السيرة النبوية على منهج الوحيين القرآن والسنة الصحيحة
قراءة في كتاب:
السيرة النبوية على منهج الوحيين القرآن والسنة الصحيحة
دراسة تحليلية منهجية فقهية شاملة في محاولة لإسقاطها على الواقع المعاصر المؤلف: الدكتور مأمون حمُّوش الطبعة: الثانية ،لا دار للنشر دمشق 1421هـ عدد المجلدات (3) عدد الصفحات(1872)
|
|
عرض: خليل الصمادي
قبل أن نعرف بالكتاب، يجدر أن نعرف بالمؤلف، فالدكتور مأمون حموش ليس دكتورًا في الشريعة الإسلاميةـ كما يتبادر للذهن من اسم الكتاب ـ ، بل هو دكتور في الهندسة الإنشائية تخرج في جامعة (أركنساس) بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الآن يعمل أستاذًا في كلية الهندسة في جامعة دمشق وخطيب أحد مساجد دمشق وكذا خطيب العيدين في مصلى دمشق الوحيد الذي أعاد إحيائه منذ عودته من أمريكا.
كثيرة هي الكتب التي تناولت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قديما وحديثا فمن القدماء ابن إسحاق وابن هشام وصاحب السيرة الحلبية وابن كثير وعشرات غيرهم ومن المحدثين والمعاصرين كمحمد الخضري في كتابة نور اليقين، ومهدي رزق الله أحمد في كتابه السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصليةالقديمة"دراسة تحليلية" والشيخ إبراهيم العلي في كتابه صحيح السيرة. ود. محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه فقه السيرة النبوية والدكتور سليمان العودة في كتابه السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق ومحمد الغزالي في فقه السيرة وغيرهم.
والكتاب ليس نقلا للأخبار الثابتة والصحيحة عن سيرة الرسول الكريم فقط، بل هو بالإضافة إلى نقل الأخبار سجل دقيق في تحليل الأحداث تحليلا دقيقا في محاولة لإسقاط هذه الأحداث على واقعنا المعاصر من خلال دراسة منهجية فقهية شاملة.
كان المؤلف قد بدأ في إرساء قواعد كتابه يوم كان طالبا مبتعثا في الولايات المتحدة الأمريكية يحضر لرسالة الدكتوراة في الهندسة، فقد عرض أبحاث سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هناك في مساجد ومراكز الولاية متحدثا ومحاضرا وبعد أن عاد إلى دمشق تسلم خطابة مسجد البراء بن عازب رضي الله عنه فبسط سيرة الرسول على مدى سنتين في حوالي تسعين خطبة، ثم أخرج هذه الأبحاث في ثلاث مجلدات كبيرة.
منهج الكاتب: أولى الكاتب استخراج سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل رئيس من الوحيين : الكتاب والسنة الصحيحة ونقل مواضع أسباب النزول التي صحت بالأخبار والروايات الدقيقة ومن تفاسير الآيات الموضحة لكل حدث أو لقاء أو معركة من التفاسير التي المتوافقة مع صحيح السنة، ثم نقل حكم بعض المحدثين الكبار على ما جاء من أحاديث في الموضع الذي تحدث عنه دون إسهاب، ورجح بعضهم عند الاختلاف، وكان نقله للأحاديث بأسانيدها وتخريجها وعزوها إلى مصادرها مع الخلاصة التي ترجحت لديه في الحكم عليها من خلال استعراضه ومتابعته لجهود العلماء الأقدمين والمحدثين منهم، ثم تعمق في التحليل والاستنباط واستخلاص الدروس والأحكام لكل بحث من الأبحاث التي قاربت التسعين، فحملت هذه الأحكام والتحاليل فقه الأحداث والواقع كما حملت التحليل العميق لفقه الأحكام مدعمة بنصوص الوحيين وكلام العلماء وأئمة الإسلام.
بدأ المؤلف كتابه بتعريف السنة ثم بين منزلة السيرة وشرح مفهوم السنة القولية والسنة الفعلية والسنة التقريرية وتعريف كل واحدة منها عند المحدثين والأصوليين والفقهاء.
بعد التعريف نهج في كتابه كما نهج أكثر من ألف في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث ترتيب الأحداث فأرخ للحياة في مكة قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهى بانقطاع الوحي وبوفاته صلى الله عليه وسلم. إلا أنه كان في نهاية كل بحث يناقش ويستخرج العبر والدروس ويسقطها على واقعنا المعاصر والذي تتشابه فيه الأحداث كثيرًا من حيث التكالب علينا وتربص الأعداء بنا كما تربصوا بالمسلمين الأوائل.
ومثال على منهج المؤلف في عرضه لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بحثه في غزوة الخندق على سبيل المثال لا الحصر فقد جعل الغزوة وأحداثها في مبحثين استحوذا سبعا وأربعين صفحة جعل العنوان الأول بعنوان حفر الخندق وآلام الجوع والثاني بعنوان قدوم الأحزاب وآلام الحصار ونزول النصر. وقد سرد المؤلف حادثة الخندق كما وردت في سيرة ابن هشام وزاد المعاد وكما في كتب الأحاديث الصحيحة كالبخاري ومسلم ومسند أحمد وغيرهم، ومما أضافه في هذا الباب حسابه لمسافات الخندق بالمكاييل المعاصرة إذ ذكر أن طول الخندق حوالي 3كم وبعرض 6م وبعمق من 5 إلى 6 أمتار بالإضافة على استنتاجه للدروس والعبر كما في كل الأبحاث المتعلقة بسيرته صلى الله عليه وسلم ومن الدروس المستفادة من غزوة الخندق كما ذكرها المؤلف في القسم الأول من غزوة الخندق:
1. اليهود قوم يسخرون في بذل المال لمحاربة المسلمين.
2. الحرب خدعة.
3. الجماعة خير وسيط للعمل والنشاط والجد والفاعلية.
4. المسلمون الأوائل جاعوا في سبيل الله فأراهم الله آية البركة بأعينهم فثبتهم.
5. المؤمنون يثقون بصر الله ، والمنافقون يرجفون ويهزمون بجبنهم.
أما الدروس والعبر والأحكام التي جاءت في نهاية القسم الثاني من غزوة الخندق فهي:
1. قضاء الصلوات نتيجة تراكمها لعذر يكون حسب ترتيبها.
2. الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
3. تألق توكل الأنصار على ربهم وعلو نفوسهم.
4. الأصل في اليهود الغدر وقد لا يثبت العكس.
5. قوله صلى الله عليه وسلم "الآن نغزوهم ولا يغزونا " علم من أعلام النبوة.
وغير ذلك من العبر والدروس المفيدة التي قد يستنبط من بعضها أحكام فقهية كما مرَّ سابقا.
وقد دعم المؤلف ما استنبطه من أحكام ودروس بالآيات الكريمة وبالأحاديث الشريفة، كما شرح الغريب من الألفاظ عند سردها في كتابه بالهامش، وأيضا قام بذكر سند أحاديثه كلها في المتن وقام بتخريجها في الهامش .
رجع المؤلف كما هو واضح من الهامش إلى عشرات المراجع القديمة ولا سيما كتاب ابن هشام وكتب الأحاديث الصحيحة ومن كتب المحدثين فقد غلب عليها كتب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني "يرحمه الله".
خرَّج الأحاديث الصحيحة التي ذكرها في هامش الصفحات عندالتطرق إليها وخلا الكتاب من فهرستها وتبويبها وحري بكتاب كهذا أن يخْدم بفهارسه العديدة ولا سيما فهرس الأحاديث والأعلام والأماكن والغزوات والسرايا والحروب والحكم والأمثال والقوافي، كما ينقص الكتاب على أهميته بثبت للمصادر والمراجع التي رجع إليها المؤلف ونأمل منه تدارك ذلك في الطبعات القادمة.
وخاتمة القول أن الكتاب قد جمع بين القديم والحديث فالقديم في سرد سيرته صلى الله عليه وسلم والحديث التثبت من الروايات على منهج القرآن وصحيح السنة واستخلاص الدروس والفوائد والعبر في مباحثه الست والثمانين.
ومن الجدير ذكره أن المؤلف الدكتور المهندس مأمون حموش له عدة كتب جميعها تبحث في الوحيين منها كتاب أصل الدين والإيمان مجلدان و وتحصيل السعادتين على منهج الوحيين ، ومنهج الوحيين في معالجة زلل النفس وتسلط الجن، الأمراض النفسية وعوامل الشد إلى الخلف.