عقول هادئة.. وقلوب دافئة

د. بشير شكيب الجابري

من أبجديات الحب والسعادة الزوجية

د. بشير شكيب الجابري

(1)

إشراقة

}هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ[

كلما دعيت إلى عرس، وطلب مني الكلام، عصرت ذهني وأشغلت يقظتي وسهادي متسائلاً:

ما الذي يصلح الأمة المسلمة؟

ما الذي يجعل البيت واحة طمأنينة وجنة أنس ومحضن نماء؟

ما الذي يحقق مراد الآية الكريمة )هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا(؟

كيف خرجت هذه النفس من هذه النفس وكيف تعود إليها إذا استوى الزواج واكتمل وراق وأينع.؟

وكيف ترتد وتتطاير إذا اكتوى كل بصاحبه؟

كيف يتحول اللقاء إلى بقاء ونعيم وكيف يتحول إلى شقاء وجحيم؟

ما هو السر في هذا كله؟

أهو التوفيق قدر لبعض والفشل قدر لآخرين؟

]وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً[.

إني أقترب من هذا الأمر على وجل، فالزاد قليل والأمر جليل.

ثم أسأل نفسي ما الذي يتوقعه الزوجان من بعضهما؟

ما الذي أمله الرجل في زوجه؟

وما الذي تطلبه المرأة من زوجها؟

وهل كل رجل ككل رجل؟

وهل كل امرأة ككل امرأة؟

ومن الذي يزعم أنه يستطيع أن يؤكد هذا؟

إننا إذا اعتبرنا أن المسلم تصوغه قيم الإسلام وأنه يبتعد ويأنف مما ذم من الشهوات نفهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلم أن يحظى بذات الدين. لأن مجاهيل النفس الإنسانية لا تنقضي عجائبها. ولا يعرف أبوابها إلا خالقها. وهو العليم الخبير ألا يعلم من خلق؟ فإذا وجهت لذات الدين، وإذا دعاك ربك إلى ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ بحيث تعلو على حركة النفس وميولها وترى بعيون العقل أبواب الخير المفتحة والتي يعمى عنها وسواس النفس. وإذا ذكرك المصطفى أن المرأة إنما خلقت من ضلع أعوج فتتعامل مع هذا الضلع بما يصلحه لا  بما يقومه.

كيف تجعل القوة مع اللين لا التنفير؟

والحب مع الوقار لا التذلل!

والزهد مع الإكرام لا التقتير!

واليسر مع الحزم لا التنفير!

كيف تجعل خشية الله لبوس سلوكك في بيتك مع أهلك وولدك؟

كيف تكون جاداً دون تكلف وسهلاً دون تردد؟

كيف ترى فيك زوجتك الرجولة التي تحميها والنخوة التي تعصمها والنبل الذي يأسرها؟، إذا كنت جنة أهلك ونارها في الدنيا، فهل تكون باباً لها إلى جنة الخلد، وحرزاً لها من نار جهنم؟ كيف تجعلها تأخذ من الدنيا بكفها لا بقلبها، فأكثر أهل الدنيا من النساء شغلهن الأحمران= الذهب والزعفران، أي الطمع في الغنى والعمل له.

وكيف تجمع بين الود والتآلف بدلاً من بناء العلاقة على الطاعة فقط، إذ هلاك العلاقة في الطاعة المطلقة.

وكيف تعطيها المدى الكافي في القرار في بيتها وشؤونه وتحفظ موقعك ومقامك؟

إن غرضي هو أن أطرح هنا تساؤلات وأوجه إلى نواح يوفق إليها من وفقه الله وأملي بالله كبير أن نعطي هذه الأمور حقها من الاهتمام خاصة لمن هو مقبل على الزواج.

والله أدعو للعروسين بأن يرزقهما خشيته ولين القلب وحسن التدبير واليسر والتسهيل والرحمة والمغفرة وطلب ما عند الله والابتعاد عما حرم.

*      *      *

من أبجديات الحب والسعادة الزوجية

(2)

إشراقة

وطن المرأة زوجها

مثل حبشي

سألت أحد الظرفاء: ما مستقبل الزواج؟

قال: طفش ونكد..

وسألت نفسي ما مستقبل الزواج؟

قالت:

خير ونماء.. بركة وعطاء..

تعارف وتآلف..

زرع وبناء..

سكن ورحمة..

عليه قامت الحياة وبه تتوازن..

سالب وموجب، ذكر وأنثى، بروتون وإلكترون..

)وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(.

لا مستقبل للحياة إذا ضيعت سنة الزواج

ولا اطمئنان في الزواج إذا اختل الميزان

ولا استقامة للميزان في زمن التغيير السريع إلا بالاعتصام بحبل الله، زمان تدفع فيه الأسرة إلى عوالم الشذوذ والعقوق فلا الأسرة هي الأسرة، ولا الأخلاق هي الأخلاق، ولا المعارف مستقرة، ولا الأمن مأمون، ولا التخطيط مضمون:

الأيام قصار، والتنافس نار، والقلوب حجار، والحياة سعار.

والعاصم:

]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[.

)وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(.

وعود دنيا ووعود قصوى،

وعود دنيا تعطي العاجل: )رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً(.

ووعـود قصوى لعاشق الآخرة: )وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا(، )ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(.

كل النظريات سخية بالوعود الدنيا، فإذا تحققت هذه الوعود وبدأت جوعة الروح ولا مشبع لها، انغمس النهم في الملذات والملهيات والمسكرات وغطست النفس في عالم الآلام.

أما الإسلام فوعوده الأخروية دليل ملهم ومحرك باعث وأمل مشوق.

هكذا وبكل لطف )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ(.

الولاية التعاضد، التعاون، الشفقة، الود، والميل والشوق.

ما أحلى هذا الوصف، وكم يستحث من معالم الخير والألفة.

]يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ( هذا عمل القلب واللسان.

]وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ( وهذا عمل البناء والتأسيس.

]وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ( وهذا عمل الاستخلاف والتمكين فإذا حققوا ذلك، فالوعود أحلى ]أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ(.

رحمة!

هل هناك ألطف وأدعى للرضى؟

رحمة!

ظلال الأمن والاطمئنان.

رحمة!

جنة الأرض في معية الرحمن.

فإذا تحقق هذا الجو الرائع بولاية المؤمنين والمؤمنات.

بولاية الزوج والزوجة والأب والأم والأخ والأخت والابن والابنة..

فالوعد الأخروي اللامتناهي واللامحدود: ورضوان من الله أكبر

ما لا عين رأت! ولا أذن سمعت! ولا خطر على بال بشر!

]جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ( ]وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ( وفوقها ومعها، تظلها، وتورثها أقصى ما يحتمله العقل من تصور ورضوان من الله أكبر

الله أكبر ولله الحمد..

ولـلـه أفـراح المحبين عندما
ولـلـه أبصار ترى الله iiجهرة
ولـله كم من خيرة إن iiتبسمت
تـذكر  بالرحمن من هو iiناظر
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها
فـحـي على جنات عدن iiفإنها





يـخـاطـبهم من فوقهم iiويسلم
فلا الضيم يغشاها ولا هي iiتسأم
أضاء لها نور من الفجر iiأعظم
فـيـنطق بالتسبيح.. لا iiيتلعثم
ولـم  يـك فيها منزل لك iiيعلم
مـنـازلنا الأولى وفيها iiالمخيم

أرأيتما يا عروسينا..

أرأيتما ثمرة ولائكما للإسلام وولائكما لعقد الله، ماذا لو جعلتم زواجكما مطية الآخرة؟ وحفرتما دعاء أهل الجنة في عين قلبيكما بأحرف من نور: ]إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

كنتما جرمين متباعدين فأصبحتما نجمين ملتصقين، كنتما ذرتين تائهتين فأصبحتما نواة معطاء، كنتما مسكينين رثى لحالهما محمد صلى الله عليه وسلم، فأصبحتما ملكين متوجين. فإذا رأيتما ما يعجبكما خلال حياتكما الزوجية فاحمدا الله.

وإذا مرت المنغصات فضعاها في ميزان الشرع وتساءلا: ما أهمية هذا الأمر في عين الله؟

وماذا لو نظرنا إليه من بعيد وكأنه لا يخصنا! هل نجده بنفس الأهمية؟

وهل يستحق أن ننفعل له؟

أو نقضي وقتاً ونضيع جهداً في إيجاد حل له؟

إذا كان كذلك فهلا تدربنا من أول يوم على حل المشكلات؟

ما هو المشكل الحقيقي؟

ما هو العلاج الممكن التحقيق؟

إذا اتفقنا عليه،

كيف نسلك إلى تحقيقه؟

إذا اتفقنا

لنبدأ العلاج

ولنعطه حقه من الجهد

ولنكرر هذا الأمر في الأمور الهامة ولنتغاضَ عن الأمور الأخرى فلا حاجة لزيادة هموم حياة فيها ما يكفي!

واعلما أن أعظم وأقصى ما يملك الإنسان هو قدرته على نفسه لا على الآخرين.

أنت تستطيع أن تغير نفسك فعلاً. أما الآخر فأنت تستطيع أن تقهره!

أنت إن غيرت نفسك أصبحت قدوة..

وإن حاولت أن تغير الآخر تاهت سهامك وارتدت.

مستقبل الزواج هو فعل اليوم. مستقبل الزواج هو تراكم الخبرة وجعلها إيجابية.. ولو كان لكما أن تتعلما من تجارب الآخرين فهذا حبيب الله صلى الله عليه وسلم. فهنيئاً لمن كان نبي الله قدوته،

وهنيئاً لمن فتح قلبه للخير.

وتذكر: "نغدو أقوياء إذا شاركنا زوجاتنا من أعماق نفوسنا مشاركة فعلية بتقديم قلوبنا وأرواحنا وحياتنا."

الن سو سيترن