رواية: سوق الليل
للكاتب السعودي: عبد الكريم محمود الخطيب
يحيى بشير حاج يحيى
رواية اجتماعية تعرج في بعض فصولها على أوضاع سياسية كان لها أثر في حياة البطل و أسرته، تجري أحداثها في النصف الثاني من القرن العشرين بين مصر و الحجاز . و ملخصها أن الشاب عبد العزيز كان ورث مهنة الطوافة عن والده في مكة المكرمة لخدمة الحجاج المصريين ، و هو يمتلك فندقا ضخما في سوق الليل ، و كان من نزلائه هذا العام الحاج عليوة و زوجته و ابنته زليخة ًالتي لفتت نظره برقتها و أدبها و جمالها ، فحلت في نفسه محلا ، و لم تغادر مخيلته و هو يقوم بأعمال الحج ، فأكرم الأسرة و هيأ لها أسباب الراحة ، و رأت أمه الفتاة فأعجبته بها ، و وافقت على خطبتها و بعد انتهاء موسم الحج تم الاتفاق على الزواج بمصر .
و في مصر فكر عبد العزيز بإقامة مشروع تجاري لبيع الفحم الشجري و وظف شابا سعوديا أخلص له (كمال) ، و سارت الحياة رغيدة هنيئة ، إلا ما كان من أمر زليخة التي لم ىتحمل ، فخدعتها إحداهن بالذهاب إلى حفلات الزار !
( و تستطرد الرواية في ذكر المنكرات و المخالفات ) ، وتعلن زليخة عن ندمها و تعرض نفسها مع زوجها على طبيب مختص ، و يشاء الله أن تنجب ( صالح و زينب ) اللذين يتخرجان من الجامعة !
و تقف الرواية عند هذه النقطة لتتحول إلى وصف الانقلاب العسكري في عام ١٩٥٢ م ، و ما لحق الإسلاميين من اضطهاد و تعذيب ، و حملة التأميم المرتجلة التي طالت أملاك عبد العزيز ، و اعتقال ابنه صالح لأنه ملتح ، و سجن كمال بتهمة إخفاء الأموال ، فيصاب عبد العزيز بالشلل و يعود إلى جدة ، ثم يفرج عن صالح الذي شهد مآسي التعذيب و التصفية للشباب الملتزم . و ينقل الكاتب بالتفصيل مأساة قرية (كرداسة) على لسان أحد أبنائها الهاربين إلى السويس ، و ما أصاب أهالي القرية على يد الشرطة العسكرية بسبب توجهات شبابها الإسلامية.
ثم يفرج عن كمال بعد سنوات و يلحق بصالح ليعمل معه ، و يفاجآن بقدوم أحد الضباط ممن كانوا يعتقلون و يصادرون إلى الحج تائبا نادما ، فيتذكرهما و يعتذر لهما بأنه كان مجرد منفذ للأوامر العليا ، و يطلب المسامحة . و تنتهي الرواية بزواج صالح من ابنة كمال ، و بقاء زليخة وفية لذكرى زوجها الراحل عبد العزيز ، تستقبل الأهل من حجاج مصر ، وتأمل أن تحظى بقبر في مكة قرب زوجها !
جاءت لغة الرواية سليمة لا تكلف فيها ولا غموض ، و عمد الكاتب إلى إعطاء صبغة واقعية لها بتحديد أسماء الأماكن و غيرها وكأنه يكتب مذكرات . و قد أكدت هذه الرواية وحدة الشعوب العربية وإحساسها باللحمة و القرابة فيما بينها . وتسيطر عليها الروح الحكائية حتى إنها أثرت في بنائها الفني ، فاحتل السرد بضمير الغائب معظم فصولها ، و كثرت شخصياتها بما يتناسب مع كونها قصة اجتماعية واقعية ، كما استعملت الحلم تمهيدا لما سيكون بعد ذلك ، كما في حلم صالح حين رأى وهو في السجن أنه يطوف حول الكعبة .
و مما يؤخذ عليها أنها تركت فراغا زمنيا يشعر به القارئ من خلال القفزة بين ولادة صالح و زينب و تخرجهما من الجامعة . و مع ذلك فإنها تشد القارئ بسيرورتها و تتابع أحداثها و هو سيتعاطف مع شخصياتها ضد الظلم الاجتماعي و السياسي الذي لحق بهم .