دراسة للباحث أبو الهنود

تظهر التحولات الدولية والإقليمية على النظام العربي

القاهرة- رصد الباحث الفلسطيني إياد محمد جمال حسن أبو الهنود من قطاع غزة، التحولات الدولية والإقليمية على النظام العربي في الفترة ما بين أيلول/سبتمبر2001، وآذار/مارس2008، في دراسة علمية نال بموجيها درجة الماجستير بتقدير ممتاز من قسم الدراسات السياسية بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية في مناقشة علمية جرت بالمعهد اليوم.

ووجهت الدراسة نقدا للنظام العربي نتيجة ما أسمته "تراجع مكانة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية للنظام العربي، من خلال ابتعاد الدول العربية عن المشاركة، والحرص على التراجع من خلال التزاماتها المالية، والسياسية تجاهها، فضلاً عن الحرص بأن يكون التدخل العربي في حدود التحركات الأمريكية، وغيرها".

وأشارت إلى زيادة حدة الخلافات، والانقسام، والمنافسة بين الدول العربية، وتضارب اتجاهات تحالفاتها، وتصاعد التناقضات بين مواقفها، الأمر الذي أدى إلى حدوث استقطاب داخل النظام العربي بين ما سمي "بمحور الاعتدال" وما سُمي "بمحور المقاومة أو الممانعة" حول قضايا عربية إستراتيجية، وبالذات القضية الفلسطينية، والعلاقة مع إيران، مما أدى إلى افتقاد النظام العربي الفعالية المطلوبة، خاصة ما يتعلق بالقيام بالوظائف الأساسية (خاصة وظائف الأمن، والتكامل، والتنمية، وغيرها)، وما يتعلق بالقدرة على مواجهة التحديات.

وتكمن أهمية هذه الدراسة في أن الفترة التي تتناولها قد شهدت فيها البيئة الدولية والإقليمية تحولات ومتغيرات كبيرة، مما أدى إلى إفراز استراتيجيات وسياسات جديدة، كان لابد من رصد هذه التحولات والمتغيرات، واتجاه تطورها في درجة التأثير الدولي والإقليمي على النظام العربي، وطبيعة هذا التأثير ونطاقه، ورصد التحديات التي تواجه النظام العربي ومستقبل هذا النظام، كما إن هذه الفترة قد شهدت جولة من جولات التفاعل العنيف بين النظام الدولي والنظام الإقليمي العربي، ومدى قدرة النظام العربي على الحفاظ على خصوصيته واستقلاليته.

وعرضت دراسة الباحث أبو الهنود التحولات الدولية والإقليمية وأثرها على النظام العربي في الفترة من سبتمبر 2001 إلى مارس 2008، وقد جاءت هذه التحولات في ظروف غير مواتية للنظام العربي، حيث إنه منذ أزمة الخليج الثانية في عام 1990، ومروراً بفشل التسوية في فلسطين، والغزو الأمريكي للعراق في 2003، والحرب على لبنان، يعتبر ذلك مثالاً واضحاً على الفشل الذريع الذي مُني به النظام الإقليمي العربي فيما يتعلق بصون أمنه القومي، وحماية واستقلال دوله.

وأكد الباحث في ضوء نتائج الدراسة إن هناك سيناريوهات محتملة لمستقبل النظام العربي وهي: استمرارية النظام العربي مع إجراء "إصلاحات" و"مصالحات" تُبقي خصائصه وملامحه الأساسية، حيث يقوم هذا السيناريو على فكرة أن المقدرة التي أثبتها النظام العربي على التكيف في مواجهة الأزمات سوف يستمر في المستقبل المنظور، ولكن مع حدوث إصلاحات ومصالحات تؤدي إلى تغيير تدريجي في إطار فكرة الحفاظ على بقاء النظام.

وأشار إلى أنه من ضمن السيناريوهات ايضا تدهور النظام العربي وانهياره دون وجود بدائل، حيث يقوم هذا السيناريو على فكرة أن النظام العربي وصل إلى درجة كبيرة من التدهور، إن لم يكن قد انهار فعلا، فهو في سبيله إلى ذلك في المستقبل المنظور.

وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على مفهوم النظام العربي، وتحليل ورصد واقع هذا النظام، ورصد وإبراز طبيعة التحولات الدولية والإقليمية، واستخلاص آثار التحولات الدولية والإقليمية على النظام العربي ومحاولة الكشف عن التحديات التي تواجه هذا النظام، سواء كانت تحديات داخلية ترتبط بالبنية العامة للنظام العربي، أو تحديات خارجية فرضتها التحولات والمتغيرات الدولية.

لذلك سعت الدراسة للإجابة على التساؤلات التالية: إلى أي درجة تأثر النظام العرب بالتحولات التي حدثت في النظام الدولي والتحولات التي حدثت في النظام الإقليمي؟ وهل تأثير النظام الدولي في النظام العربي هو تأثير ذو اتجاه واحد أم أنه تأثير متبادل؟ وإلى أين يتجه النظام العربي في ظل هذه التحديات والمتغيرات.

وللإجابة عن هذه التساؤلات اعتمد الباحث منهج تحليل النظم الإقليمية، باعتباره يتواءم مع موضوع الدراسة، حيث إنه لا يهتم فقط بدراسة خصوصية العلاقة التي تربط بين النظم الإقليمية والنظام العالمي من حيث هي علاقة تبعية كاملة أم هي علاقة تأثير متبادل بأي درجة بل يتعداها ويركز الاهتمام على دراسة الطبيعة الداخلية للعلاقات الدولية الإقليمية في الأقاليم المختلفة، والتعرف على خصائص وأنماط التفاعلات التي تحدث داخل كل نظام، كما إن منهج تحليل النظم يساعد على فهم تفاعلات المستويات المختلفة في النظام العالمي.

كما خصلت الدراسة إلى عدد من النتائج من أهمها: تعرض النظام الإقليمي العربي لمجموعة من القضايا التي عكست إدارتها تراجعاً واضحاً في أداء فعالية النظام العربي لوظائفه على مختلف المستويات، وأبرزها الوظيفة الدفاعية، حيث عبرت عن مدى عجز النظام العربي عن أداء وظيفته كنظام إقليمي من واجبه تحقيق الأمن الجماعي للدول الأعضاء فيه، من خلال تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، ووضح هذا العجز عندما تعرضت كل من العراق، ولبنان، والصومال، وفلسطين للعدوان، هذا إلى جانب العدوان على دولة عربية مثل العراق من أراضٍ، وموانئ، وقواعد عربية في الخليج العربي.

وقالت: يواجه النظام العربي ثلاث قوى صاعدة على الصعيد الإقليمي: إيران بقوتها النفطية والعسكرية، ومناوراتها لامتلاك قوة نووية، حيث تسعى لتعزيز دورها الإقليمي، وتركيا التي تتقدم بهدوء لتعزيز مكانتها الإقليمية، مستعينة بثقلها التاريخي، وقدراتها الاقتصادية، ونمط نظامها الديمقراطي الإسلامي المعتدل، وانفتاحها على الغرب، وما تشهده من حضور بارز في الملفات الساخنة في المنطقة، والقوة الثالثة إسرائيل التي كانت ولا زالت تشكل تحديا أساسيا للنظام العربي، ولإمكانيات تطوره في مختلف المجالات.

وتحدثت عن ظهور محاولات لبناء نظام إقليمي، إما كبديل محدود للنظام العربي كما هو الشأن في الدعوات الأخيرة لتحالف تركي إيراني سوري، وإما لنظام شرق أوسطي وفقا لما روجت له الطروحات القادمة من خارج الوطن العربي، بدءا من مشروع الشرق الأوسط الجديد (1991) إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير (2003) وصولا لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط (2008) وما يتضمنه من مشاريع التنمية، والديمقراطية، والتسوية، وإصلاح النظم السياسية، وكلها مشاريع أمريكية وأوروبية تم طرحها بدعوى إعادة هيكلة النظام الإقليمي العربي بما يخدم المصالح الأمريكية والأوروبية.

وخلصت دراسة الباحث أبو الهنود إلى تراجع مكانة النظام العربي في اعتبارات القوى الكبرى، وغلبة التقييم في الدوائر الغربية باعتباره يمثل أضعف الحلقات في سياسات المنطقة، بالإضافة إلى قابليته للاستجابة للضغوط، نتيجة تنازله الطوعي عن مصادر قوته.

وعلى الرغم من التأثيرات السلبية التي كشفت عنها الدراسة إثر التحولات الدولية والإقليمية، فإن الدراسة بينت أن النظام العربي يعتبر من النظم الإقليمية التي تتميز بقدرة عالية على البقاء والتكيف في ظل أخطر التهديدات، وذلك من كثرة الأزمات التي واجهته منذ تأسيسه وصولا إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتي كان أبرزها من حرب العراق 2003، والحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، وعلى قطاع غزة في ديسمبر 2008.   

وتكونت لجنة الحكم على المناقشة العلمية للباحث أبو الهنود من: الأستاذ الدكتور محمد السعيد إدريس رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مشرفا، والأستاذ الدكتور مصطفى عبد العزيز مرسي مساعد وزير الخارجية المصري السابق، عضوا ورئيسا، والأستاذ الدكتور حسن أبو طالب، مدير معهد الأهرام الإقليمي للصحافة، عضوا، والتي أكدت أن الرسالة مكتملة للأصول العلمية وأوصت بمنح الباحث درجة الماجستير بتقدير ممتاز.

وحضر المناقشة: سفير دولة فلسطين في جمهورية مصر العربية ومندوبها بالجامعة العربية الأستاذ الدكتور بركات الفرا، والأستاذ الدكتور الشيخ محمد محمود أبو هاشم عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر (محافظة الزقازيق)، والدكتور القاضي الشيخ ماهر خضير عضو محكمة الاستئناف العليا في فلسطين، وسليم التلولي مسؤول الأنشطة الثقافية والطلابية بالمحلقية الثقافية بسفارة فلسطين بالقاهرة، وعضو لجنة إقليم فتح في مصر.