التفاوض والحلقة المفقودة
التفاوض والحلقة المفقودة
تقر معظم قوى المعارضة بأن المخرج مما آلت إليه الأوضاع في سوريا يكمن في إطلاق عملية سياسية، عملية تهدف إلى تأمين مرحلة انتقالية للسلطة، وتجنب البلاد والعباد المزيد من الدمار، خاصة مع استمرار حالة توازن الضعف في الميدان، وغياب أية مؤشرات جدية لانتصار عسكري حاسم لقوى الثورة، لكن الحلقة المفقودة لدى المعارضة هي شكل التفاوض، ومع من سيكون؟.
المعارضة في جميع بياناتها تقول بأن التفاوض يجب أن يكون مع رجال من النظام لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، وهو أمر في علم الأخلاق يعني أن المعارضة ترفض خيانة الثورة، ودماء الشهداء، وعذابات المعتقلين والمهجرين، لكن في فقه السياسة فإن هذا الكلام لا يعني سوى عدم التفاوض، فمن لم تتلطخ أيديهم من النظام بدماء السوريين ليسوا في مواقع القرار، والمشكلة ليست معهم، وإنما مع الذين تلطخت أيديهم بالدماء، ويرفضون ترك السلطة، وفتح الباب أمام زمن سوري جديد، زمن يحدد ملامحه السوريون وفقاً لآليات السياسة والتشارك في صنع القرار.
إذاً، المعارضة ما زالت غير قادرة على إحداث تغيير جوهري في خطابها، وقبل ذلك في تفكيرها السياسي، والانتقال من موقع الشعار إلى موقع المبادرة.
لكن وراء الحلقة المفقودة لدى المعارضة هناك الكثير من التفاصيل، والكثير من المعطيات الواقعية، وفي مقدمتها أن المعارضة لم تستطع واقعياً فرض واقع التفاوض، والذي يحتاج بداية إلى مشروع سياسي واضح المعالم، وهو ما لم يتوافر حتى اللحظة، وقد بقي الارتجال سيد الموقف لدى معظم الأطراف.
إن نقد المعارضة، وفكرها، وعدم إدراكها أن التفاوض في نهاية المطاف هو تفاوض بين أطراف قادرة على تنفيذ شروط التفاوض، ليس من باب وضع اللوم على المعارضة وفقط، وإنما من أجل قرع الجرس لمخاطر استمرار حالة غياب المشروع السياسي لقوى المعارضة، وتشرذمها، وعدم التصاقها الجدي بهموم الشعب، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى عواقب أسوأ مما تشهده سوريا اليوم.
لقد انتهى النظام تاريخياً، ولم يعد قادراً على إعادة إنتاج منظومته مهما فعل، لكن تأمين بيئة الانتقال السياسي السريع سوف يخفف من ارتفاع أسهم الاحتمالات الأسوأ في سوريا، ونعني وصول السوريين إلى التقسيم، وهو تقسيم موجود اليوم بشكل من الأشكال، لكنه قد يترسخ بفعل استمرار توازن الضعف، وغياب الإرادة الإقليمية والدولية لكسر توازن الضعف لمصلحة الثورة.