كتاب هيمنة القرآن الكريم على الكتب السابقة
المؤلف دكتور ياسر عبد الحسيب رضوان
يقع الكتاب في أربع عشرة ومائتيْ صفحة من القطع المتوسط ، وهو كتاب ينتمي إلى علم مقارنات الأديان ، متخذا من موقف بعض المفكرين من القرآن الكريم محورًا يدير حوله موضوع كتابه ، بدءًا من المقدمة التي يقول فيها : تعددت المحاور الفكرية التي اتخذها بعض المفكرين مداخل لمواجهة القرآن الكريم ، ولن نسرد هذه المحاور ، وإنما يكفينا أن نحيل القارئ الكريم على كتابَيْ : البرهان في علوم القرآن للإمام الزركشي ، والإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي حيث مثلت كل فصولهما ومباحثهما ، بل وما فيهما من فِكَر جزئية محاور المواجهة مع النص القرآني الكريم ، ولا يخفى على كل ذي عقل سرُّ هذه المواجهة التي تريد النَّيْلَ من القرآن الكريم بكل ما أُوتيتْ من حِيَلٍ وفكرٍ خبيث وبراهين واهية واهنة وهن بيوت العنكبوت ، ومع ذلك فإن القرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي لا يخلق عن كثرة الرد ، ومن ثمة كانت هذه المواجهات صورة من صور حفظ الله تعالى للقرآن الكريم ، وذلك قوله عزّ وجلَّ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[ الحِجْرِ 9] لأن علماء المسلمين لم يقفوا مكمومي الأفواه أمام هذه المواجهات الفكرية ، وإنما راحوا يدافعون وينافحون عن القرآن الكريم ـ كلٌّ على قدر توفيق الله عز وجل له ـ وعليه يكون حفظهم للقرآن الكريم وفقههم ما جاء فيه ، وانتباهتهم لما يُحاك حوله من مكائد ومؤامرات لا تزيده إلا قوة وثباتًا ومُكْنة 0
ومن بين هذه المواجهات ما يتعلق بهيمنة القرآن الكريم على الكُتُب السماوية السابقة ، هذه الهيمنة التي رآها البعض من المفكرين سيطرة وإزاحة للكتب السماوية السابقة ، ووقفًا للعمل بما جاء فيها من التشريعات وغيرها ، والإزاحة والوقف تُتَّخذ مداخل للطعن في القرآن الكريم وفي الكتب التي أنزلها الله تعالى قبل أن يصيبها التحريف وكأن لسان حال أولئك يقول : إذا كانت الكتب السابقة غير صالحة حتى ينزل القرآن فلماذا أُنزلتْ ؟! ولماذا كانت الهيمنة ؟ أهي في الكتاب نفسه ، أم في الكتب السابقة ؟ 0
وقد المؤلف بالبحث عن أسباب هيمنة القرآن الكريم على الكتب السماوية السابقة متخذًا من المداخل : اللغوية والسياقية والموضوعية التطبيقية وسائل حاول من خلالها الكشف عن حقيقة هذه الهيمنة ووجودها وجدارة القرآن الكريم بها 0
فالمدخل اللغوي يبحث في مفهوم الهيمنة اللغوي ، والدلالات المرتبطة بالجذر الثلاثي همن والزيادة اللغوية التي تستدعي زيادة المعنى اتكاءً على القاعدة اللغوية المرتبطة بالعلاقة الطردية بين المبنى والمعنى ، وتعلق كل الدلالات المرتبطة بالدالة هيمن بدلالة العلوّ ، وما يستدعيه من الائتمان والرقابة والسيطرة ، ومن خلال هذا المدخل اللغوي عرض المؤلف لبعض المطاعن التي أعدها الطاعنون على القرآن الكريم بسبب آية الهيمنة التي نص عليها القرآن الكريم 0
وفي المدخل السياقي قام المؤلف بالبحث عن السياقات المؤكدة للهيمنة القرآنية على الكتب السماوية السابقة ، ومن ثمة ، فقد عرض فيه للسياقات التي وردت فيها آية الهيمنة ، وإلى جانب ذلك تطرق إلى الهيمنة التشريعية ، حيث عرض لموضوع الزواج وخاصة زواج المسلمة بغير المسلم ، كما تطرق إلى الهيمنة الموضوعية ، حيث عرض لبعض القضايا المثارة في سياقات مقارنات الأديان مثل عموم الرسالة القرآنية ، وعدم حصرها في الأمة العربية والبيئة التي نزل فيها القرآن الكريم ، ومثل القصاص وتشريعاته الإسلامية مقارنة بالتشريعات الكتابية من خلال نصوص الكتب المقدسة ، ومثل الحديث عن الزنا باعتباره جريمة في حق النفس والمجتمع والمعتقد ، وعرض المؤلف موقف القرآن الكريم من الزن وكيف عالجه بنظرة شمولية لم تعرفها الكتب السابقة .
كما تحدث المؤلف عن الموقف من الأنبياء السابقين ، وكيف كانت نظرة الكتاب المقدس بعهديْه : القديم والجديد لبعض الأنبياء من مثل سيدنا إبراهيم ولوط وداود عليهم السلام ، وقد اختارهم المؤلف ليعرض تلك المعالجة غير الموضوعية والبعيدة تمام الابتعاد عن الإنصاف لأمثال هؤلاء الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى لإبلاغ رسالته إلى أقوامهم ، في حين كانت المعالجة القرآنية المنصفة لهؤلاء الأنبياء عليهم السلام ، إنصافًا يتواءم والنظرة العقلية الخالصة ، تلك التي لا تتوسل بالعاطفة الدينية التي يراها المؤلف أصيلة في أمر المقارنات الدينية .
وأخيرًا عرض المؤلف للهيمنة الفنية من خلال استدعاء المقارنة بين قصة يوسف عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم والكتب السماوية السابقة ، وقد عالج في سياق الهيمنة الفنية بنية الحبكة الفنية ، وبنية الشخصية حيث تحدث عن يوسف عليه السلام وامرأة العزيز وشخصية يعقوب عليه السلام ، ثم أبنائه إخوة يوسف عليه السلام ، ثم عرض لبنية الزمان والمكان في مقارنة موضوعية خالصة بين التناول القرآني ، وتناول التوراة والإنجيل لتلك البنى الفنية.
وسوم: العدد 834