الصفحات السود لمدارس التغريب والحداثة والتنوير
الصفحات السود لمدارس التغريب والحداثة والتنوير
كما عرضتها وثائق الاستخبارات الغربية!
د. نورا عبد العزيز الدخيل
الوثائق تتكلّم .. !
· "الكتاب" يؤرخ بالوثائق لأسود حقبة ثقافية في العالم العربي.
· "المؤلف" يكشف الغطاء عن رموز التغريب والعلمنة والحداثة.
· قائمة بأسماء المجلات والصحف المتعاونة مع الفكر المناوئ.
· أغراض الشعر الحداثي تدور حول السخرية من الذات الإلهية والحرب على المقدسات!
في أحدث وأهم مؤلفاته الذي يحمل عنوان: "الصفحات السود لمدرسة التغريب والحداثة والتنوير" يفتح الكاتب "محمد عبد الشافي القوصي" أسود ملفات مليشيات الحداثيين الأعراب، بالوثائق والأسماء، ودون مواربة، حيث حوى الكتاب مهازل وجرائم وفضائح العلمانيين والتغريبيين والحداثيين طوال القرن العشرين!
نعم .. إن هذا الكتاب –بمثابة– حصاد مرحلة، وشهادة عصر، وخلاصة رحلات ولقاءات وحوارات وقراءات متنوعة اضطلع بها "المؤلف" للبحث عن الحقيقة المجردة، والوقوف على معالم الحق .. ولا شيء سواه.
هذا الكتاب -الذي يقع في قرابة 300 صفحة، والصادر عن مكتبة "مدبولي الصغير" بالقاهرة- أتى على بنيان الحداثة من القواعد، فكشف عن (تجليات المشهد التغريبي في العالم العربي) كما عرضته وثائق الاستخبارات الأجنبية، بشهادة الشهود! وحجم العمالة التي قام بها أكابر التغريبيين العرب وسدنة العلمنة، أمثال: أنطون فرح، وسلامة موسى، ولطفي السيد، وطه حسين، ولويس عوض، وأدونيس، ويوسف الخال، وكمال أبو ديب، وصلاح عبد الصبور، وعبد المعطي حجازي، والبياتي، والسياب، وعبد الله الغذامي، وسعيد السريحي، وهاشم الجحدلي، وجابر عصفور، وصلاح فضل وغيرهم من حملة لواء مهاجمة الإسلام!
لذا، فإن هذا الكتاب يعتبر وثيقة مهمة، وحجة بالغة، ودليل إدانة، لمدارس (التبعية والتغريب والعلمنة والحداثة والتنوير) التي خضّبت وجه القرن العشرين بأسوأ ما يكون من الخِضاب!
ففي مقدمة الكتاب، يقول القوصي: إن المتأمل في المشهد الثقافي في العالم العربي، لا يكاد يملك نفسه من فرط الحسرة التي تنتابهُ لما آلتْ إليه منظومة الثقافة العربية على أيدي المتغربين الذين حوّلوا الثقافة والأدب إلى حربة تهاجم الإسلام والمسلمين، وحوّلوا الفكر والفن إلى هتاف وصياح وصرخات تشنجية، ومارسوا أسلوب الإرهاب الفكري في وجه مخالفيهم، ومن ثم أصبح الأدب لوناً من ألوان المطاردة العنيفة لكل ما هو جاد وأصيل، حتى وجد المخلصون أنفسهم محصورين في زوايا ضيقة، ومرغمين على الاستسلام والصمت، وخلا الميدان إلا من التغريبيين والعازفين على أوتار القيثارة الرسمية.
تجليات المجتمع المغرّب
ويكشف –المؤلف- الستار عن تجليات المجتمع المغرّب، فيقول: إنه المجتمع الذي خلع ثيابه، وتنكّر لتاريخه، حتى صار كأنه لقيط، بعدما افتقد شهادة الميلاد، وافتقد ذاكرته، وصار خليطاً من الثقافات والفلسفات الأرضية والوضعية – فهو مجتمع تزدحم طرقاته بأفخر وأحدث السيارات المستوردة، وتضم مدنه أفخم دور عرض الأفلام المستوردة، ويرتدي أهله أحدث المنسوجات المستوردة، وعلى أحدث الموضات الغربية، ويثرثر مثقفوه في قاعات مكيفة بأجهزة أمريكية أو روسية عن مشاكل المجتمع الغربي وآلامه .. ويملأون صفحات من ورق مستورد، تطبع بحبر مستورد، وبآلات مستوردة حول قضايا الوجودية، والحداثة والبنيوية، وخطوط الموضة، ومسرح اللامعقول، والجنس الجماعي، وتطور حركة الهيبيز، على بعد خطوات من كهوف مواطنيهم حيث البلهارسيا والكوليرا والتراخوما، وكل تراكمات التخلف منذ القرن السابع عشر!
صناعة العمالة الثقافية
ويؤكد –المؤلف- أن الغرب نجح بامتياز في صناعة عمالة ثقافية تخدم أطماعه وتحقق أهدافه، فيما فشل في تحقيقه عن طريق الحروب والمواجهات العسكرية عبر مئات السنين، وذلك بفضل الطابور الخامس الذين صار ولاؤهم للغرب أكثر من ولائهم لأوطانهم ومجتمعاتهم التي لم تألو جهداً في تعليمهم أملاً في الإصلاح والنهضة!
ولعل صفحات هذا الكتاب الذي بين أيدينا، تروي صوراً ومشاهد حية عن (المجتمع المغرب) في ميادين الفكر والثقافة والأدب .. فهناك من يطالب بإزاحة اللغة العربية من الوجود طلباً للنهضة التي ينشدها، وهناك من يدعو إلى التخلص من تراثنا لتحقيق الحداثة والتنوير، وهناك من يتجرأ على المقدسات من أجل تحقيق عالمية الأدب، وغير ذلك من الوقائع المخزية والمشاهد الفاضحة التي يمارسها عبيد الحضارة الغربية، على النحو الذي ستكشفه الصفحات التالية!
الحرب على لغة القرآن
يتساءل –المؤلف- بحسرة: هل إعلان الحرب على -اللغة العربية، والسخرية منها، وعزلها، بل ومحاولة التخلص منها ومن كل ما يتعلق بها .. هل يعتبر هذا من فنون "الحداثة" وطرائق "التنوير" و"الليبرالية" التي يتغنّى بها القوم، ويدعون الناس إلى اعتناقها؟! ولماذا لم يتوقف الهجوم على اللغة العربية يوماً واحداً، منذ أن وطئ الاحتلال الأجنبي الوطن العربي، وحتى بعد رحيله؟!
ثم يجيب قائلاً: إذا كان –القوم- يزعمون أن اللغة الفصحى عاجزة عن أن تكون لغة العلم والفكر والثقافة والحضارة، فهل اللهجات العامية أقدر منها في هذه الميادين؟!
بالطبع، لا .. لكن الأمر بخلاف ما يزعم القوم ... فأوروبا ودول الغرب بصفة عامة أدركت منذ الحروب الصليبية، قوة الإسلام حضارة وتاريخاً وفكراً وثقافة، وأيقنوا أن المسلمين إذا أحسنوا صلتهم بالفكر والثقافة الإسلامية فلن تكون في الأرض قوة تضارع قوتهم، وذلك لما حوته الحضارة والثقافة الإسلامية من القوى الروحية والمعنوية الربانية.
ومن هنا قرر الغرب الصليبي القضاء على الإسلام كلية إن أمكن، وعزل الإسلام عن المسلمين إذا لم يمكن القضاء عليه، واستخدم الغرب وسائل متعددة لتحقيق هذا الهدف خلال قرنين من الزمان.. أهمها: محاربة الفصحى وإحلال العاميات واللهجات المحلية مكانها، والتمرد على الأصالة والتراث بما أسموه بالحداثة وغيرها، واختراق الوسط الثقافي والفني وهدم القيم الصحيحة، وتجنيد تلامذة ومريدين لهم من أبناء جلدتنا لمحاربتنا من الداخل عبر وسائل الإعلام والقنوات الثقافية التي يعملون من خلالها.
ويرى –المؤلف- أنه لم تكن الحرب على لغتنا الفصحى من حيث هي لغة عربية، وإنما لأنها لغة تقوم بدور التوحيد الآن، توحيد اللسان والفكر والثقافة كما قامت بدور التوحيد في الماضي، وهم لا يريدون لهذه الأمة أن تتوحد، ولأنها أيضاً لغة تستوعب تراث الحضارة الإسلامية وبقاء هذه اللغة يصل هذه الأمة بماضيها، وهم لا يريدون لهذه الأمة أن تتواصل، ولا يريدون لهذا التراث أن يبقى حياً وفاعلاً ومؤثراً.
ولم يكن إحلال اللغات الأجنبية الذي حقق بعض النجاح في التعليم الجامعي هو الميدان الوحيد الذي حُوربت فيه هذه اللغة، إنما حوربت أيضاً بسلاح العاميات المحلية، وقد تولى كِبر هذه الدعوة المستشرقون وعملاء الاستعمار في القرن الماضي ثم تبعهم عليها بعض أبناء هذه الأمة. إن العربية التي انتقلت من تعدد لهجات العرب إلى الوحدة لتكون لسان توحيد لهذه الأمة العربية والإسلامية، لا يستساغ أن تتوارى لتحل محلها العاميات العربية!، بل هي مغالطات مفضوحة وأباطيل مكشوفة.
ويشير إلى أنه في إطار كراهية أوروبا للإسلام، وخوفها منه، كرهت كل ما يتصل بالإسلام، ووقفتْ أمامه وجهاً لوجه، ومن ذلك اللغة العربية الفصحى، فهي لسان التنزيل ووعاء الإسلام، وعامل من أكبر العوامل على تجميع المسلمين، وتوحيد صفوفهم، وقيام الروابط القوية بينهم.. وأوروبا تخشى وحدة المسلمين، وتعمل بكل وسيلة على تفتيتها بالقوميات، والوطنيات، والطائفيات.
ويؤكد –المؤلف- أن الحرب على لغة القرآن لم تتوقف بهلاك هؤلاء المرجفين القدامى، بل مازالت جذوتها مستعرة ... إلى يومنا هذا، فهاهم الحداثيون ودعاة التغريب لا يألون جهداً في مقاومة اللغة العربية وآدابها، ومحاولة وأْدِها والتخلص منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
حصاد التبعية والتغريب!
وبعد أن عرض –المؤلف- صوراً مختلفة لألوان التبعية الفكرية والثقافية في مختلف الميادين، يتساءل قائلاً: تُرى.. ماذا كانت نتيجة هذه التبعية للمذاهب الأدبية الغربية؟ وما هي ثمرة الهرولة وراء كل بدعة فكرية أو فلسفة أدبية جديدة؟! وما هي الخطورة التي ترتبت على الدعوة إلى تجديد الشعر في العصر الحديث؟ ولماذا فشلت كل هذه المحاولات –رغم الجهود المضنية التي بذلها الشعراء والنقاد من أصحاب هذا الاتجاه؟!
بطبيعة الحال، كانت النتيجة سيئة غاية السوء، فقد طغى الفكر الاستشراقي المعادى للعروبة والإسلام، والذي كان –بمثابة- تمهيداً للغزو الفكري، كما أن هذه الموجات العاتية من المد الفكري التغريبي، وجدت عقولاً انهزامية تستجيب لكل أصدائها، ووقعت هذه العقول فريسة هذه الاستجابات العمياء للثقافات الوافدة .. وقد بلغت المأساة ذروتها حين وجدنا من يروج لهذه المذاهب، ويركب موجاتها المخادعة التي تغرق في غياهبها كل من يأوي إليها أو يحتمي بها.
وقد تأثرت الحياة الثقافية والفكرية بهذه الموجات الطاغية من المذاهب الغربية، ففسد المناخ الأدبي في بلدان العالم العربي، وشوهت الحياة الفكرية وغابت رؤاها.
وكثير من رواد الفكر "المزعومين الواهمين" في بلادنا المغلوبة على أمرها، قد صنعوا من فكرهم بوقاً يردّد في غير وعى مبادئ المذاهب الوافدة، ويروّج لها ويحاكيها في مؤلفاته وآرائه، وأحياناً كثيرة يقوم بعض هؤلاء "الواهمين" بسرقة الأفكار التغريبية وتقديمها في صورة مشوهة ممسوخة، كما هو الحال في المؤلفات التي يتحدث أصحابها عن "البنيوية" و"التفكيك" و"الألسنية" وغيرها من مفردات الحداثة!
وضمن حصاد التبعية والتغريب –كما يقول المؤلف-: أن الأدب الحديث في بلادنا –بكل أجناسه– ازداد تأثراً بهذه المذاهب، وتحوّل بعضه على يد "المتغربين" إلى دعوات فاجرة وهجوم شرس على العقيدة الإسلامية وتراثها، فلم يقتصر التأثير على استعارة الأدوات الفنيةً، بل امتد إلى الخلفيات الفكرية والفلسفية التي تصدر عنها المذاهب الأدبية الغربية، وصدرت قصص ودواوين تحمل صورتها وتدعو إليها صراحة وضمناً.
كما توزّع قسم من أدبنا خلف الأيديولوجيات الكثيرة المختلفة ووجدت الماركسية قبل سقوطها أدباء يجسدون أفكارها، ويدعون من خلال أعمالهم الأدبية إلى الالتحاق بها.
ووجدت الكتلة الغربية أبواقاً تدعو بقوة إلى اعتناق حضارتها وتقليد فنونها وآدابها، بل إن النصرانية التي هُزمت في بلادها وعُزلت عن الحياة، دخلت بفضل الغزو الفكري إلى إنتاج عدد كبير من أدبائنا ومثقفينا … وقد خلف هذا التيار وذاك آثاراً كبيرة في الأدب المعاصر في مقدمتها الرموز النصرانية المتفشية في الشعر الحديث، وقصص الإنجيل التي أصبحت مادة أساسية لعدد من الشعراء والقصاصين.
ومما يزيد الطين بِلة، ظهور أعمال أدبية تعبث بالقيم الإسلامية، كما ظهر في الأدب العربي الحديث اتجاه نحو العبث بالمفاهيم الدينية العليا، والاستخفاف بمقام الألوهية!
وهكذا اختلطت الأصوات وتوزّع قسم وافر من أدبنا المعاصر وراء المذاهب الأدبية الغربية، وحمل أدواتها الفنية من جهة، وقيمها وتصوراتها من جهة أخرى، ففقد كثيراً من ملامح الشخصية العربية الإسلامية، وتحوّل إلى حربة تهاجم الإسلام والمسلمين بشكل سافر، وتتطاول على المقدسات بوقاحة كبيرة.
وهذا هو السبب الرئيسي وراء تراجع الأدب العربي عن موقع الريادة، وبالتالي تفوقت الآداب الأخرى عليه فى الحقبة الأخيرة! وذلك لأن الأدب العربي الحديث انحرف عن طريقه الطبيعي بما دخل عليه من مفاهيم وقيم وافدة من ناحية المضمون وبما اصطنع من أساليب غربية من ناحية الأداء.
والنتاج الأدبي القائم بين أيدنا –كما يرى المؤلف- لا يمثل حقيقة المشاعر النفسية والاجتماعية للمجتمع، كما أن أسلوب أدائه غريب على الأدب العربي تماماً.. كذلك، المصطلحات التى تستعمل الآن فى الأدب العربي دخيلة عليه وغريبة عنه، فهو يحاول أن يخضع لأطوار الأدب الغربى التى تنتقل بين الكلاسيكية والرومانتيكية، ومن السريالية إلى الوجودية، وهو الآن يحاول أن يقف فى خضوع أمام النظريات الوافدة كالبنيوية وأخواتها.. فالشعر الجميل انحرف إلى ما أسموه بقصيدة النثر والشعر الحر، وتدنى إلى مفاهيم مكشوفة، وأداء ردئ ومُبتذل.
أما القصة فإنها تقوم على تصورات غربية مُقتبسة من الآداب الغربية ولا تمثل النفس العربية المسلمة أبداً، وهى تحاول أن تصور الإنحراف والفساد والتحلل علىأنها علاقات طبيعية فى المجتمع! وهو ما يجرى عليه أغلب كُتاب القصة الذين يصدرون أساساً عن مفهوم علمانى.. هذا النتاج كله باسم الأدب العربي إنما يمثل انحرافاً طرأ على الأدب العربي بدخول المذاهب الوافدة عليه وعلى المجتمع أيضاً.
وانطلق دعاة التغريب يرددون بوعي وبدون وعي: أن الأدب العربي له استقلاليته عن الفكر الإسلامي، وله حريته فى مجال الأداء ودون اعتبار للمسئولية الأخلاقية والحدود والضوابط التى قررها الإسلام للمجتمع، وهذه أخطر السهام المسمومة التى أصابت الأدب العربي الحديث والمعاصر، فضلاً عن تبعيته المطلقة للآخر.
ويأسف –المؤلف- أنه غاب عن أدبائنا ومثقفينا أن قدرة الأدب العربي على الدخول فى مجال العالمية لا تكون بالتبعية للمذاهب الغربية، وإنما تكون بالتماسه مفهوم الإسلام. خاصة أن الواقع الذي يعيشه المسلم يجعله أحوج من أي وقت مضى إلى الكيان الإسلامي المتكامل والشخصية الإسلامية المتميزة في بنيانها الفكري والاقتصادي والفني والأدبي.
فبسبب طوفان المذاهب الأدبية الغربية، غدا الأدب أحد أدوات الغزو الفكري، ووظّف في خدمة المبادئ الهدامة، وكأن الزمان قد استدار كما كان أول أيام المجتمع الإسلامي في المدينة، عندما كان المشركون يرشقون المسلمين بالقصائد، وينالون فيها من عقيدتهم ورجالهم ونسائهم .. أكاد أقول إن ما يعانيه المسلمون اليوم من الأدب والفن أشد مما عانوه من قبل، فالهجوم أشد وأعمق، والأسلحة تجاوزت الشعر إلى أجناس الأدب كلها.
فأمتنا تشهد اليوم انسلاخاً حضارياً، وعدواناً تدميرياً من جنود دعاة الأدب الرقيع، من ذلك ما يردده أهل الباطل من زخرف القول، وما يدعونه من حياد الفن، وتحرره من قيود العقيدة، وهؤلاء يقدمون أدباً سخيفا وفناً مدمراً للأخلاق، ومدمرا للشعور، زاعمين أنه لا علاقة بين الدين والأدب، كما زعم إخوانهم في الغي أنه لا علاقة بين الدين والسياسة!
الهجمات المغرضة على الشعر العربي
ويتساءل –المؤلف-: ما هي الخطورة التي ترتبت على الدعوة إلى تجديد الشعر في العصر الحديث؟ ولماذا فشلت كل هذه المحاولات اليائسة والمغرضة؟
فيقول: لأنه لم تكن الدعوة إلى تجديد الشعر صادقة من الأصل، فالتجديد عندهم كانت فحواه التخلص من الموسيقى، هذا الباب الذي دخل منه شعراء الحداثة بدعوى أن "القصيدة العمودية" تحجر على الشاعر آفاق الرؤية، وتقص من أجنحة الخيال، وتجعله يرقص في السلاسل، وقد بدأ الأمر في البداية محتشماً بالالتزام بتفعيلات الخليل، إلا أن الأمر انتهى بعد ذلك إلى الشكل الهجين الذي يسمى (قصيدة النثر) والى الدعوة إلى التخلص من كل لون من ألوان العروض الخليلي، وقد كان ذلك يتم على صعيدين،الإنجاز الشعري من جهة بقيادة أدونيس وصبيانه، والإنجاز النقدي من جهة بقيادة كمال أبو ديب وربائبه... كما سنرى في الصفحات المقبلة!
وقد برزت من خلال ذلك كله نظرية "الحداثة" الغربية التي كان يمثلها المستقبليون في أوائل هذا القرن وتركزت مبادئهم في التمرد على الماضي والحاضر، والدعوة إلى تحطيم اللغة الشعرية التقليدية وتحرير الكلمات من معانيها الموروثة، والتخلص من العقل والمنطق، وتدمير القواعد والتراكيب اللغوية طلباً لحداثة اللغة، واستجلاباً للغموض الذي يعد ملمحاً أساسياً في شعرهم استلهاماً من المذهبين الرمزي والسريالي.
أغراض الشعر عند الحداثيين
وينتقل –المؤلف- إلى الحديث عن أغراض الشعر عند دعاة الحداثة، فيقول: لقد كانت أغراض الشعر عند "الحداثيين" تختلف عما عرفته الأمة منذ أكثر من ستة عشر قرناً من الزمان .. فلم ينظم أحد منهم قصيدة وطنية أو من الإخوانيات أو حتى عاطفية، إنما كانت أغراض شعرهم الجديد تسير في اتجاه نحو العبث بمقام الألوهية، ونشر الصور والعبارت التي تهوّن من شأنها، بل وتتطاول في وقاحة شديدة عليها، وتصور القدر على أنه ظلم محض، يعاند الرغبات البشرية المشروعة، ويحبس لحظات السعادة عن البشر، تمشياً مع التصور الإغريقي الوثني للآلهة التي قد ينتصر عليها الإنسان بالذكاء والمغامرات والمجازفات!
ومن أغراض شعرهم الجديد، رأينا أشعاراً أخرى ترفض بشدة مفهومات الشريعة الإسلامية، والسخرية من الوحي، والاستهزاء بالأنبياء، وقلب الرموز الإسلامية، وتشويه دلالتها، فضلاً عن إشاعة الرموز اليونانية والوثنية مثل: سيزيف، بروميثيوس، أوديب، عيون ميدروزا، بركان فيزوف، أفروديت، أبوللو، فاوست، زيوس، بنلوب، جوكست، أورفيوس، تموز، أدونيس، جلجامش، عشتار، طائر الفينيق، كذلك مفردات العقيدة النصرانية وطقوسها مثل الخطيئة، والصلب، والفداء، والأقانيم، والكنيسة، وغيرها مما غصت به كتابات الحداثيين... حتى غدت هذه الرموز نمطاً متكرراً مملاً، ينقلها شاعر عن آخر نقلاً ببغاوياً ممسوخاً، فإذا تحدث البياتي أو بدر شاكر السياب عن سيزيف، ومعاناته في عبث الحياة، ولا معقوليتها، جرى وراءه قطيع من شعراء الحداثة، وأقحموا أسطورة سيزيف إقحاماً في قصائد باهتة، لا تجد فيها أي مبرر لإقحام هذه الأسطورة في نسيجها الفني، وإذا تتبعت رمزاً آخر كالسندباد وجدته ينتقل من السياب، إلى خليل حاوي، إلى خليل الخوري، ثم إلى أقلام من سواهم من صبية أدونيس، فيما يشبه العدوى الفنية!
وبحسب أن تعلم أن رمز "المسيح" ورد في ديوان "أنشودة المطر" للسياب حوالي أربع وعشرين مرة، حتى لكأنك تظن السياب شاعر مسيحي. وما ذلك إلا انسياقاً وراء "إليوت" الشاعر المتعصب للكاثوليكية!
وفي حالة استلهام الحداثيين للتراث العربي والإسلامي، يقدمونه بشكل مشوّه، ويختارون منه النماذج والشخصيات الشاذة المنحرفة، أو التي احتاطت الأمة بحذر شديد من أفكارها وآرائها، كالحلاج، والسهروردي، ومهيار الديلمي، وأبي نواس، وبشار.. وغيرها.
من يدفع أجر الزمّار؟!
وقد ختم –المؤلف- كتابه بتوجيه ضربة قاضية لمعسكر الحداثيين، وذلك بعرض بعض ما جاء في كتاب "الحرب الباردة الثقافية" الذي يُعرّي "ميليشيات الحداثة" أو "مارينز الثقافة العربية" حتى من ورق التوت الذي تواروا خلفه، كما يكشف دور المخابرات في عملية الاستيلاء على عقول البشر، ويفضح أكذوبة "السلام الأمريكي" الذي يبشر بعصر تنوير جديد يطلقون عليه اسم "القرن الأمريكي" أو هكذا زعموا!
فيقول: إن خطورة كتاب الحرب الباردة تكمن في قدرة مؤلفته على سرد الحقائق المتراكمة وجمع الصورة بجوار الصورة من خلال الصبر والأناة في جمع المادة الأرشيفية والشهادات لتكشف عن دور المخابرات الأمريكية في عالم الفنون والآداب، وتكشف لنا سر مواقف وتحولات عديدة في عالم الثقافة، عندما كان مثقفو الستينات الملتزم في مصر والوطن العربي يرقبها فاغراً فاه، دون أن يدرى أسبابها.
ويدور موضوع هذا الكتاب –كما يشرح المؤلف- حول مؤامرات الـ CIA المخابرات المركزية الأمريكية والدور الذي لعبته في عالم الفنون والآداب بتمويلها لأنشطة ثقافية ومهرجانات فنية وموسيقية وإنشاء مجلات أدبية واتحادات فنية وموسيقية وإنشاء مجلات أدبية وإقامة مكتبات عامة ومراكز ثقافية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوربا لمواجهة المد الشيوعي ونفوذه الفكري والثقافي وسط تجمعات المثقفين، وذلك بغية الترويج للنمط أو "النموذج الأمريكي" في الحياة والفكر والثقافة.
إن هذا الكتاب الذي قامت بتأليفه الباحثة الأمريكية "فرانسير ستونر سوندرز" يقع في نحو خمسمائة صفحة من القطع الكبير، ويتضمن 26 فصلاً، إلى جانب مقدمة المؤلفة.
وتتناول الفصول نوعاً من السرد التاريخي لـ"نشوء الفكرة" فكرة الحرب من خلال الثقافة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط الأقنعة وانكشاف الأدوار وإفلاس اللاعبين في أواخر السينيات.
فالحكومة الأمريكية أدركت أن المساعدات الاقتصادية وحدها لا تكفي لجذب الدول إلى معسكرها والتخلي عن الاشتراكية، ومن هنا اتجهت السياسية الأمريكية إلى تصويب ضرباتها على جبهة الثقافة العريضة بما تشمله من أفكار وفنون وآداب وعلوم وكل ما يتعلق بالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية في محاولة متواصلة لتغيير أذهان الشعوب وتشجيعها على كراهية النموذج القديم بتقديم النموذج الرأسمالي الأمريكي ثقافياً، بأبعاده في الحرية الفردية والعمل على استزراعه في مختلف البيئات -وبمعنى آخر- وكما تقول "المؤلفة": "يد تقدّم الخبز ويد تقدّم ثقافة دولة الخبز" فيحدث التحول التدريجي من الثقافة التقليدية أو السائدة إلى الثقافة الرأسمالية.
وترى –المؤلفة- أن ما فعلته المخابرات الأمريكية في عالم الفن والأدب لإعادة بناء البنية الثقافية في العالم بما يؤدى إلى كراهية النمط القديم والسعي وراء النموذج الأمريكي يؤكد شرعة الثقافة في التأثير على الوعي وعلى الوجدان من خلال الرواية الأدبية والدراما في السينما والتلفزيون والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية، بحيث يتم تدريجيا التخلي عن نمط قديم، واكتساب نمط آخر، خاصة إذا كان هذا النمط الآخر يركز على الحريات المطلقة دون ضوابط مقابل القيود القائمة في الشرق! فالجماهير كانت تتشرب على مدى أكثر من أربعين عاماً وبالتدريج ثقافة معادية تداعب غرائز التملك والتفوق والأنانية فأثبت هذا في النهاية أن تغيير نمط في السلوك والفكر أقوى من تغيير نمط الإنتاج.
إن هذا الكتاب هو أقوى صفعة في وجه التيار الحداثي المنبهر، لأنه أورد بالأدلة والبراهين والحجج الدامغة أسماء الأدباء والمثقفين التغريبيين، وكذلك أسماء الصحف والمجلات التي كانت تمولها أجهزة الاستخبارات الغربية!