حين اختفى وجه هند رواية لهاني السالمي

داود إبراهيم الهالي

داود إبراهيم الهالي

الرواية من تأليف الكاتب هاني السالمي، صدرت عن مركز أوغاريت الثقافي في رام الله برعاية نرويجية حديثاً (2010). وتقع الرواية في إحدى وثلاثين صفحة بمقياس ورقي غير مألوف بدا على شكل مجلة للأطفال، وبورق مصقول وبطبعة ملونة، وقد قدّم السالمي إنتاجه على أنه رواية لليافعين، احتوت على ثماني صفحات خصصت للرسومات الكبيرة.

تدور أحداث الرواية في الزمن الحاضر، وتتمحور حول فكرة رئيسة هي أن بنات اليوم لهن الحق في العيش بحرية أكثر من تلك التي حظيت بها أمهاتهن وجداتهن، وقد مثلت شخصية هند بطلة الرواية البنت التي تبحث عن حريتها في عالم يطغى عليه الرجال، وأما شخصية سعاد جدة هند، فهي تلك الجدة التي عادت كما ترى هند لأنّ هناك شيئاً كان ناقصاً في حياتها، وكانت تحبُّ أن تستكمله، لكنها ماتت قبل أن تفعل ودون أن تدافع عن شخصيتها، وعاشت وماتت دون أن يهتم أحد بوجودها (صفحة16).

ولا يخفى على قارئ هذه الرواية أن الكاتب أراد أن يوصل رسالة يدعو فيها إلى تشجيع البنات اليافعات على السعي دوماً للمطالبة بحقوقهن، واختيار السبل التي يرغبنها في هذه الحياة بعيداً عن سيطرة الرجال، وقد جاء ذلك على لسان إحدى صديقات هند، وهي آلاء بقولها: "نحن الفتيات نعاني كثيراً من مدنيتنا: الحرية، اتخاذ القرار، الرجل والسيدة، الخروج من المنزل دون مرافق، مئة سؤال وسؤال قبل الخروج وبعد العودة" (صفحة 16).

اختار الكاتب من الحلم والخيال الطفولي الجو المناسب لتقديم روايته التي يكون حدث اختفاء وجه هند الطفلة، وحلول وجه جدتها سعاد مكانه العقدة التي تدور حولها الأحداث التي يطغى عليها الحوار، وتقل فيها الصور الفنية والتشبيهات، وموحياً بأن الحياة بيد الرجال دون النساء، فالمصور رجل، والمدرس رجل، والبواب رجل، وفي البيت لا تظهر الأم بل الأب بريشته التي تتجاهل الجدة، وتبرز ملامح الجد (صفحة 3). دون أن يضع القارئ في مكان وزمان محددين، وكان بإمكانه الإشارة إلى ذلك في صفحة (6) بدلاً من وضعنا بين مجلة الخط الأخضر وملبن القدس.

يحاول الكاتب أن يقدم صورة قاتمة لزمن "جداتنا" فهن محرومات من الذهاب إلى السوق لشراء الخضروات واللحمة، ووفقاً للحوار الذي دار في حلم هند، فإن الجدة سعاد تخاطب الجد قائلةً: "كنتَ دائماً تجعلني ألبس اللون الغامق فقط، رغم حبي للألوان الزهرية.... كنتَ تسخر مني وتقول: أنتِ امرأةٌ لا تقدر على حمل الأشياء." (صفحة 18). ويبدو أن الكاتب قد بالغ في تصوير مكانة المرأة قديماً، متجاهلاً الدور الذي لعبته المرأة أي "زمن جدتي" فمشاركتها الرجل لم تقتصر ضمن فناء المنزل بل تعدته في ظروف حياتنا نحن الفلسطينيين، وإن فقدت حقوقاً كثيرة لها إلاّ أن الأمر لم يكن بهذه السوداوية المفرطة، وهنا يُطرح السؤال: هل علينا دائماً أن نبالغ في تصوير الحاضر والماضي لكي يغدق علينا الأفرنجي من عطايا اليورو والدولار، كما دأبت منظماتنا الحكومية وغير الحكومية على ذلك في التقارير والدراسات، والآن في الأدب بدلاً من أن يكون الأخير مصوراً للواقع ومنصفاً للماضي؟ أم ترانا نتوهم أننا بذلك سننتصر في حرب غريبة يكون ضحيتها تراثنا الأدبي.... وبكل تأكيد سنكون نحن ضحاياها.

ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع- القدس