سوريا ....لا خبز ...ولا حرية

سوريا ....لا خبز ...ولا حرية -2

عرض: د.خالد الأحمد *

نشر الصحفي البريطاني ( آلن جورج ) هذا الكتاب بالانجليزية عام (2003) وترجم إلى العربية من قبل الدكتور حصيف عبد الغني عام (2006) وهذه مقتطفات من الكتاب كالخلاصة ، ومابين المعقوفتين للباحث الحالي .

الفصل الثاني

قيام حركة المجتمع المدني

قال لي رياض سيف عند مقابلتي له في مكتبه : "كلنا رأي واحد"، نريد  كحد أدنى خلق دولة الحق والقانون حيث يتمتع كل مواطن سوري بحقوق متساوية. ولكل مواطن فرص متساوية عادلة للتنافس ولكي نصل إلى هذه الحال نريد العناصر الأساسية البديهية للديمقراطية: انتخابات حرة، برلمان مستقل، محاكم مستقلة إعلام حرّ ومجتمع مدني بمنظماته غير الحكومية الرسمية .

كان سيف مرة، أحد عصاميي رجال الأعمال الموسرين وكانت صناعته المحلية تنتج أصنافاً رفيعة الجودة نادرة المستوى، فعاقبته الدولة وأشهر إفلاسه ثم اعتقلته بعد وقت قصير من مقابلتي له. ولقد انتخب للبرلمان كمستقل في قائمة دمشق عام 1994، وأعيد انتخابه مرة ثانية لأربع سنوات أخرى عام 1998، رغم أن السلطات قد عقدت العزم على محاربته بإثارة حملة لتشويه سمعته. ولقد ذكرت قبلاً أن وزارة الإعلام حاولت إقناعي بعدم مقابلته على أساس أنه فاسد ولا يمثل إلا نفسه".أنا العدو الأول"، قال لي ضاحكاً  "يريدون عزلي بأقصى ما يستطيعون". سيف هو ابن نجّار من الطبقة العاملة في حيّ الميدان بدمشق، ولقد حصل على عمل بنصف دوام في أحد معامل الألبسة عام 1959. وعام 1963 أسس مع إخوته معملاً صغيراً توّسع بعد ذلك ليصبح أحد أكبر معامل صناعة الثياب، يعمل فيه (1400) موظف وكانت شركة (أديداس Adidas) العالمية المتعددة الجنسية أكبر زبون له. وعندما دخل البرلمان لم يظهر أية مراعاة للنظام الحاكم وأدان بصورة متكررة سوء إدارة النظام للاقتصاد وللعديد من نواقصها وعيوبها. وكانت ردة فعل النظام الحاكم باتهامه رسمياً بالتهرب من دفع ملايين الليرات السورية كضرائب... متأخرة عليه، وكانت نتيجة هذه الملاحقة الشيطانية إفلاسه. ولقد تسلح النظام في ملاحقته بتهمة أنه "فاسد" -بتهمة مضحكة، من نظام فاسد- وحاولت السلطات وفشلت في منع انتخابه للبرلمان مرة ثانية في عام 1998.

   بدأت حركة [ المجتمع المدني ] بعد ساعات فقط من موت الأسد"، هكذا قال صبحي حديدي، "ولم تكن في سورية فقط، لقد تشجع الناس للكلام بصوت مرتفع في لبنان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، حيثما كان هناك ارتباط بسورية. لقد أحس الناس أن الرجل القوي قد مات ولدينا الآن... فرصة".

زرعت البذرة الأولى لحركة المجتمع المدني في سورية قبل موت الأسد باثني عشر يوماً، في 28 أيار عام 2000م خلال اجتماع في دمشق بمنزل المخرج السينمائي نبيل المالح. ونظم الاجتماع الكاتب والمعارض القديم ذو الستين من العمر، ميشيل كيلو الذي سجن من عام 1980 إلى 1983 في ذروة التمرد الشامل الذي عمّ البلد على النظام الحاكم. وضم الاجتماع الشاعر والكاتب عادل محمود والمخرج السينمائي محمد القارصلي. وكان موضوع الاجتماع:  "كيف يمكننا إحياء الحركة الثقافية والديمقراطية في سورية؟"... كما يتذكر ميشيل كيلو. كان الاجتماع هو افتتاح لحركة المجتمع المدني في سورية".

واستمرت هذه المجموعة في لقاءات غير رسمية إلى أن أعلنت عن نفسها رسمياً كمجلس تأسيسي للحركة التي أطلق عليها اسم (لجان إحياء المجتمع المدني في سورية).

"كان لدينا خياران" كما يتذكر ميشيل كيلو، وكان يتكلم عن الموضوع في بيته المليء بالكتب في شرق دمشق قرب ساحة التحرير وعلى مقربة أيضاً من مسجد الفردوس ومركز رئاسة أركان المخابرات الجوية البشعة المنظر.

وحسب قول إبراهيم حميدي، مدير مكتب جريدة الحياة في دمشق، فإن الاثنين عبد الحليم خدام وبهجت سليمان أشارا على (سيف) بتأخير تشكيل جمعيته المخطط لها لأن سورية تدخل فترة إصلاحات وانفتاح في جميع الميادين وفي المستقبل القريب سيصدر قانون تشكيل الأحزاب السياسية. ثم قالا لـ (سيف) بدل أن تقيم جمعية أو لجنة للمجتمع المدني، تستطيع حينها تأسيس حزب سياسي والآن يمكنك إقامة مناقشة عامة عن مبادئ وأولوية الحزب.

والانزعاج الذي شعر به بعض أطراف النظام الحاكم من الدعوات للديمقراطية ظهر للعيان أيضاً في ردّة الفعل على رسالة مفتوحة لبشّار الأسد من فيلسوف سوري بارز هو:  انطوان المقدسي ونشر في جريدة الحياة في14آب، ليطالب بإصلاحات مماثلة. إذ ذكر المقدسي في الرسالة: أن وضع الشعب السوري يجب أن يتغير من (أتباع) إلى (مواطنين). وجاء الرد الرسمي سريعاً وألغي عقد عمل المقدسي مع وزارة الثقافة.

وفي كانون أول عام 2000م استلم المقدسي جائزة الأمير الهولندي (كلاوس) للثقافة والتنمية، و(كلاوس) هو زوج ملكة هولندا (بياثركس) وأنشئت الجائزة تخليداً لبلوغ الأمير... السبعين من العمر.

ومتشجعاً بما قاله خدام وسليمان اعتقد (سيف) أن خططه ليست بعيدة جداً عن النظام الحاكم فتابع نشاطاته: "قررت أن أفتح رأساً منتدى في منزلي مستفيداً من حصانتي كعضو في البرلمان. فدعوت الناس إلى بيتي – كل نهار أربعاء لدراسة موضوع المجتمع المدني. وكل أسبوع كان يقدم أحد الأساتذة محاضرة لمدة ساعة ثم تناقش هذه المحاضرة خلال ساعتين من الزمن. وكانت المحاضرة الأولى في أوائل أيلول لأنطوان مقدسي. وكان عدد الحاضرين يتراوح بين مئتين إلى مائتين وخمسين شخصاً".

وبعد ذلك في تشرين ثاني تقريباً، بدأت تظهر منتديات أخرى في دمشق ثم في مدن أخرى، كما يتذكر (سيف) وفجأة صارت منتديات المجتمع المدني في كل أنحاء سورية وليست فقط في دمشق، كما ذكر صبحي حديدي".كان هناك شعور بأن الحرية تتسع باستمرار، وخلال ستة أشهر من استلام بشار الأسد للرئاسة ظهرت مئات المنتديات أكثرها كانت تعقد في البيوت ، وكان الذين يحضرونها يعرفون تماماً أن ردة فعل عنيفة من قبل السلطات لا يمكن استبعادها".وما أن جاء شهر كانون الثاني عام 2000 - إلا وأصبح موضوع المنتديات – موضة – وكل أسبوع تسمع إعلاناً عن افتتاح منتدى جديد". كما ذكر (سيف).

بيـــان الـ(99):

المعْلم الكبير في تاريخ حركة المجتمع المدني في سورية كان يوم 27 أيلول 2000م عندما نشرت جريدة الحياة بياناً موقعاً من 99 مثقفاً سورياً من المهنيين والفنانيين يطالبون بإنهاء حالة الأحكام العرفية التي أعلنت مع قيام النظام الحاكم منذ عام 1963، وبعفو عام عن جميع المعتقلين والمنفيين السياسيين، وإقامة حكم القانون الذي يعترف بالتعددية السياسية والثقافية وحرية التجمع وحرية التغيير وحرية الصحافة –والإعلام– وتحرير الحياة العامة من القوانين المقيدة لها والمضايقة، ومن جميع أشكال الرقابة المفروضة عليها ...

بيــان الألــف (1000)

برزت ثنائية واضحة داخل حركة المجتمع المدني. شعر فريق أن خير استراتيجية هي تحالف ضمني مع الاصلاحيين داخل النظام الحاكم (!) وان المطالبة بالكثير من الإصلاحات بسرعة قد ينفر البعض من رجال النظام، ومنهم بشار، الذين يعتمد عليهم لنجاح الإصلاح. أمّا الفريق الثاني من حركة المجتمع المدني فكان غير مستعد لأنصاف الحلول وألّح أن النظام غير قادر على إصلاح نفسه وأن على الحركة الاستمرار في مطالبها مهما كان موقف النظام الحاكم. وبعض المراقبين وضعوا ميشيل كيلو مع الفريق الأول ورياض سيف مع الفريق الثاني

وعدد البيان ثمانية تدابير ملحة:

1 - إلغاء حالة الطوارئ والمحاكم الخاصة والأحكام العرفية، وإطلاق سراح المعتقلين والمساجين – السياسيين ، وعودة المبعدين السياسيين.

2 - إطلاق الحريات السياسية وأبرزها حرية الرأي والتعبير والتشريع لتنظيم النشاطات للأحزاب السياسية ...

3  - إعادة قانون المطبوعات والإعلام بعامة ليضمن حرية الصحافة والنشر.

4 - إصدار قانون ديمقراطي لتنظيم الانتخابات على جميع المستويات تحت رقابة قضاء مستقل ليصبح البرلمان –أو المجلس النيابي– مجلساً تشريعياً حقيقياً –أصيلاً– ومؤسسة رقابية تمثل إرادة الشعب.

5 - ضمان الاستقلال التام وسلامة القضاء وتطبيق القانون بالتساوي على الحاكمين والمحكومين.

6 - إعطاء المواطنين حقوقهم الاقتصادية (وأكثرها في نصوص الدستور) وبخاصة حقوقهم بحصتهم العادلة من الثروة الوطنية والعمل المناسب، وحفظ حقوق الأجيال القادمة في نصيبهم العادل من ثروة الوطن وحقهم في بيئة نظيفة.

7 - أصبح لزاماً إعادة النظر في علاقات الجبهة التقدمية الوطنية بالحكومة، وإعادة النظر في فكرة أن (حزب البعث) هو الحزب القائد للمجتمع والدولة.

8 - إنهاء التمييز القانوني ضد المرأة.

               

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية