يا سيدي المتنبي. ...
بعض أبيات ...قد تبدو طويلة لكنها لا أروع منها حري بنا أن نصبر على قراءتها مرارا وتكرارا وهي مما قاله الشاعر الفلسطيني الرائع الدكتور ( جواد يونس أبو هليل ) من قصيدته المعنونة ( يا سيدي المتنبي ) :
أَبْكي عَلى الْقُدْسِ أَمْ صَنْعاءَ أَمْ حَلَبا
أَمْ دَمْعُ بَغْدادَ في قَلْبي قَدِ انْسَكَبا؟
ما عُدْتُ أَدْري عَلى مَنْ دَمْعَتي هَمَلَتْ
هَوْلُ الْمَجازِرِ فيها عَقْلِيَ اسْتَلَبا
وَالْفَحْلُ حارَ فَما تَدْري يَراعَتُهُ
تَرْثي الضَّحايا أَمِ الْحُلْمَ الَّذي نُهِبا
كانَتْ كَمِثْلِ زُهورِ اللَّوْزِ قافِيَتي
يا وَيْحَ مَنْ بِدمانا طُهْرَها خَضَبا
يا سَيِّدي الْمُتَنَبّي لا تَلُمْ قَلَمي
إِذا أَتاكَ حَزينَ الْحَرْفِ مُضْطَرِبا
لا خَيْرَ في الشِّعْرِ إِنْ لَمْ يَغْدُ أُغْنِيَةً
لِلثّائِرينَ وَ(إِنْ لَمْ يَرْكَبِ الْغَضَبا)
حُروفُ شِعْري بِأَرْضِ الشّامِ قَدْ عَثَرَتْ
وَلَمْ يُقِلْها كَريمٌ يُكْبِرُ الْأُدَبا
أَنّى يُجاري قَصيدًا أَنْتَ سَيِّدُهُ
شِعْرٌ وَهذا زَمانٌ أَرْخَصَ الْأَدَبا
لا سَيْفُ دَوْلَتِكَ الْمَسلولُ في حَلَبٍ
وَلا لَنا أَنْجَبَتْ بَيْداؤنا نُجُبا
عادَ (الدُّمُسْتُقُ) وَالثّاراتُ تَدْفَعُهُ
لَمّا رَأى سَيْفَ أَعْرابِ الْخَنا خَشَبا
كَمْ مِنْ جُيوشٍ عَلى أَعْقابِها نَكَصَتْ
وَمَرَّغَتْ في وُحولِ النَّكْسَةِ الرُّتَبا
لكِنَّها حينَ هَبَّ الشَّعْبُ مُنْتَفِضًا
أَصْلَتْهُ نارًا غَدا في قَلْبِها حَطَبًا
كَمْ أَسْوَدِ الْفِعْلِ مَخْصِيٍّ نُسَوِّدُهُ
وَما عَرَفْنا لَهُ أَصْلًا وَلا نَسَبا
لا الْخَيْلُ، لا اللَّيْلُ، لا الْبَيْداءُ تَعْرِفُهُ
وَحَرَّقَ الشِّعْرَ، وَالْأَقْلامَ، وَالْكُتُبا
ما ثَمَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ في زَمَنٍ
مِعْراجُ أَحْمَدَ فيهِ باتَ مُسْتَلَبا
يا ياسَمينَ دِمَشْقَ الْحُزْنُ يَعْصِرُني
لا سُكَّرَ الْيَوْمَ إِنْ يَعْصِرْ فَمي الْقَصَبا
حَرْفي غَدا عَلْقَمًا وَالْغيدُ تَحْسَبُهُ
حُلْوًا وَفارقَ نايي الْعَزْفَ وَالطَّرَبا
أَلْحانُ شِعْري تَوارَتْ مِنْكَ في خَجَلٍ
وَالْحَرْفُ عَنْ قَلَمي مِنْ حُزْنِهِ احْتَجَبا
ماذا يَقولُ قَصيدي لِلَّتي جَمَعَتْ
أَشْلاءَ طِفْلٍ دِماهُ غَطَّتِ اللُّعَبا؟
ماذا أَقولُ لِشَيْخٍ ماتَ، مِنْ ظَمَأٍ
إِلى الَّذينَ قَضَوْا في السِّجْنِ، مُحْتَسِبا
تَفَطَّرَ الْقَلْبُ مِنْ حُزْنٍ وَمِنْ كَمَدٍ
عَلى الْحَرائِرِ لَمّا عِرْضُها اغْتُصِبا
فُكّي نِقابَكِ يا شَهْباءُ كَمْ وَجِلٍ
خُنْثى إِذا السَّيْفُ نادى أَهْلَهُ انْتَقَبا
لِيَرْحَمِ اللهُ قَوْمًا خَلْفُهُمْ هَمَلٌ
كانوا يُسَمَّوْنَ فيما قَدْ مَضى الْعَرَبا
يا أَهْلَنا في شَآمِ الْمَجْدِ لا تَهِنوا
لَيْسَ الْهَوانُ لِمَنْ حَقًّا لَهُ طَلَبا
إَنَّ الْهَوانَ لِمَنْ قَدْ أَيَّدوا سَفَهًا
مَنْ شَعْبَهُ وَرِياضَ الْفُلِّ قَدْ نَكَبا
ما جِئْتُ كَيْما أُواسيكُمْ فَجُرْحُكُمُ
جُرْحي وَيا فَخْرَ مَنْ لِلْحُرَّةِ انْتَسَبا
يا شامُ هذا يَراعي جاءَ مُعْتَذِرًا
وَحَسْبُهُ لَمْ يَكُنْ بوقًا وَلا نَعَبا
وَلا تَمَلَّقَ سُلْطانًا وَلا مَلِكًا
وَلَوْ حَباهُ عَلى أَشْعارِهِ الذَّهَبا
هُزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ الشِّعْرِ سَيِّدَتي
يَسّاقَطِ الْحَرْفُ مِنْ نَخْلِ الْوَفا رُطَبا
وَلا تُنادي سِوى الْجَبّارِ مِنْ أَحَدٍ
مَنْ خانَ غَزَّةَ أَنّى يَفْتَدي حَلَبا؟!
وسوم: العدد 699