أمتي في العالم
بدر محمد بدر
الكتاب: أمتي في العالم
المؤلف: مجموعة باحثين
الناشر: مكتبة الشروق الدولية، القاهرة
عدد الصفحات: 840
الطبعة: الأولى 2013
يناقش التقرير الإستراتيجي "أمتي في العالم", الذي يصدره مركز الحضارة للدراسات السياسية بالقاهرة، في عدده الحادي عشر الذي صدر قبل أيام، أبعاد وتداعيات الثورة المصرية، ومدى علاقتها بالتغيير الحضاري والمجتمعي، من خلال دراسة عدد من قضايا المرحلة الانتقالية، وعلاقتها بعملية بناء الدولة.
ويحلل أكثر من خمسين باحثًا وخبيرًا ـ شاركوا في إعداد هذا التقرير ـ تداعيات مرحلة ما بعد الثورة، من خلال محورين أساسيين، الأول: عالم الأحداث والمؤسسات وقضايا المرحلة الانتقالية، والثاني عالم الأفكار وبناء الدولة.
"مرحلة التصنيع"
وفي مقدمة التقرير يشير المؤرخ المعروف المستشار طارق البشري إلى أن الثورة المصرية لا تزال في "مرحلة التصنيع" حتى الآن، ولم تستطع النخبة الثقافية أن تبلور الخطوط العامة لمشروع النهوض في المستقبل، وهذا موضوع يجب النظر في أسبابه وكيفية تداركه "لأن ما نحدده الآن من أسس لبناء بلدنا، هو ما سوف يؤثر في واقعه لسنين طويلة، لأن الثورات لا تحدث كل يوم".
ويؤكد البشري أن المطلوب الآن هو البحث عن السياسات، التي يتعين اتباعها وتنفيذها، للخروج بمصر من هذا الانهيار الذي حدث على مدى الأربعين عامًا الأخيرة.
ولعل من المسائل الملحة في السياسات المصرية الآن كيفية تحرير الإرادة الوطنية من الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية، لترى الصالح العام الوطني وحده، في شئون السياسات الداخلية والخارجية, وهذا ما يتعين أن يتأتى بوصفه مضمونا للحراك الديمقراطي الذي تفتقت عنه الثورة، لمراعاة ما يسد حاجات المجتمع المصري في نهوضه الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك إعادة الترابط والتماسك لأجهزة الدولة، كي تكون قادرة على إدارة الشأن المصري في الدولة والمجتمع.
المرحلة الانتقالية
ويناقش عالم الأحداث والمؤسسات وقضايا المرحلة الانتقالية، ومنها بحث عن: "الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية" وآخر عن "الأحزاب والثورة المصرية" وثالث عن "الجماعات الإسلامية والثورة"، حيث أشارت هذه الأبحاث إلى صعود القوى الإسلامية، وتأكيد قدرتها على كسب الشارع المصري، ومن ثم أنها ستكون أكثر الرابحين من حالة التحرر والانتقال الديمقراطي التي أحدثتها الثورة.
هذه الحقيقة التي استشعرها الجميع منذ 11 فبراير/ شباط 2011، وهو تاريخ نجاح الثورة في إسقاط النظام القائم، استنفرت القوى غير الإسلامية والمعادية للإسلاميين منذ ذلك الحين، لمحاولة الحيلولة دون وصولهم لسدة الحكم، سواء بالتشهير والصراع الإعلامي، أو محاولة وضع إطار قانوني وسياسي (الدستور أولاً)، يحاصر إمكانية تحقيق الإسلاميين أغلبية في مؤسسات الحكم أو محاولة تأجيل الانتخابات، إلى حين تستكمل الأحزاب والقوى الجديدة استعدادتها.
وعبرت الانتخابات التشريعية بدرجة ما عن قوة الإسلاميين السياسية، حين حصدوا أكثر من 75% من مقاعد البرلمان في ظل تنافس وتعدد هذه التيارات، وكشفت الانتخابات أيضًا عن معالم السلوك التصويتي للمصريين، وعن دور كل من الإعلام والثورة المضادة وفلول الحزب الوطني، واستفحال الصدع الإسلامي العلماني وتحكمه بالساحة, لكي يأتي برلمان محاط بإحباطات الثورة، إضافة إلى ضجة تشويه وتشويش لا سابقة لها.
فاعلية التنظيم
وانتهى بحث عن "الحملات الانتخابية الرئاسية ومستقبل مصر السياسي" إلى مجموعة من النتائج أهمها: أن التنظيمات كانت الأكثر فاعلية على الأرض، واستطاعت أن تنال في النهاية بغيتها، وهي هنا "جماعة الإخوان المسلمين" التي استطاعت أن تبذل كل جهودها، حتى فاز مرشحها الدكتور محمد مرسي بمقعد الرئاسة.
كما أظهرت الأيام الأولى من حكم الرئيس الجديد تحولاً نوعيًا في سياسة مصر الخارجية، بالتوجه نحو الصين وأفريقيا عمومًا، ودول حوض النيل بوجه خاص، وانفتاحًا جزئيًا على القضية الفلسطينية بشكل متوازن، وربما أكثر ميلاً نحو حركة "حماس".
ويشير البحث إلى أن التغير على الصعيد الداخلي بدا أكثر صعوبة من الصعيد الخارجي، إذ جاء تشكيل الحكومة مشتملاً على ممثلين للنظام الفاسد القديم، ليعصف بكثير من الطموحات التي علقها الملايين من الناخبين على الرئيس الجديد، في إجراء تغييرات جذرية في بنية الدولة المصرية.
ويشير بحث عن "الإعلام والثورة.. الاتجاهات والخطاب" إلى افتقار الإعلام المصري بكل أنواعه؛ مقروءًا ومسموعًا ومرئيًا إلى الاستقلال وإن بدرجات مختلفة، فهو عرضه للانتهاك والتدخل في مضمونه، وبعبارة أكثر وضوحًا: لا توجد سياسات تحريرية مكتوبة ومعلنة للجميع وملزمة لهم، ما يجعل المضمون الإعلامي أبعد ما يكون عن الاستقلال عن الأهواء والميول والاتجاهات ذات الصلة، بالدولة أو بالأحزاب أو برجال الأعمال أو بالمحررين أنفسهم.
ويتناول البحث كذلك ظهور عدد كبير ومفاجئ من الفضائيات، دون أن يتسلح القائمون عليها بالحد الأدني من مهارات العمل الإعلامي، ما جعل الأداء يفتقر إلى المهنية، ناهيك عن ارتباط هؤلاء جميعًا بقوى سياسية، بعضها قديم يدافع عن مصالحة في دعم الثورة المضادة، بعد أن هربوا من مواقعهم في "ماسبيرو" تحت ضغط الثوار، أو قوى جديدة تبحث لها عن موطئ قدم في صراع السلطة الجديدة، وبعضها الثالث يدعم القوى الإسلامية بكل تياراتها.
إستراتيجية جديدة
وفي بحث عن "القوى الغربية والثورة المصرية: محورية الفاعل الأميركي" يقول الباحث إنه على الرغم من حالة الارتباك الأميركي تجاه الثورات العربية, إلا أن الأزمة كشفت عن تغيرات في السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية، لصالح إستراتيجية جديدة تقوم على دعم عملية تحول ديمقراطي، تسعى من خلالها الولايات المتحدة إلى حفظ الترتيبات الأمنية الإقليمية القائمة أساسًا لا يمكن الخروج عنه، مع ترك الشئون الداخلية للتفاعل، والسعي لضبط مسارات هذا التفاعل، لكي لا ينتج عنه وصول نخب معادية للولايات المتحدة إلى السلطة.
ويضيف الباحث أن البعض يرى بأن التعامل مع الحركات الإسلامية، بوصفها طرفًا أساسًا في المجتعات العربية، سيكون أحد مكونات الإستراتيجية الأميركية في المرحلة المقبلة، كتكريس للتحول من سياسة المواجهة إلى سياسة الاحتواء، مع وجود تقدير عام أن إطلاق حرية الحركة والتفاعل لهذه الحركات مع القوى السياسية الأخرى في المجتمع، سوف يؤثر بلا شك على خطابها ومضمون أطروحاتها السياسية، عبر اضطرارها لتقديم حلول واقعية لمشكلات مجتمعها.
ويرى بحث عن "السعودية والخليج: نحو تحالفات وأدوات جديدة في إدارة المنطقة" أن التغير الذي طرأ على المشهد العربي، وعلى علاقات مصر بدول الخليج بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، يكشف عن احتمالات تزايد نفوذ دول الخليج في النظام العربي، بالتوازي مع تصاعد فرص الدور التركي بعد الثورات العربية، وبروز مؤشرات متعددة تؤكد احتمال تراجع الدور الإيراني في المنطقة، واحتمال تحسن أوضاع دول الثورات العربية ومكانتها إستراتيجيًا وعلى المدى البعيد, عبر عملية تدريجية ومخاض يتسم بالصعوبة، أو المراوحة في المكان أحيانًا.
ومع أن الواقع العربي الجديد يحمل كثيرًا من الملامح الإيجابية التي تدعو للتفاؤل بمستقبل الأمة العربية الإسلامية، إلا أنه يجب أيضًا التحذير من سلبيات، تطل برأسها من آن لآخر، في محاولة لإعادة إنتاج الواقع القديم، الذي لم تثر الشعوب إلا لتغييره.
سيناريوهات ثلاثة
وينتهي بحث عن "إسرائيل والثورة المصرية" إلى أن إسرائيل وضعت ثلاثة سيناريوهات للتعامل مع الأوضاع في مصر، في أعقاب فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية، الأول يتمثل في محاولة إجهاض عملية التحول الثوري، من خلال التحالف مع قوى الثورة المضادة، والحرص على عدم استفزاز الحكم الانتقالي في مصر، توطئة للدفع بخيار الاستقرار، وتمكنه من تأسيس نظام مصري ديمقراطي، لكن غير ثوري وغير عدائي لـ "إسرائيل".
والثاني: الاستعداد للمواجهة العسكرية مع مصر، من خلال التركيز على الجبهة الداخلية في إسرائيل، ورفع موازنة الجيش بهدف تطوير قدراته، وإبقائه على أهبة الاستعداد في حالة انهيار اتفاقية السلام مع إسرائيل.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في فتح حوار أو قناة اتصال بين إسرائيل والأحزاب الإسلامية، وهو ما يتردد كثيرًا أن الولايات المتحدة تعمل في اتجاهه وتؤكده, بينما يشير البعض إلى أنه ماض ومتحقق في الوقت الراهن.
وفي السياق ذاته يقول بحث آخر عن "الدبلوماسية الإسرائيلية بعد الثورة المصرية" أن طبيعة المأزق الإستراتيجي الذي بدأت إسرائيل تعانيه بعد الثورات العربية، فتحت الباب أمام احتمالات اندلاع حروب إقليمية على المدى المتوسط والمدى البعيد، والمؤكد أن الكيان الإسرائيلي سيحاول إحباط الثورات العربية أو حرفها عن مسارها، حتى لو اضطر لخوض حروب متكررة، تقنع الغرب بأن يستمر في دعم هذا الكيان والرهان عليه.
ويناقش بحث آخر بعنوان: "رؤى أميركية.. صورة الإخوان المسلمين نموذجًا"، العلاقة بين أميركا والتيارات الإسلامية، ويرى أن الخطاب الأميركي يتوقع عدة أمور من بينها أن تؤدي الديمقراطية إلى إضعاف "الإسلام السياسي"، وأيضًا أداء "إسلامي" ضعيف أمام التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، ويشير البحث إلى أن المشكلة مع الولايات المتحدة تكمن في سياستها تجاه المنطقة والإصرار على وضع الإسلاميين ومرجعيتهم وأفكارهم، والاختيار فيما بينهم من معتدل ومتشدد وما بينهما، على رأس عقبات وتحديات السياسة الأميركية في المنطقة، وهذا دليل على أمرين: عدم التخلي عن نهجها المسبق تجاه المنطقة, وأيضًا على سهولة تسويق هذه الأفكار للداخل الأميركي وللخارج الدولي.
عالم أكثر إنسانية
وخلص بحث عن "مستقبل الثورات مع صعود الإسلاميين" إلى أنه إذا كانت الثورات العربية قد انفجرت كاستجابة للتهديدات الخارجية شديدة الوطأة على الأمة، فإن نجاح هذه الثورات لا يرتهن بالداخل فقط، ولكن بالخارج أيضًا، بل إن هذا النجاح واستمرار هذا الصعود سيكون مدخلاً من مداخل التغيير العالمي، نحو عالم أكثر عدالة وإنسانية, وليس مجرد عالم أكثر ديمقراطية، كما يسعى دعاة الديمقراطية العالمية.
وتساءل الباحث: هل نستطيع أن نقدم نموذجًا جديدًا من الثورات ومن التغيير الحضاري، في ظل صعود إسلامي، في بيئة داخلية وإقليمية وعالمية شديدة الترصد والتربص والمراقبة لهذا الصعود الإسلامي؟.. هذا سؤال ليس بمقدورنا الإجابة عنه الآن.