إلى كل من يتحرك في قلبه ووجدانه هذا النداء الإلهي الخالد (تعالوا إلى كلمة سواء) أهدي هذه القصيدة عسى أن نلتقي عليه فنكون من الناجين.
هرمتُ ولمْ أزلْ غضَّ الإهابِ =وما أقسى الكهولةَ في الشبابِ!
هرمتُ ولي صحابٌ لا تبالي=بما عانيتُ... عُذْراً يا صحابي!
كأنّي قد خُلِقتُ لكلِّ همٍّ=وقد خُلقوا لأحلامٍ عِذابِ!
حملتُ همومَ قومي وهي كثْرٌ=وأصغرهنَّ أكبر من حسابي
فقدّامي... وخلفي ألفُ همٍّ=وعن جنبيَّ آلافُ الصِّعابِ
ومن فوقي أُحِسُّ الجوَّ يهمي=هموماً هنَّ أغزرُ من سحابِ
وتحتي! آهِ ما أقسى شُعوري=بحملي همَّ سكَّانِ الترابِ!
فأينَ أَفرُّ من همِّي.. ومن لي=وهل لي غيرُ صبري، واحتسابي؟
وما جدوى اصطباري والأماني=إذا وافتْ بدتْ مثلَ السرابِ؟
غريباً عشتُ في أهلي وصحبي=وجهلهمو أشدُّ من اغترابي
غريباً عشتُ إلا عن همومي=فهمِّي كانَ لي خيرَ الصِّحابِ
كأني وحديَ المسؤولُ عمّا=يعاني منه كلُّ أخي عذابِ
كأني عن مصائبِ من تولّوْا=أنا المعنيُّ وحدي بالمصابِ
فأمسي ليس لي منه نصيبٌ=سوى ما كانَ من خزيٍ وعابِ
وليس غدي المرجَّى غيرَ رعْبٍ=يطارد في دمي قبس ارتقابي
أحاسب عن أسى زيدٍ وعمروٍ=وليسا من ذويَّ، ولا صِحابي
وأدفع ديْنَ مَنْ مِنْ ألفِ عامٍ=قضى لمّا تغزَّل بالربابِ
وخادمُ جدِّه سرقتْ رغيفاً=فَسُدِّدَ ألفَ رطلٍ من حسابي
لماذا هكذا أحيا لماذا؟!=ويُسلِمني العجيبُ إلى العجابِ؟
لماذا هكذا أمشي برغمي=إلى عرسي على حدِّ الحرابِ؟!
وأَحملُ راغماً أعباءَ قومٍ=جِهارًا خالفوا كلَّ الصَّوابِ
لماذا وحدنا نحيا حيارى=نسيرُ من اضطرابٍ لاضطرابِ؟
لماذا؟ أو إلامَ نظلُّ نحيا=ضياعاً في التشعُّبِ، والشِّعابِ؟
ويطحنُ عمرَنا خُلْفٌ تقضَّى=ولم نحصدْ بهِ غيرَ الخرابِ!!
أسى الماضي لماذا ظلَّ شَهْداً=يسيلُ لذكرِهِ كلُّ اللعابِ؟!
لماذا وحدَها الأحقادُ كانت=وما زالت ألذَّ من الرضابِ؟!
علامَ نشمُّ نَتْنَ الأمسِ طيباً=وننسبُ كلَّ نتْنٍ للمَلابِ؟!
ونجترُّ السخيفَ من المعاني=ولا نُخزى من الحُجَجِ الرِّتابِ!
نُعطِّلُ عقلنا، ونظلُّ نشكو=بأنَّ الحظَّ ملعونٌ وكابِ
وأنَّ على السماءِ وليسَ إلاّ=عليها أن نُوفّق للصوابِ
تنابلةً ترانا في الزَّوايا=نفكِّرُ بالطعامِ وبالشَّرابِ
نُحرَّكُ حينَ لا يُجدي فتيلاً=تحرُّكنا... فنُهرعُ للإيابِ
وإن كانَ الإيابُ لنا مفيداً=ترانا عازمينَ على الذَّهـابِ
بصدرِ الأهلِ نُغْمِدُ كلَّ سيفٍ=ونمضي للمعارك بالقِـرابِ
ولم نأبهْ لمِا سيقالُ عنَّا=غداً من رأيِ أنجالٍ نِجابِ
سنبقى سُبَّةً أنَّى ذُكرنا=ونُلْعنُ لعْنَ مفتخرٍ بعابِ
وتلفظ ذكرَنا الأجيالُ لفظاً=كما المعسول يلفظُ طعمَ صابِ
أخي الإنسانُ هذا بعضُ همِّي =أتاكَ اليوم... لكنْ باقتضابِ
لماذا كلُّ هذا الهمِّ يحيا=بقلبي... ثمَّ يمعنُ في استلابي؟!
إذا هجعَ الأنامُ أعيشُ سهدي=ويأتيني الأسى من كلِّ بابِ
تُعطِّلُ كلَّ جارحةٍ همومي=وتمعنُ في أذايَ وفي انتهابي
ولي من قدرةِ الخلاَّقِ عزمٌ=وفكرٌ دونهُ وَقْدُ الشِّهابِ
ولكنْ قد تعطَّل كلُّ ما بي=لماذا لا أرى أدنى جوابِ؟!
فلا أنا قاتلٌ عمرًا بسيفي=ولا عثمانَ أردتهُ حِرابي
ولا جدِّي معاويةُ بنُ حرْبٍ=ولا لعليٍّ الأتقى انتسابي
ولم أكُ يومَ صفّينٍ، شهيداً=ولم أكُ قطُّ في النَّفرِ الغضابِ
ولا رضيتْ رَضاعَ الخلفِ نفسي=ولم يكُ من مآسيه احتلابي
ولم آمرْ بني العبَّاسِ أمراً=بهِ عمدوا إلى أعتى انقلابِ
وما أنا للشعوبيين صوتٌ=ولا بالفاطميِّ، ولا الجِنابي
ولم أُشَركْ، ولم أعملْ بحلفٍ=بهِ جنحوا لسلمٍ أو ضرابِ
ولا ضاعت خلافتنا برأيي=ولا وقَّعتُ صكًّا لانتدابِ
ولا سلَّمتُ للأعداءِ قُدسي=ولا ستَّرتُ شمساً بالضبابِ
ولم أكُ قطُّ في يومٍ عميلا=لشرْقٍ ضلَّ، أو غربٍ مرابي
ولا متعصِّباً يوماً لحزبٍ=ولم أكُ قَطُّ ذا ظفرٍ ونابِ
ولم أظلِمْ، ولم أقبلْ بظلمٍ=ولم أحْثُثْ لمخجلةٍ ركابي
فتحتُ لكلِّ إنسانٍ فؤادي=وما بدّلتُ في يومٍ إهابي
طرحتُ جميعَ أسباب التَّعادي=وأبقيتُ المودّةَ من رغابي
إلى ما قبلَ هذا الخلْفِ أرنو=وأنهلُ من مناهلِه العِذابِ
فذاكَ العهدُ ليسَ سواهُ عهدٌ=جديرٌ باتّباعٍ، وانتسابِ
فمنْ أنا حين يُذكرُ تابعيٌّ!=مَنِ العلماءِ إن يُذْكرْ صَحابي؟!
فهم أدنى إلى النَّبعِ المُصفَّى=ومنه قد سُقوا أصفى الشرابِ
وهم أدرى بما قد كانَ منهم=وهم أقوى على فهمِ الكتابِ
إذا كنَّا الشموعَ فهم شموسٌ=وضوء الشَّمعِ عندَ الشَّمسِ خابِ
وأدنى التابعين أراه أعلى=مقاماً من سؤالي، أو عتابي
فليس بنافعي شتْمُ "ابنِ أنثى"=وليسَ عليه يُجدِيه انتحابي
ولا هذا سينفعُني هواهُ=ولا ذيَّاكَ يحملُ بعضَ ما بي
ولست أسبُّهم، وأرى سفيهاً=يسبُّ الناسَ أوْلى بالسِّبابِ
ولست أعيبُ من سبقوا فهم لي=جذورٌ في تجذُّرها انتصابي
هم اجتهدوا وصاروا عند ربٍّ=عليمٍ ليس يجهلُ، أو يُحابي
وليس لغيرِ ربِّ العرشِ حكمٌ=بأمرِهِمو إلى يومِ الحسابِ
لهم أعمالُهم، ولكلِّ حرٍّ=أريبٍ أن يظلَّ على الصوابِ
خلافاتٌ مضتْ، ومضى ذووها=وصاروا تحتَ أطباقِ التُّرابِ
حسابي عنهمو طغيانُ طاغٍ=يحاكمني على لوْنِ الغرابِ
وكلُّ خصومةٍ فيهم أراها=حماقةَ جاهلٍ، وجنوحَ صابي
غباءٌ أن ينالَ الجذرَ فرعٌ=وإنكار الجذورِ من التَّغابي
على قدْرِ انغماسِ الجذرِ تعلو=وتخضرُّ الفروعُ بكلِّ غابِ
سوى أرضي التي كانت جِناناً=أحلناها إلى قفرٍ يبابِ
وإن تَعْرَ الجذورُ فكلُّ فرعٍ=تجدْهُ صارَ أجدرَ باحتطابِ
وإنَّ الجذر إن تتركْهَ يعمُقْ=ويُطلِعْ ألفَ فرعٍ للسحابِ
أخي عذراً إذا ما النفسُ فاضتْ=وجاءَ على جوانبِها انسكابي
سؤالاتٌ بها قد ضِقتُ ذرعاً=وطال بها احتباسي واحتسابي
لماذا الصدقُ قد أمسى غريباً=وليس يسرُّنا غيرُ الكذابِ؟!
لماذا أصبحَ الإيمانُ ذنباً=يقودَ المؤمنينَ إلى التَّبابِ؟!
نصاحِبُ كلَّ ذي حِقدٍ دفينٍ=ونستعدي الوفيَّ من الصِّحابِ
ونسترعي لنعجتنا ذئاباً=لنشجبَ عالياً غدرَ الذئابِ
ونقتلَ خيلَنا في اللَّهوِ قتلاً=ونسرجُ في الوغى ظهرَ الكلابِ
ونقبلُ كلَّ ما يأتي إلَينا=وإن يكُ فيه إذلالُ الرِّقابِ
ونُعفي نفسَنا من كلِّ سعيٍ=ونَقْنَعُ بالطعامِ وبالثيابِ
ولا ممّا نسجناهُ لِبسنا=ولا بزروعِنا ازدهتِ الرَّوابي
ونشربُّ ألفَ لونٍ من شرابٍ=ومن معصورِنا خَلَت الخوابي
بأيدينـا هدمنـا كلَّ قصرٍ=ورثناهُ... لنحيا في الخرابِ
لماذا يا بني قومي لماذا؟!=نُصِرُّ على معاداةِ الصوابِ!
لماذا لعنةُ التاريخِ كانت=وما زالت علينا في انصبابِ؟!
لماذا لا نُري الأجيالَ أنّا=لنا عقلٌ على الأحقادِ رابِ؟!
وأنّا قد تجاوزنا أسانـا=وعِشنا في نعيمِ الاقتِرابِ؟!
وأرسينـا السفينةَ في أمانٍ=ولم نحْفِل بتصْحابِ العبابِ؟!
رفضنا عبرةَ التاريخ رفضاً=وكنّا عن هُداهـا في غيابِ
كتبنا ألف سِفرٍ عن أسانـا=ولم نعِ نصْفَ سطرٍ من كتابِ
فكنّا لعنةَ الدنيا وأخزى=بَنيها... والمزيدُ على الحسابِ
برئتُ إليكَ يا ربَّاه ممّا=أثارَ شجونَ نفسي وارتيابي
برئتُ إليكَ من أعمالِ قومي=وما هُمْ فيهِ من خُلفٍ وعابِ
وحسبي أنَّني ما كنتُ يوماً=أُقِرُّ بما أراهُ، ولا أحابي
وأني ما رضيتُ سوى التسامي=ولا أرسلتُ من حقدٍ عتابي
حمَلتُ همومَ قومي مطمئناً=ولمْ آبَهْ لآلافِ الصِّعابِ
وأغربُ من عذابي أنَّ نفسي=ترى كلَّ السعادة في عذابي
أليسَ عذابُها في حبِّ قومي=ألذَّ إليَّ من رشْفِ الرضابِ؟!
حملتُ همومَهم... ونسيتُ همّي=وما حمَّلتُ قومي بعضَ ما بي
ولم أطلبْ، ولستُ اليومَ أرجو=لما عانيْتُه أدنى ثوابِ
مُنايَ بأن نعيش بكلِّ حبٍّ=وإخلاصي لِما أرجوه دابي
يرودُ جميعُنا النبعَ المصفَّى=فتصفو النَّفـسُ كالتِّبر المذابِ
ونطرحُ كلَّ شائبةٍ بعيداً=وأيُّ الخيرِ في العَكِرِ "المشابِ"؟!
عسانا ننقذُ الدُّنيـا، ونمضي=بها من ضيقِهـا نحوَ الرِّحابِ!
أُنادي كلَّ إنسانٍ لنهجي=عسانا نلتقي عند اللّبابِ!!
دعوتُ وكنتُ مبتدئاً بنفسي=وإن أكُ بعدُ لمْ أبلغْ نصابي
فلستُ لغيرِ من صدقوا حفيداً=وليس لغيرِ من صلحوا انتسابي
ولستُ بقانعٍ أبداً بدينٍ=يكون به التفرُّق والتَّصابي
أحبُّ جميعَ من صدقوا، وضحُّوا=وعاشوا مؤمنينَ بلا ارتيابِ
فهم أهلي، وهم سندي، وذُخري=وعزَّتهـم وإن بَعُدوا طِلابي
أخي الإنسان عذراً من بيانٍ=بهِ حاولتُ زحزحةَ النِّقابِ
تركتُ لريشتي التعبيرَ عمَّا=أُحسُّ... فجاءَ من قلبي خطابي
وجئتُ مسائلاً قومي لماذا=عسى بـ (لماذتي) هتكُ الحجابِ!
لماذا؟! لا تقُلْ أبداً لماذا=فأخشى أن تظلَّ بلا جوابِ!
لماذا؟! آهِ لو ندري لماذا=وماذا لو غدتْ عودَ الثِّقابِ؟!
لماذا يا أخي الإنسانْ قُل لي=فَقَدنا كلَّ حسٍّ بالمصابِ؟!
لماذا نفسُنا عشِقت أساها=وصارَ القلبُ كالصمِّ الصِّلابِ؟!
لأنّا قد رفضنا الدِّينَ نهجاً=غَدَونا أذؤباً تحيا بغابِ
ويلقى من أخيه الذئبُ عطفاً=وليسَ بقلبِنا عطفُ الذئابِ
لماذا؟ ألفُ ألفٍ من لماذا=وأدناهُنَّ تفتح ألفَ بابِ
برئتُ إليكَ يا ربّاهُ منها=وممّا قد أضعتُ به شبابي
وجئتُ إليك معتذراً منيباً=فَجُدْ لي يا إلهي بالمتابِ
وردَّ القوم ربّي لاتحادٍ=على التوحيدِ مرفوعَ الجنابِ
ويا ربّاه... يا رحمنُ كُنْ لي=بحقِّك غافراً يومَ الحسابِ