هل من جديد في رواية أصل وفصل لسحر خليفة
داعس أبو كشك
لقد صدر الجزء الاول من رواية اصل وفصل للروائية الفلسطينية سحر خليفة عن دار الاداب في بيروت في العام الماضي ، وهي الرواية التاسعة لها بعد رواياتها التي صدرت في القدس ودمشق وبيروت وكانت على الترتيب التالي:-
1- لم نعد جواري لكم "1974"
2- الصبار " 1976"
3- عباد الشمس" 1980"
4- مذكرات امراة غير واقعية "1986"
5- باب الساحة" 1990"
6- الميراث " 2002"
7- صور وايقونة وعهد قديم " 2002"
8- ربيع حار " 2004"
9- واخيرا اصل وفصل " 2009 "
ولقد ترجمت اعمالها الى عدة لغات ونالت عليها عدة جوائز عالمية ورغم شهرتها العالمية الا ان هناك تقصيرا من جانبنا في الوطن في التعريف عن هذه الروائية المبدعة ، ولم يعرفها الا النخبة من مثقفينا ، وهذا يتطلب منا ان نهتم بكاتبة مثل سحر التي كان لقامتها الشامخة بشموخ جبلي عيبال وجرزيم ان تبرز الرواية الفلسطينية وان تكون صوتا لضميرهذا الشعب ومدافعة عن حقوق المراة ، رغم الجدل الحاد الذي دار بين اوساط الكتاب والنقاد والمثقفين حول تسخير معاناتها الشخصية لمضامين كتاباتها وهذا لم ولن يفسد تجربتها الروائية , فالكاتب الذي يكتب عن تجربة مر بها فانه يكتب بصدق ولم يتجمل مما يعطي لكتابته صورة مشوقة بعيدة عن الخيال وصدق الاحساس والشفافية منطلقة من التقاليد التي تسود المجتمع وتحكم الذكورية فيه ، فالمرأة ورغم النضال الذي يقوده الشعب الفلسطيني بقيت اسيرة لانظمة ومواريث يجعلها في دونية الرجل ، ولم تنل حريتها ولا مكانتها مع انها رمز للحفاظ على الهوية والانتماء ، ويلاحظ ان جميع روايات سحر تدور حول ثنائية التناقضات ، الرجل والمراة ،الفلسطيني واليهودي ،اليهودي والانجليزي ،الانجليزي والفلسطيني ,والمدني والقروي.
حيث كانت اكثر من تميز بهذا الاسلوب الذي اصبح ملاصقا لها وهي وان كتبت عن النضال الفلسطيني ضد الاحتلال فانها تكتب عن ظلم الرجل للمراة وان صورت معاناة الانسان الفلسطيني وحياته اليومية جراء سياسة الاحتلال فانها تصور واقع المراة الفلسطينية التي تتعرض لظلم دائم من قبل الرجل ...وان ساهمت معه في النضال الا ان تحررها الاجتماعي بقي ناقصا رغم تشدق البعض في اظهار المساندة لحقوق المراة
.لقد وظفت سحر خليفة التراث في نصوصها الروائية فاستخدمت اللغة المحكية في ادق تفاصيل بنائها الروائي الامر الذي اعطى المشهد الروائي ابعادا انسانية في غاية الصدق والشفافية والالتزام بقضايا الجماهير ، فالمشهد الروائي عند سحر يسير وفق مسارين :
1) مسار الرواية النسوية 2) مسار الرواية الوطنية الفلسطينية .
ان الجديد في رواية سحر الاخيرة فهو اسلوبها المتنوع في توظيف السرد من اجل الابداع ،
ففي هذه الرواية التاريخيّة، بعنوان' أصْل وفصْل ' تعود سحر الى التاريخ المتعلق بالقضية الفلسطينية ، بالاضافة الى القضايا الاجتماعية التي تسود بين الناس ، وقد جعلت من عائلة ال قحطان الشخصيات الاساسية لهذه الرواية ، فثمة من يُؤمنون في مدينةٍ محافظةٍ، مثل نابُلسَ، بتأثير الأصْل العشائري في منزلة الإنسان، زكيّة تؤمن بذلك، وأخوها، وأبناؤها: وحيد، وأمين، ووداد.
وعندما توفي الزوج ، تضطر للعمل في حياكة الملابس، لكنّ أخاها يعود من حيفا، ويغدق عليْها، وعلى الأولاد، بعد حرمان، ويصاهرها فيزوِّج ابنه رشاد من وداد، ويزوّج وحيدا - ابن زكية - من ابنته رشا، وتتنقل الأسرة ما بيْن نابلسَ تارةً، وحيفا تارةً أخرى، إلى أنْ يتعرّف وحيد على الشيخ الجليل " عز الدين القسام" .
ينضمَّ وحيد- خلافاً لأخيه أمين- للثوّار، ويُضطر، مرارًا، للاختفاءِ في "حبس الدم " في نابلس ، قبل أنْ يلاقي الشيخ نحبه في حُرْش (العَمْرَة) بيَعْبد.
أما وداد، فقد تاهتْ بها السبلُ، لأنّ زوجها الطائش تزوّج عليها واحدة أخرى، وتبيع مصاغها لتنشئ به مع "عليا" صالونا لتجميل النساء، وعليا تخطب، ويوُأدُ المشروعُ في مَهْدهِ.
وروزا الأميركيّة تجيء لتنشئ مدرسة زراعيّة باسم أبيها (خضوري) لتضمّ طلابًا عربا ويهودًا، بيد أنّها تخفق في تحقيق هذا المَسْعى، مثلما تخفق في إنشاء كلية للتمْريض، نظرًا لمُعارضة وايْزمَنْ، وبن غوريون، وأخيرًا جابوتنسكي.
وتنتهي الرواية بمحاصرة كل من روزا، وليزا، والحاكم البريطاني- سير آرثر - في السَّرايا بالقدس، ومعهم أمين، وواصف، والمخرج الأميركي، وآخرون.. فيما يشْبهُ الإعلان عن قيام الدَّوْلة العبْرية، لتذهب تضحيات الفلسطينيّين هباءً منثورًا، لأنها، في رأي الكاتبة، انتفاضاتٌ عَفَويّةٌ، مرْتجلة، ساذَجَة، تفتقر للتنظيم، والوَعي، والصدق. والذين قاموا بها من الفلاحين، وهمْ يفتقرونَ إلى 'الأصْلِ والفَصْل'، مثلما جاءَ على لسان زكيّة في سياقٍ مُخْتلف .
وفي هذا المجال يقول الناقد الفلسطيني الدكتور عادل الاسطة "يرتد الزمن الروائي في اصل وفصل الى مرحلة لم تكن سحر شاهدة عليها خلافا لبقية رواياتها ,ولكن المكان الذي تجري فيه احداث الرواية نابلس وحيفا والقدس هو المكان الذي جرت فيه اكثر احداث رواياتها السابقة باستثناء حيفا فهذه المدينة لم يكن لها حضور في روايات سحر السابقة وسيكون لها حضور لافت في اصل وفصل" .
واذا كانت سحر قد ردت على نقادها سلفا في مقدمة روايتها قائلة "لا تقولوا لي لم اقل شيئا جديدا ,اسلوب ترتيب العناصر هو الجديد " .
واخيرا اقول ان توظيف سحر للاسلوب السردي ضمن القوالب الفنية من خلال تلاحمها مع المشاهد الروائية في ابداع تمثيلي يكشف عن الذات الابداعية مما اعطى لرواية اصل وفصل سمة تختلف عن الروايات السابقة وان كانت تشتبك في بعض مضامينها ، فرواية اصل وفصل تعتبر من اعمال سحر خليفة الابداعية التي تكتمل فيها التجربة الروائية .