سيد الذباب
قراءة روائية ..
وليم غولدنغ |
الباحث / محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة |
في روايته (سيد الذباب) لم يجد (وليم غولدنغ) وهو بصدد محاولة تصوير الواقع الأخلاقي والاجتماعي للبشرية خيراً من تأطيرها بإطار الحياة البدائية الراكدة ، ولو تجاوزنا مدلول الانتقال الرهيب من حياة الحضارة الحديثة إلى واقع بدائي مفاجئ - حسبما تقرر ملابسات الرواية - وحاولنا الولوج في خضم هذا الواقع وصور كائناته والتركيبة النفسية والنزعية فيها ، تلك الكائنات التي تفجر سكون الغابة - موطن الحياة البدائية - وتضرمها ناراً حسية مرة ومعنوية أخرى ، وتعيد إلى ذاكرتها وحشية أسلاف لهم خلوا من قبل ، ولتكون شاهدةً على ما يمكن للإنسان فعله في سبيل التمتع ببهجة السلطة ..
ويسوق أوّلُ فصول الرواية شكل الظرف الذي وضع صبية صغارهم لم يتجاوزوا العقد الأول من حياتهم ، وكبارهم في سنيِّ المراهقة وبواكيرها ، في جزيرة خالية إلا من أشباح تتوهمها العقول الصغيرة وتحاول التشكك بوجودها عقول المراهقين ، ظرف يتمثل في صبية غير متعارفين على متن طائرة تطيح بها عاصفة على شاطئ جزيرة ، وينفق - على ما يبدو - طيارها ، لتكتمل بذهابه مع مركزه وسنه أهمُّ عقدة في حياة الصبية هي عقدة (الإمرة) ، وليدعها لاختيار صغار ومراهقين خوت أفهامهم من التجارب إلا من النوازع النفسية المتباينة تبايناً حاداً .
وبالسرعة التي تُألِّفُ عادةً بين عالقَين في مأزق ، تألفت المعرفة والصداقة بين (رالف) ذي الاثني عشر ربيعاً و(بيغي) الصبي السمين الذي ابتلي بالإضافة إلى سمنه بضعف نظره وبأزمة ربو تماحك تنفسه وباسم يثير الهزء في أوساط الصبية ، ولا يلبثان وهما يتجولان في ناحية من الجزيرة بحثاً عن ناج ينضم إليهما أن يجدا بوقاً صدفياً يُغري (رالف) المتزن والعاقل باللهو ، ويلفت انتباه (بيغي) الذكي إلى قيمته في جوِّ المحنة ، فيتحول البوق إلى أداة إعلام تلمُّ الحشد الصبياني المتفرق ، ومن ثم إلى رمز قيادة بعد تجمع الشمل وانضمام (جاك) الصبي الأكبر سناً ، والذي يشير وجودُ صبية تحت إمرته (فرقة جوقة) إلى شخصية قيادية .
وتبدأ محنة القيادة التي يتنازعها (رالف) صاحب البوق الصدفي - أداة الإعلام - والشخصية القيادية المتزنة ، و(جاك) صاحب فرقة الجوقة والشخصية القيادية المتهورة ، و(بيغي) صاحب العقل المتميز ، وذلك حين يقول (رالف) :
- " يبدو لي أنه يجب أن يكون لنا رئيس لتقرير الأمور بيننا "
ويعقب (جاك) بعجرفته :
- " يجب أن أكون الرئيس ؛ لأنني رئيس جوقة وصوتي يتمتع بطبقات عالية " .
وينتهي الأمر إلى قرار الانتخاب الذي يعارضه (جاك) ربما لمجرد دلالته على أن هناك منافساً محتملاً ، ويعطي أفراد الجوقة أصواتهم لقائدهم في حين يحجم بقية الصبية في انتظار سؤال ترشيح (رالف) الذي يحظى بالأغلبية ، بالإضافة إلى صوت (بيغي) - صديقه والمرشح الثالث المحتمل - ولكن بعد تلكؤٍ من (بيغي) يحسمه يقينه بحتمية فوز (رالف) ، فيكسب بذلك دوراً وزارياً إلى جانب (رالف) .
ويخضع (جاك) لهذا القرار الغالب ولكن على ما ينطوي في داخله من حقد وتربص ، ويقدم لرالف ما هو حق أصلاً كدلالة على حسن نيته ، وهو ولاء فرقة الجوقة ، وتبرز عبقرية (رالف) السياسية في محاولة كسب جانب (جاك) وذلك بإبقاء فرقة الجوقة تحت الإمرة الثانوية لجاك :
- " جاك مسؤول عن أفراد الجوقة ، يمكنهم أن يكونوا ... ماذا تريدهم أن يكونوا ؟ "
- " صيادين " .
وابتسم (جاك) و (رالف) كل للآخر بود حذر ، وراح البقية يتكلمون بحماسة "
ولا تغيب عن (رالف) المسؤولية الأساسية لإمرته وهي البحث عن الخلاص من مأزق الجزيرة بالإضافة إلى تنظيم شؤون الصبية فيها ، ولذلك يقترح (رالف) تبين معالم المكان وهل هو جزيرة أو لا ، ويقترح الذهاب مع اثنين آخرين لتنفيذ المهمة ، ويختار (سيمون) ويتطوع (جاك) و (بيغي) ، ولكن (جاك) يغتنم الفرصة لتهميش دور (بيغي) ، خاصة عندما يلمس إعراضاً عن قبول (بيغي) في هذه المهمة من قبل الرئيس (رالف) :
- " لا نريدك ، يكفي ثلاثة " قال جاك بجفاء .
وهنا لمعت نظارتا بيغي :
- " كنت معه عندما وجد البوق ، كنت معه قبل أي شخص آخر " .
هكذا أدلَّ (بيغي) بأسبقيته في معرفة الرئيس وتواجده أثناء عثوره على البوق - رمز السلطة ، والذي لا يسمح لأحد بالحديث إلا وهو بيده كنظام يحد من الفوضى - .
ويتيقن (رالف) بعد الرحلة بأن الأرض جزيرة غير مأهولة ، وأن عليهم التعايش إلى أمد قد يطول ، ويقرر إطلاق نار على قمة الجبل وتعاهدها لإبقائها مشتعلة كعلامة تدلُّ السفن على الجزيرة لإنقاذهم .
ونعود إلى (جاك) الذي انطوت نفسه على ما انطوت منذ هزيمته الرئاسية ، ويُظهر بوادر تمرد مبطنة ليس على (رالف) مباشرة ، ولكن على قراراته كبداية .
فحين يطلب (بيغي) - وهو على الجبل - الإذن بالحديث على اعتبار وجود البوق معه يبادره (جاك) بقوله :
- " لا اعتبار للبوق على الجبل ، لذا اصمت " .
وتتفاقم هذه البوادر مع اشتباك (جاك) بحياة الغابة وتفاعله معها من صيد وإراقة دماء وشعوره المغرور بأن (رالف) أجبن من أن يصيد ويأمّن طعام الصيد للصبية ، ويظهر في موقف آخر - ليس على الجبل - ليعلن تمرده المجرد على قرار البوق حين يقول (بيغي) في مشادة بينه وبين (جاك) :
- " البوق معي "
- " البوق ! البوق ! " صرخ جاك " لا نحتاج إلى البوق بعد الآن ، إننا نعرف من يجب أن يقول شيئاً ما .. آن الوقت لأن يعرف بعض الأشخاص أن عليهم الإخلاد إلى الصمت وأن يتركوا تقرير الأشياء لنا نحن البقية " .
لم يكن بمقدور (رالف) تجاهل كلام (جاك) وراح الدم يغلي في وجنتيه :
- " البوق ليس معك " قال رالف " اجلس " .
لكن هذه البوادر المنذرة سرعان ما تتحول إلى كارثة انشقاق خطير ، إذ في المرة الثالثة يتجرأ (جاك) على طلب إقالة (رالف) وتنصيبه محله ، متخذاً من جبن (رالف) من الصيد ذريعة يتقدم بها إلى الصبية ، ومحاولاً إيغال صدور فرقته على (رالف) لأمن تمردهم على قراره الخطير بخلع (رالف) من الرئاسة .
- " قال رالف بأن صبياني الصيادين لا نفع منهم "
- " لم أقل ذلك أبداً "
- " البوق معي .. يعتقد رالف بأنكم جبناء تهربون من الخنزير ومن الوحش ... إنه ليس صياداً ، لن يكون في مقدوره أبداً جلبُ اللحم لنا ، إنه ليس بالإنسان الكامل ونحن لا نعرف أي شيء عنه ، إنه لا يقوم سوى بإعطاء الأوامر ويتوقع من الناس أن يطيعوه مقابل لا شيء ... "
ورفع البوق مقابل صدره بيد واحدة ثم طعن الهواء بسبابته :
- " من يعتقد بأن رالف يجب ألا يكون الرئيس ؟ "
نظر إلى الصبية المتحلقين الذين بدوا جامدين ، تحت شجر النخيل ساد صمت أشبه بصمت القبور .
- " ليرفع يده " قال جاك بقوة " كل من لا يريد رالف رئيساً "
وحينما ساد الوجوم على وجوه الصبية لهذا القرار المفاجئ بسطه (جاك) :
- " لن أكون بعد الآن جزءاً من جماعة رالف "
ونظر إلى الجذوع التي على اليمين وراح يعد الصيادين الذين كانوا جوقة واحدة ذات يوم .
- " سأستقل بنفسي ، ليصطدْ هو ما يحتاج من الخنازير ، وإذا أراد أي منكم الصيد حينما أفعل فبمقدوره مرافقتي " .
كان هذا حداً فاصلاً قاتلاً بين فئتين من الصبية لم يجد كل واحد منهم مناصاً من التسليم لأحد الزعيمين حتى يعيش في ظل جماعة ، وبدا لجاك أن يحاول مع من تبقى مع (رالف) من الصبية لكسب ولائهم وضمهم إلى صفه بالترغيب والترهيب ، سيما وأن غالبيتهم صغار ، فداهم مغسكر (رالف) بوجوه تختفي خلف أقنعة لأشكال شيطانية مندفعة مما أشاع الرعب في ضعاف قبيلة (رالف) .
وهرول اثنان من أتباع (جاك) إلى النار وانتزعا أغصاناً نصف محترقة بتغطية من بقية رفاقهم ، وصاح (جاك) :
- " اصغوا جميعاً .. أنا وصياديّ نعيش الآن على الشاطئ قرب الصخرة المسطحة ، إننا نصطاد ونقيم الولائم ونمرح ، إذا ما أردتم الانضمام إلى قبيلتي فتعالوا وشاهدونا ، قد أسمح لكم بالانضمام وقد لا أسمح " .
ومضى (جاك) وصورة اللحم المشوي تسيل لعابهم ورائحته الوهمية تملئ أنوفهم ، مما جعل عدداً منهم يتسللون خفية وعلى حياء إلى حيث يقيم (جاك) ، ويحاول (بيغي) - شأن الوزير المخلص - التقليل من حجم هذه الخسارة ، بل واعتبارها كسباً لقبيلتهم :
- " دائماً كانوا يثيرون الاضطرابات ، أليس كذلك ؟ "
أتاه الصوت قريباً من كتفه وبدا مشوباً بالقلق :
- " بمقدورنا التصرف من دونهم ، سنكون أكثر سعادة الآن ، أليس كذلك ؟ "
ومن جهته يحاول (جاك) شد بقية الصبية من حول (رالف) .
- " ... سأعمل على اجتذاب المزيد من الكبار بعيداً عن البوق - رمز السلطة الشرعية - ، وسنقتل خنزيراً ونقيم وليمة " .
كان هناك تضارب بين (رالف) و (جاك) بشأن الأهداف الرئاسية ووسائلها ، ففي حين يسعى (رالف) إلى محاولة إنقاذ الصبية وإخراجهم من الجزيرة ، يبدو مفهوم (جاك) للقيادة هو تأمين اللحم المشوي للجماعة ! حتى خطته لدرء الخطر المتربص بجماعته وجماعة (رالف) ، وهو (الوحش) لن يكون عنده بغير علاج الطعام:
- " وبالنسبة للوحش . حينما نقتل حيواناً ما سنترك شيئاً من الطريدة له وحينها لن يعود لإزعاجنا ".
ويتتابع المتسللون إلى معسكر (جاك) ويتابع (رالف) تظاهره بعدم المبالاة ، ويبدو أن (بيغي) شعر بخطورة موقف (رالف) ، سيما وأنه مع التوأمين وبعض الصغار الوحيدون المتبقون مع (رالف) ، هذا إلى جانب ضعفه أمام إغراء اللحم ، ودرايته بالموقف ذاته عند (رالف) . ويبدو أنه تصنع الشجاعة ليقول لرالف دون أن ينظر إليه :
- " لعله يجب أن نذهب نحن أيضاً "
ونظر (رالف) بسرعة إلى (بيغي) الذي احمرّ وجهه :
- " أقصد .. للتأكد من عدم حصول مكروه " .
وفي نفس (رالف) تقدير للحالة والوضع ، ومن ثم يمضي نحو معسكر (جاك) ليس في صورة المستسلم ، ولكن في صورة زيارة وليمة .
ويأمر (جاك) بإطعامهما ولكن بمباهاة من قبله لخطورة موقفه وملكيته للطريدة ، وعلى مسمع من (رالف) يسأل عمن يرغب في الانضمام إلى صفه ، وتند عن (رالف) حركة تلفت انتباه الصبية ، بينما يتابع (جاك) :
- " أعطيتكم الطعام ، وصيادي سيقومون بحمايتكم من الوحش ، من يريد الانضمام إلى قبيلتي ؟ "
- " إني الرئيس " قال رالف " لأنكم انتخبتموني ، وقد اتفقنا على أن تقوموا بالمحافظة على استمرارية النار ، والآن أجدكم تركضون وراء الطعام ... "
- " أنت نفسك ركضتَ أيضاً " صاح جاك " انظر إلى تلك العظمة التي بين يديك ! "
وامتقع لون (رالف) :
- " جوابي هو أنكم الصيادون ، وإحضار الطعام من واجبكم " .
ويتجاهل (جاك) وجود (رالف) مراراً ، ويخيم الظلام وترعد السماء ويهطل المطر ، ويسعى الصبية إلى حماس يلائم الجوَّ ، ويقومون برقصة يسفك فيها - عمداً أو عن غير عمد - أول دم بشري ، ويقضي (سيمون) الذي تسلل إلى داخل حلقة الرقص المجنونة .
وبعد هذه الحادثة يظهر (جاك) أكثر استعداداً للاشتباك مع قبيلة (رالف) بحرب قتالية ، فيداهم معسكر (رالف) بنفس الوجوه المطلية ، وتشتبك قوته بقبيلة (رالف) الهاجعة والتي تبلي - رغم ذلك - بلاءً حسناً ، ولكن أسوأ ما حصل هو خطف (جاك) لنظارة (بيغي) ذاتِ العدسة الوحيدة المتبقية ، الأمر الذي طعن (رالفاً) طعنتين قاضيتين ، فمن جهة قضت على هدفه الرئيسي - إذ كانوا يشعلون النار بالعدسة - ، ومن جهة يفقد (بيغي) نظره المتدهور تدريجياً ، والأمر الأخير ما يطمح إليه (جاك) بالإضافة إلى حاجته للعدسة لشوي الطرائد .
ولخطورة الموقفين معاً يقرر (رالف) زيارة معسكر (جاك) ، ومن ثم يقع تلاسن بين (رالف) و(جاك) ينتهي بمصارعة بينهما بالرماح ، ولكن دون جرأة على التطاعن بالرؤوس المسنونة القاتلة ، كأنما هو اتفاق ضمني بينهما .
ويأمر (جاك) بالقبض على التوأمين ، ويتأزم الموقف بمحاولة (بيغي) إلقاء خطاب حاول فيه تعديل وجهة الصبية مع (جاك) ، بينما (روجر) - أحد أتباع (جاك) - يطلق مفعول المصيدة المعدة سلفاً فتهوي صخرة ضخمة وتتجه نحو (بيغي) ، فتفجّر البوق الذي كان يحمله وتطوِّحُ به في الهواء فيسقط على ظهره فوق الصخرة المسطحة ويقضي نحبه ، ليشفي (جاك) غله من البوق الصدفي ومن (بيغي) بحجر واحد .
وكأنما أطلق ذهابهما (جاك) من عقاله ، وهوى الحاجز الذي كان يحدُّ من جرأته ، وأصبح يصيح بوحشية :
- " أترى ؟ أترى ؟ هذا ما ستحصل عليه ! لقد عنيتُ ذلك من الأساس ! لم تعد من قبيلة لك بعد الآن ! لقد رحل البوق ... " ، واندفع راكضاً إلى الأمام قائلاً : " أنا الرئيس " .
وبروح شريرة وعن سابق قصد أطلق رمحَه على (رالف) فشقَّ رأسُه الحادُّ الجلدَ واللحمَ فوق أضلاع (رالف) ثم هوى في الماء ، وتتابعت رماح القبيلة تحاول النيل من (رالف) الذي فرَّ وغيَّبته الغابة .
وكانت حركة (روجر) التي حطَّمت رأسَ (بيغي) والبوق الصدفي قد خلعت عليه لبوسَ جلاَّد الرئيس ، فاستعان به (جاك) لتطويع التوأمين .
" وراح (رالف) يحاول إقناع نفسه بأنهم سيتركونه وشأنه ولربما يكتفون بإعلانه خارجاً على القانون ، لكن بعد ذلك أتته مجدّداً فكرة القتل غير المعقول الذي مورس ، وشخص أمام ناظريه تهشم البوق وموت (بيغي) و(سيمون) ، تراءى له بأن ذلك كله حدث وتبخر بغير ضجة ، لابد أن هؤلاء المتوحشين المطليين سيتمادون أكثر فأكثر ، كما وأن هناك تلك العلاقة التي لا يمكن تفسيرها بينه وبين (جاك) ، ولذا فإن (جاك) لن يتركه وشأنه أبداً " .
وحاول (رالف) الاتصال بآخر من قُطع ولاؤه به ، والتقى بالتوأمين اللذين أخجلهما ولاؤهما الجديد ، وحاولا - بدافع الخوف من (جاك) وبدافع إنهاء حالة الخجل تلك - صرفه عن الوقوف إليهما ، ومن باب الشفقة أخبراه بنية القبيلة تمشيط الجزيرة بحثاً عنه .
وهكذا وجد الرئيس المخلوع نفسَه مطارداً من شعبه ، ولا يكاد يسلم وهو بعيد عن حياتهم السياسية ، بل وحتى عن حياتهم كلها .
وبعد مطاردة عنيفة لرالف وإحراقٍ لجزء من لفيف الغابة لإجباره على الخروج ، يلفت الحريق المستعر طراداً عسكرياً ماراً ، ليصل في اللحظة الحاسمة بالنسبة لرالف ضابطٌ يدهش لرؤية (رالف) ، ويُخمِّنُ من تعابير وجهه أن حرباً ما قائمة ، ويسأل الضابطُ (رالف) إن كان من ضحايا ، فيخبره الأخير بالقتيلين ، قبل أن تكون المطاردة بالنسبة للقبيلة قد انتهت ، فتبرز من بين الأشجار على المشهد غير المتوقع ، ويسأل الضابط عن الرئيس في الصبية ، فيصيح (رالف) بصوت عال : " أنـا " . حينها يهمُّ (جاك) بالتقدم ، إلا أنه يتراجع أمام الحلم الذي تجاهله هو ، وسعى إليه (رالف) حتى وافاه في أحرج لحظات عمره .
ويرخي (رالف) العنان لعبرات يهرقها على الصديق الوفي (بيغي) والقتيل الأول (سيمون) ، وعلى تنكر النفس البشرية وسقوطها المريع في عالم الوحشية ، وما يمكن أن تفعَلَه في تكالبها على السلطة والحكم ، وتنتقل في هذا الجوِّ العاطفي المشحون عدوى آلامه وأشجانه إلى أفراد القبيلة الذين حاولوا إخفاء تلك العاطفة خلف طلاء وألوان وأقنعة لا تصمد طويلاً أمام تيارها المكتسح.