غطفان ونجران وأهمية التجارة من خلال كتاب نور اليقين 15
غزوة غطفان، ومكاسب الخروج للعدو:
قال الكاتب: "بلغ رسول الله أن بني ثعلبة من غطفان تجمعوا برئاسة رئيس منهم اسمه دعثور يريدون الغارة على المدينة... فخرج إليهم من المدينة... وخلف على المدينة عثمان بن عفان". 131
أقول: من نتائج انتصار المسلمين في غزوة بدر: الخروج إلى العدو، ومواجهته خارج الديار. فإنّ ذلك يثير الرعب في العدو، ويقلّل الخسائر إلى الحدّ الأدنى، ونتائجه كبيرة عظيم.
ويكفي للتدليل على ذلك قول الكاتب: "ولما سمعوا بسير رسول الله هربوا إلى رؤوس الجبال" 131.
أقول: وهذا بحدّ ذاته نصر عظيم، خاصّة إذا علمنا أنّ المسلمين لم يخسروا شيئا، مقابل النتائج العظيمة التي تحصّلوا عليها.
وبعدما عفا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قائدهم الذي سعى لمحاولة قتله، أسلم القائد وأسلمت قبيلته.
أقول: وهذه النتائج العظيمة، تعتبر من ثمرات خروج المسلمين لمقابلة العدو خارج الديار، ومنها عفو سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على القائد، لكنّه عفو المقتدر. وحين يكون العفو من عوامل الزجر والرّدع، والحفاظ على أمن وسلامة استقرار الدولة والمجتمع.
غزوة نجران، والعفو عند المقدرة:
قال الكاتب: "بلغ عليه السّلام أنّ جمعا من بني سليم يريدون الغارة على المدينة، فسار إليهم، وخلف على المدينة ابن أم مكتوم. ولما وصل إلى نجران تفرقوا ولم يلق كيدا فرجع". 132
أقول: نفس الخطّة النّاجحة التي اتّبعها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع غطفان، طبّقها بالحرف مع نجران. ونفس المقدّمات والنتائج.
أضيف: خلف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المدينة، سيّدنا ابن أم مكتوم رحمة الله ورضوان الله عليه، وهو رجل أعمى. ومازال القارىء المتتبّع يبحث عن الحكمة من وضع أعمى خلفا للقائد الأعلى، لرعاية شؤون الدولة والمجتمع في غيابه.
سرية الاستيلاء على القافلة التجارية لقريش:
قال الكاتب: "لما تيقنت قريش أنّ طريق الشام من جهة المدينة أغلق في وجه تجارتهم ولا يمكنهم الصبر عنها لأنّ بها حياتهم أرسلوا عيرا إلى الشام من طريق العراق... فأرسل رسول الله زيد بن حارثة في مائة راكب يترقبونهم... فسارت السرية حتى لقيت العير ... فأخذت العير وما فيها، وقد خمس الرسول عليه السّلام هذه حينما وصلت له". 133
أقول: مازالت قريش تسعى، وعبر كبار قادتها في مجال التجارة، لضمان وصول قوافلها التجارية سالمة آمنة، حتّى أنّها استبدلت طريق الشام الذي يمرّ على المدينة، والمهدّد من طرف جيش المسلمين، بطريق العراق الذي أصبح بدوره مهدّدا من طرف المسلمين. وفي الوقت نفسه، مازال جيش المسلمين يطارد قوافل قريش، للاستيلاء على قوافلها التجارية، حتّى نجحوا في هذه السرية. مايدل أنّ قوّة المسلمين في تصاعد، وثقتهم في محاولاتهم التي سبقت غزوة بدر مازالت قائمة كما كانت، وبنفس الإصرار، والعزيمة والثّبات، وقوّة قريش في تراجع، ومحاولاتهم للفرار بالقوافل بدأت تفشل.
مازال سيّدنا أبو سفيان، رحمة الله ورضوان الله عليه، يقود قوافل قريش، وهو سيّد مكة حينئذ، وبعد غزوة بدر التي شهدت موت الكثير من قادة قريش. ويفهم من هذا أنّه لم يغيّر وظيفته السّامية المتمثّلة في قيادة ورعاية القواففل التجارية، رغم أنّه سيّد قريش. وقريش لم تستبدل راعي قوافلها بآخر، لحرصها على نفس القائد، ولأهمية القوافل التجارية بالنسبة لها، ولحاضرها ومستقبلها.
ومازال المسلمون، يسعون للسطو على قوافل قريش، لأهميتها في حاضرهم ومستقبلهم. وكلا من المسلمين وقريش، يدركان جيّدا أهمية القوافل التجارية، ولذلك اختارت لها قريش نفس القائد صاحب الخبرة والتجربة والدهاء وهو أبو سفيان، وظلّ المسلمون على طريقتهم من حيث السعي الدائم للسيطرة على قوافل قريش.
وسوم: العدد 1004