خبايا وأسرار التطرف الصهيوني
بدر محمد بدر
الكتاب: خبايا وأسرار التطرف الصهيوني
المؤلف: السفير طه الفرنواني
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة
عدد الصفحات: 500
الطبعة: الأولى 2012
يكشف هذا الكتاب، من واقع المستندات والوثائق والمواقف، جانبا من صور التطرف الصهيوني ضد الأمة العربية، وكيف استطاع هذا التطرف، بمساعدات أجنبية، زرع بذور الفتن الطائفية والدينية في الشرق الأوسط، ومحاولة تدمير المنطقة ومستقبلها، ويؤكد على أهمية وضرورة استمرار المواجهة العربية لهذا التطرف، عبر المقاومة المشروعة، ورفض التطبيع وسياسة الأمر الواقع، واستمرار المقاطعة العربية.
وتزداد أهمية الكتاب باعتبار أن المؤلف "السفير طه الفرنواني" شغل لفترة طويلة مدير إدارة فلسطين وإسرائيل بالخارجية المصرية، واطلع بحكم مسئوليته على الكثير من الملفات والوثائق والمواقف، التي يكشف جانبا منها في هذا الكتاب.
وفي المقدمة يحدد المؤلف ما يقصده بالتطرف الصهيوني بقوله "هو أقصى صور التطرف من الظاهرة الصهيونية، تلك الحركة التي تقوم على تهجير اليهود إلى فلسطين، والاستيطان فيها بدلا من سكانها العرب الأصليين، وهي ظاهرة استعمارية استيطانية إمبريالية غربية، لا تختلف عن أية حركة استعمارية أخرى، كما أنها عقيدة علمانية تدعي العمل لتحديث الشخصية اليهودية، وتمارس العنف لتحقيق أهدافها، وتسعي إلى الإبادة والقمع العسكري وإحلال الصهاينة مكان العرب في فلسطين، وفي ذلك يسعى التطرف الصهيوني ليصبح بديلا للعقيدة اليهودية، وموجها لها".
بداية التطرف
ويتناول المؤلف في الفصل الأول قضية التطرف الصهيوني قبل عام 1948، منذ بداية الحركة الصهيونية، ومؤتمرها الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، الذي قرر تشجيع الهجرة إلى فلسطين، وتأسيس الصندوق القومي اليهودي الصهيوني، من أجل شراء الأراضي الفلسطينية، تحت شعار "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، في الوقت الذي كان في فلسطين أكثر من نصف مليون مواطن عربي، بينما لم يتجاوز عدد الجالية اليهودية في تلك الفترة 10% من هذا الرقم، وقد رفض التطرف الصهيوني العروض البريطانية لإقامة الوطن اليهودي في كينيا أو أوغندا أو قبرص.
واستغل قادة الصهاينة الحرب العالمية الأولى، وأقنعوا الإنجليز بأنهم سيقفون معهم مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، ونجحوا كذلك في الحصول على وعد "بلفور" عام 1917، وخدعت بريطانيا قادة الدول العربية عندما تعهدت بتقديم ضمانات لهم بتحقيق استقلال بلادهم، فور انتصارها في حربها ضد ألمانيا، ولكنها تراجعت عن هذه الوعود، بتأييد من قيادات التطرف الصهيوني.
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية قام قادة التطرف الصهيوني بالضغط على بريطانيا، لإصدار قرار بتأكيد اعتبار فلسطين وطنا قوميا لليهود، والسماح بنزول مائة ألف يهودي من أوربا الشرقية إلى أرض فلسطين، واستمر قادة التطرف الصهيوني في الضغط على الدول الأوربية وأميركا، ونجحوا في تهيئة الظروف الدولية لإصدار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 بتاريخ 21/11/1947، والذي يقضي بإقامة دولة يهودية فوق جزء من أرض فلسطين العربية، وهو ما اعتبره العرب انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
المواجهة العربية
ويستعرض الكتاب في الفصل الثاني بدء المواجهة العربية لقيام دولة "إسرائيل", ومبررات التدخل العسكري العربي في أعقاب إنهاء الحماية البريطانية على فلسطين في 14 من مايو/ آيار عام 1948، لكن الدعم الغربي العسكري والسياسي رجح كفة العصابات الصهيونية، وفي مارس/ آزار عام 1949 حصلت "إسرائيل" على عضويتها في الأمم المتحدة بمساعدة أميركية، مع تعهدها بتنفيذ قرارات الجمعية العامة رقم 181 لسنة 47 الخاص بتقسيم فلسطين، ورقم 194 لسنة 48 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
ونظرا لإدراك الدول العربية خطورة التوسع الصهيوني، وافق مجلس جامعة الدول العربية في أبريل/ نيسان عام 1950 على معاهدة الدفاع المشترك، التي تنص على أن الدول العربية تعتبر أن كل اعتداء مسلح، يقع على أية دولة أو أكثر أو على قواتها، هو اعتداء عليها جميعا، وتصور البعض أن هذه المعاهدة سوف ترغم إسرائيل على توزيع قواتها على الجبهات العربية، وبالتالي تظل الجيوش العربية متفوقة باستمرار على القوات الصهيونية، وهو ما لم يتحقق لأسباب عديدة.
التآمر الصهيوني
ويتحدث المؤلف في الفصل الثالث عن التآمر الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، مشيرا إلى أن مرحلة جديدة من سياسة التطرف الصهيوني ضد الأمة العربية والإسلامية، بدأت بعد تولي ديفيد بن جوريون وزارة الدفاع في فبراير/ شباط عام 1955، حيث كانت لديه قناعة بأن استتباب السلام في المنطقة، وعلى خطوط هدنة عام 1949، سوف يؤدي إلى إضعاف حماس اليهود في مختلف دول العالم، للهجرة إلى إسرائيل أو لتأييدها ودعمها بالمال، بما يعني ضرورة استمرار إشعال معارك مع الدول العربية، بحيث يستطيع إيهام يهود وصهاينة العالم بوجود خطر دائم على إسرائيل، يقتضي دعمها ومساندتها.
ومن هنا ولأسباب أخرى، كان طبيعيا، كما يقول المؤلف، أن يشارك قادة التطرف الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، مع كل من إنجلترا وفرنسا، ولكن هذا العدوان انتهى بالفشل، ورغم ذلك استمرت المواجهة مع قادة إسرائيل في ميادين أخرى، سواء في أفريقيا أو أوربا أو أميركا.
ويناقش الفصل الرابع عدوان قادة التطرف الصهيوني وحلفائهم عام 1967، وكيف استفادوا من مشاركة القوات المصرية في حرب اليمن عام 62، باعتبارها تؤدي إلى إبعاد هذه القوات عن مسرح عملياتها الرئيسة في مواجهة إسرائيل وهي سيناء، كما يؤدي عدم استخدام هذه القوات لأساليب الحرب الحديثة، وخوضها لحرب عصابات وليست معارك عسكرية، مع افتقارها للتدريب ورفع الكفاءة القتالية، كل ذلك يؤدي إلى فقدان القوات المسلحة المصرية لدورها القتالي في مواجهة اعتداءات الصهاينة، إضافة إلى استنزاف موارد مصر الاقتصادية بسبب حرب اليمن.
ويقول المؤلف إن إسرائيل خططت للقضاء على القوة الرئيسة في المنطقة، وهي قوة الجيش المصري، في أعقاب هزيمتها في العدوان الثلاثي عام 56، ثم التخطيط لضرب القوة العربية الأخرى بعد ذلك، وبدأت بالفعل في تصعيد عملياتها العسكرية ضد سوريا ثم الأردن في أواخر عام 66، ولم يستطع مجلس الدفاع العربي المشترك، في اجتماعه (مارس/ آذار 67)، أن يتخذ أي إجراء عملي لدعم سوريا والأردن، في مواجهة هذه الاعتداءات.
وفي أول يونيو/ حزيران عام 67 شكلت إسرائيل وزارة حرب برئاسة ليفي أشكول، وبعدها بخمسة أيام فقط بدأت الحرب بالفعل، التي حققت فيها قوات الاحتلال نصرًا عسكريا وسياسيا كبيرا، بمساعدة الولايات المتحدة ودول الغرب، واحتلت كامل أرض سيناء، وأيضا الضفة الغربية وقطاع غزة، ومرتفعات هضبة الجولان السورية.
ويكشف المؤلف أن قادة الصهاينة حاولوا بعد حرب 67 الايحاء بوجود علاقة بينهم وبين عدد من السفراء والدبلوماسيين المصريين، ومحاولة التشكيك في وطنيتهم لتنفيذ مذبحة أخرى في حقهم، على غرار مذبحة القضاء المصري، التي نفذها نظام عبد الناصر في تلك الفترة، لكن المؤامرة لم تكتمل، وكان وراءها مدير المخابرات الحربية أمين هويدي، وسكرتير عبد الناصر للمعلومات سامي شرف.
انتصار 73
وتحت عنوان "هزيمة التطرف الصهيوني عام 73" يقول المؤلف في الفصل الخامس إن حرب الاستنزاف على جبهة قناة السويس (67: 1970) أدت إلى خسائر كبيرة للصهاينة من ناحية، وإلى تقوية الروح المعنوية للجندي المصري من ناحية أخـرى، وهـو ما ساعد الجيش المصري في معركة العبور في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 73 (العاشر من رمضان 1393هـ) وتوجيه ضربة قاضية للاحتلال.
وساهمت أمور كثيرة في تحقيق هذا الانتصار العسكري، منها حظر البترول العربي عن الولايات المتحدة، والدول الداعمة للعدوان الصهيوني، وكذلك الوحدة العربية التي تجلت بصورة رائعة في هذه الفترة، من خلال المشاركة في الحرب، سواء بالمعدات العسكرية أو بالجنود.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1977 أعلن الرئيس السادات عن استعداده لزيارة القدس من أجل تحقيق السلام، وهو ما أدى في النهاية إلى عقد مؤتمر القاهرة للسلام في نفس العام، ثم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، في ظل خلافات عربية شديدة، لكن الضغوط المصرية أدت في النهاية إلـى استكمال إسرائيل لانسحابها من سيناء في أبريل/ نيسان 1982.
مواجهة مستمرة
وفي الفصل السادس والأخير يتحدث المؤلف عن أبعاد المواجهة المصرية والعربية (82 ـ 2007) ضد التطرف الصهيوني، بدءا من تشكيل اللجنة العليا المصرية لشئون فلسطين بوزارة الخارجية، في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ومشاركة مصر في عدة مؤتمرات دولية، دفاعا عن القضية الفلسطينية والأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، ومرورا بجهود مصر لتحرير منطقة طابا في سيناء، ثم اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية عام 1987، ودعم مصر لها دبلوماسيا وإعلاميا، ثم انعقاد مؤتمر مدريد للسلام (1991)، وتوقيع اتفاقيات أوسلو (1993)، وصولا إلى الاعتداء الصهيوني على لبنان في يوليو/ تموز 2006، وهو الاعتداء الذي أكد على حقيقة أن التطرف الصهيوني لا يستجيب إلا للغة القوة، وأن هذا العدوان لم يوقع الهزيمة بلبنان أو بحزب الله، ولم يحقق لإسرائيل أي انتصار، بل على العكس تسبب في هزائم سياسية ومعنوية ومادية كبيرة لها.
وفي الختام يحذر المؤلف "شعب إسرائيل والأجيال المقبلة، من خطورة التطرف الصهيوني، ليس على الأمة العربية وحدها، بل على إسرائيل نفسها".
ويمكن اعتبار الكتاب في النهاية مذكرات لدبلوماسي مصري، حاول من خلالها كشف دوره ومهامه ومواقفه الوطنية، ودافع عن رؤيته وجهوده في واحدة من أهم ملفات الخارجية المصرية، وهي قضية فلسطين.