُ بما توَدُّ جديرا
والآن أحسبُها تبارِكُ عهدَنا =والرَّسمُ خِلْتُ يضمُّني مسرورا
وأحسِّه مثلي يكبِّرُ ربَّه =والأهلُ حولي أعلنوا التكبيرا
وهُرِعت أرويه بدمعةِ فرحتي=لما رجعتُ بوحيه منصورا
فجثوتُ ألثمُ تربةً أحببتِها=فلقد غدتْ لي جنةً وحريرا
حسبي بها الرَّسمُ الذي أودعتُه=فلثمتُهُ وغفوتُ فيه قريرا