حماة بأقلام محبيها
#حماة بأقلام محبيها لمجموعة من الدارسين ضمن سلسلة (وثائق سورية) رقم 3 ـ إصدار مركز الشام للدراسات على الرغم من أن الكتاب الذي صدر في (268) صفحة من القطع المتوسط ، لا يحمل أي صورة لحماة ما عدا صورة الغلاف التي زُينت بصورة لناعورة من نواعير المدينة الجميلة .. إلا أنني كلما قلبت صفحة ارتسمت أمام ناظري صورة من صور حماة أقمت فيها أياماً مع أستاذنا الشهيد #إبراهيم_عاصي .
حماة التي أحببتها ، ولي فيها عشرات الأحبة والأصدقاء ، من أموات لا تعرف قبورهم , وأحياء هُجّروا منها ولم أهتد تحت أي نجم يعيشون ؟!
كل صورة جميلة لحماة عرفتها أيام زيارتي لها ، كانت تقابلها صورة دامية رأيتها بأم عيني لحماة المدمرة ، لحماة المأساة ، التي لم يتورع النظام المتقيح المتكلس على نفسه أسرة وأزلاماً ومنتفعين من ارتكابها حماة ! وبعض محبيها أحبها سماعاً وتاريخاً ومروءات فكيف بمن رآها وعايش أهلها ووفد إليها .. ذكرت فيها هذا المقام بيتين من الشعر لشاعرين عراقيين الأول : يصف بغداد وقد دمرها التتر واستباحوها ، قائلاً :
يا وافداً إلى الزوراء لا تفدوا فليس في الحمىء والدار ديّارُ
فكان ذلك ينطبق على الصورة القاتمة التي رأيتها بعد تدمير حماة .
والآخر : لشاعر معاصر قدم حماة من بغداد وهو أحمد الصافي النجفي :
هذي حماةُ مدينة سحريةٌ وأنا امروٌ بجمالها مسحورُ
يا ليت شعري ما أقول بوصفها فحماة شعرٌ كلها وشعور
وصورة النجفي تُمثل في خاطري حماة الجميلة الفاتنة قبل أن تستبيحها عساكر حافظ #أسد وزمرته العاتية ..
وسأقف عند بعض ما جاء في المقدمة قبل استعراض ما جاء في الكتاب :
" حماة ذات المسحة الأندلسية ، والجمال الأخاذ ، بقصورها ، ومساجدها ، وأوابدها ، وبساتينها ، ونواعيرها وبنهرها (العاصي) ! هذه المدينة الجميلة التي استعصت على الطغاة والغزاة عبر التاريخ جاء حافظ أسد ليدكها بالطائرات ، والدبابات ، وراجمات الصواريخ ، مستخدماً الجيش والميلشيات والكتائب المسلحة ، فهدم نصفها ، وقتل ثلث سكانها ، وهجّر الثلث الثاني ، وسجن من سجن من أبنائها ، واعتدى على الحرمات كافة ـ كافة طوال شهر شباط / فبراير 1982 وما قبله وما بعده " .
من خلال خمسة وثلاثين فصلاً لعدد من الكتاب السوريين تبدو المأساة واضحة جلية .
وقد ربط الفصل الأول بين ما جرى في حماة والفلوجة وجنين ، والشبه فيما بينها أن مقترفيها لم يعترفوا بالمسؤولية ، ولا عالجوا آثارها وتداعياتها ؟
وأما الفصلان الثاني والثالث فيؤكدان أن مأساة حماة مستمرة حاضرة لأسباب كثيرة : منها اتساعها وضخامتها إذ لم يسجل التاريخ الحديث كارثة من هذا النوع لا فظاعة أبشع مما ارتكب فيها من وحشية وهمجية وحقد ؟!
وفي الفصل الرابع نتوقف عند مرور ربع قرن وأكثر على هذه المجزرة ، والحقيقة المرة التي تقول : ما يزال العالم يتجاهل المأساة ، على الرغم من الحقائق التي تحدثت عنها.
وتكفل الفصلان الخامس والسادس بكشفها ، إذ كان القتل فيها لمجرد القتل من خلال سادية لم تفرق بين الأطفال والنساء والطاعنين في السن ؟!
ويأتي الفصل السابع ليكشف الستار عن التعذيب والتشفي قبل القتل ؟
ويكمل الفصل الثامن أبعاد المأساة فيأتي الحديث عن الاختفاء والتهجير والنهب.
ويستمر الحديث عن تلك الممارسات القذرة من خلال الفصل التاسع والحديث عن التدمير الشامل وانتهاك المقدسات ..
بينما يكشف الفصلان العاشر والحادي عشر عما فعله أسد وعشيرته في حماة ، التي بقيت عصية على الفناء .
وهو ما تحدث عنه الفصل الثاني عشر ، الذي لم تكن ممارساته ـ كما تحدث الفصل الثالث عشر ـ إلا صفحة سوداء تلطخ وجه النظام والقائمين عليه ، تلك الصفحات السوداء التي يمكن أن تتحول إلى بيضاء عندما تفتح ويُقتص من الجاني فهذا ما أشار إليه الفصل الرابع عشر .
أما الفصل الخامس عشر فقد انصب الحديث فيه عن موقف الأمم المتحدة من هولوكست حماة ، الذي ما زال ذوو الضحايا ينتظرون منها ، بأن تقدم من ارتكبوا المجزرة إلى محكمة عادلة.
ويكشف الفصل السادس عشر : أن تركيبة النظام تقوم على هيمنة الأسرة ومن اصطف معها على مصادرة البلاد وإذلال العباد .
وفي الفصلين السادس والسابع عشر حديث عن تطور النهج الإحرامي الذي استهان بأربعين ألف ضحية في حماة ، فجرأ الأعداء والغزاة في العراق ، لتتجاوز ضحاياهم سبع مئة ألف ضحية .
ويتساءل كاتب آخر في الفصل الثامن عشر : لماذا دمرت حماة ؟
وبعد استعراض لمواقف المدينة الباسلة بدءاً من عهد الاستقلال عام 1945 إلى يوم المأساة 1982 ، يأتي الجواب في الفصل (19) بأن هذا كان جزاء لها على جهادها وعروبتها وإسلامها وصمودها .
ولكن هل تستحق حماة ما فعل بها ؟
هذا ما تجيب عنه الفصول : العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون من خلال إحصاءات تقريبية .
ـ تهديم أحياء بكاملها (الكيلانية ، الزنبقي ، الشمالية ، العصيدة) .
ـ تهديم ما بين (70 % إلى 80 % من حي السخانة وبين الحيرين وتدمير جزئي لعشرات الأحياء .
ـ تهديم أكثر من 60 مسجداً ، و15 معلماً أثرياً وأربع كنائس .
ـ قتل وجرح أكثر من أربعين ألف مواطن ؟!
ـ تشريد عشرات الآلاف إلى المدن الأخرى وآفاق الأرض.
وتستمر بقية الفصول في الحديث عن التاريخ الملوث بالحقد والظلام ، وعن وحدة الشعب السوري وعن النواعير التي تدور مع الزمن الذي يدور ، وعن المجزرة الوحشية التي ما تزال بدون عقاب وعن الذكرى التي تعود فتجدد الألم لما حل بالمدينة المجاهدة من خلال إبادة جماعية وصفت بأنها جريمة ضد الإنسانية ، وعن الرسالة التي قدمت إلى مؤتمر المحامين العرب المنعقد في دمشق 2006 .
وأخيراً وفي الفصل الأخير من الكتاب تتوجه (أسرة حماة سيتي) بنداء تختمه بالقول :
إلى كل المظلومين من أبناء مدينة حماة والمدن السورية الأخرى وإلى كل أهالي الضحايا وأسرهم
نتقدم بأسمى آيات المواساة والسلوان ، وإن الظلم لابد أن يزول ، ولا بد لليل أن ينجلي ، ولابد لنور الحق والحرية أن يشرق ويضيء من جديد سهول حماة وضفاف نهرها الجميل ، ويضيء الشام وربوعها ، ويضيء حلب الشهباء والجزيرة الغراء وبعدها ينعم جميع السوريين بالحرية في سورية المجد والحضارة ، ويعود لها اسمها المجيد وسمعتها العطرة ومكانتها المرموقة ودورها الرائد الرفيع "
وأخيراً : يسألونك متى هو ؟
قل : إنما هو قريب بل وأقرب مما تتصورون ؟
وسوم: العدد 810