طلال بن أديبة وتوفيق، للكاتبة أريج يونس: حين رأى الإنسان طريقه
لعل قصته أكثر بلاغة من الكلمات فعلاً!
بداية قطف حبة البرتقال في أعلى الشجرة، وفرح أبيه به وتشجيعه له، وتنبؤه بمستقبل مشرق له، ثم ليتذكر الراوي تلك الحادثة، كأننا إزاء دائرة أدبية زمنيا، تربط أول الزمان بزمان تحقق النبوءة، وهكذا صار له «شأن عظيم» كما تنبأ والده توفيق ابو غزالة.
باستخدام ضمير المتكلم للشخصية نفسها، اختارت الكاتبة أريج يونس حياة أسلوب أن تتحدث الشخصية عن نفسها، وعن الاسرة وطموحها، وما مرّ من رحيل عن الوطن، عن يافا الحبيبة، وكيف حملت الأسرة ما تيسر حمله، في حين: «أما أنا فحملت كنزي؛ حجة الأرض التي اعطاني إياها ابي»، بما تعنيه العبارة من دلالات وعي طفل، لما يكون.
من وصف مشاعر الفراق، إلى وصف السارد مرحلة اللجوء الى لبنان، ووصف حنان الاشقاء في لبنان. خلال ذلك استذكر اهتمام أمه ووعيها المبكر على العلم، كمفتاح بقاء تمهيدا للعودة، ولعل تلك رسالة مهمة تلخص ربما ما فهمته الكاتبة من حياة طلال ابو غزالة، بأن التنمية تقوي حلم العودة.
يصف السارد، بلغة طفولية تناسب الأطفال، بعض الأحداث المهمة في حياته طفلا وفتى، مثل العمل في السوق قبل شروق الشمس، ثم التوجه للمدرسة، والعمل في محل بيع الاسطوانات، بما استفادا ماديا منه، وما استفاد جماليا ما هو أهم، وهو التذوق الموسيقي، وصولا للتفوق في الثانوية العامة والحصول على منحة للدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، وما اختار للحديث عنه من مواقف ابداعية وإنسانية خصوصا تجميع حبات الفاكهة التي كانت تقدم لهم، ليفرح بها أفراد أسرته.
قدمت القصة الطفل والفتى بل والشاب طلال ابو غزالة كمتصالح مع نفسه وواقعه، في ظل التحلي بالناحية العملية، والتمسك بالطموح، مثال ذلك مبادرة الالتحاق بمدرسة ثانوية، حينما عرض على المدير وعده بالتفوق.
جميل ما ورد من مواقف شعورية، فهي تناسب الأطفال وتزرع فيهم القيم والأمل، والإنسانية، كقصة حبات البرتقال، وحادثة ضحك الأطفال عليه وهو يدخل الصف مبللا، وكيف غير زميله الضحك الى تصفيق واحترام، حينما أخبرهم بأن زميلهم المبلل يسير وقتا طويلا تحت المطر حتى يصل المدرسة. وحينما يشكر زميله، يجيبه بعمق:» ما قلته أنا شيء عادي، بينما الذي تفعله أنت غير عادي». لذلك فإن إيراد حادثة حنانه على أحد الأطفال وتضامنه الإنساني معه يعكس نبل الشخصية وهي ما زالت في مرحلة التكوين.
كذلك تظهر قيمة الوفاء للأردن، والتمسك بفلسطين: «عمان كم احبك، فلسطين كم اتوق لرؤيتك»
لذلك، كان من الطبيعي أن يوجه طلال ابو غزالة رسالة للأطفال والفتيان رسالة باعتبارهم قادة الغد، مذكرهم بأنه أيضا كان طفلا مثلهم، تعرض لظروف، لكن لم تهزمه، لخص استخلاصه من الحياة بالتمسك بالأحلام والإرادة.
«نحن من منحناكم حاضرنا..وننتظر منكم أن تمنحونا مستقبلنا». عبارة لطلال أبو غزالة غنية بقيم وفلسفة عميقة وأمل، فكما منح جيله، جيل النكبة، مقومات البقاء، فإنه يأمل من الأجيال الجديدة أن تكون وفية، بإنجاز مشروعنا الوطني في المستقبل.
أما رسومات القصة، فهي للفنان احسان حلمي، التي عبرت عن الأحداث ببساطة وصدق، فكانت سيناريو بصريا جميلا، يعمّق لدى الأطفال الحالة الإنسانية، حيث وضعتهم/ن في سياق حياتهم، يرون أنفسهم فيها ومنها.
إن إنجاز هذه القصة أمر مهم، في الإضاءة على هذه الشخصية وما تحمله من قيم ودلالات وطنية وعربية وإنسانية، ونحن نثمّن فعلا استلهام قصص النجاح، لبث الأمل في حياة الأطفال العرب، في زمن كثر اللجوء واللاجئون فيه، ولم يقتصر ذلك على أبناء وبنات فلسطين.
وقد كنا نطمح إلى تضمين القصة لوحات أخرى من حياة طلال ابو غزالة، والتركيز على الطفولة أكثر، ومنحها المساحة الأكثر، والمرور بسرعة في وصف ما بعد التخرج، بسبب موضوعي وهو أن الأطفال سيهتمون بسياقات حياة الطفل طلال، «طلول» كما اعتادت أمه تدليله.
ثمة ما يمكن أن يضاف من قصص، بل وكتب من منظور متعدد، لإيفاء هذه الشخصية الفلسطينية والعربية والدولية حقها؛ فيمكن مثلا عمل قصة للفتيان، يتم فيها صياغة لوحات أخرى من حياته، بما تمثله من جوانب إنسانية.
اقتباسات بداية الفصول:
أمل روبرت ليجتون، وحنين محمود درويش بذاكرته، وتعلم أفلاطون، ومحبة إبراهيم الفقي وتسامحه، وإرادة المثل البرازيلي، والمثابرة والتجربة والحذر والرجاء لجوزيف أديسون، وسواعد المثل الاسكتلندي واجتماع قلوبه، و»من جد وجد» المثل العربي، وانتماء جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وهوية أمين معلوف؛ لنتأمل بهذه الاقتباسات التي افتتحت بها الكاتبة فصول قصتها:
«الزهرة التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المليء بالغيوم» روبرت ليجتون.
«وما قتلوك في قلبي، اريدك أن تعيد تكوين تلقائيتي..يا ايها الوجه البعيد» محمود درويش».
إن الاتجاه الذي يبدأ مع التعلم سوف يكون من شأنه أن يحدد حياة المرء في المستقبل» أفلاطون.
لن تستطيع أن تعطي بدون الحب، ولن تستطيع أن تحب بدون التسامح» ابراهيم الفقي.
«الإرادة الجيدة تقصّر المسافة» مثل برازيلي.
«إذا أردت أن تنجح في حياتك فاجعل المثابرة صديقك الحميم والتجربة مستشارك الحكيم، والحذر أخاك الأكبر، والرجاء عبقريتك الحارسة» جوزيف أديسون.
اجتماع السواعد يبني الوطن واجتماع القلوب يخفف المحن» مثل اسكتلندي.
«من جد وجد» مثل عربي.
«الأردني هو الذي لا يقبل بالفشل بل يتحدى المستحيل وينتصر عليه، المواطنة والانتماء هي ما نقدمه لهذا الوطن، وليس ما نأخذه منه» الملك عبدالله الثاني بن الحسين.
«الهوية لا تتجزأ أبداً، ولا تتوزع أنصافاً أو أثلاثاً أو مناطق منفصلة» أمين معلوف.
إن التأمل في هذه الاقتباسات العميقة، يساهم في التعرّف على هذه الشخصية الفريدة، ذلك أنها، جميعاً، إنما تشكل خلفية إنسانية فكرية لحياة طلال أبو غزالة.
وسوم: العدد 851