السفر الأخير ـ محمد زكي رمضان يوسف
السفر الأخير ـ
محمد زكي رمضان يوسف
يحيى بشير حاج يحيى
قصة من الأدب الكردي ، جرت أحداثها في شمال كردستان بتركيا ، في قرية (كفري قُل) ، وزمنها أيام الحرب العالمية الأولى ، سمعها المؤلف من والده (بالكردية) فقام بترجمتها ، وصياغتها بالعربية ، وهي تمثل مأساة لأسرة كردية بطلاها : نناس (وتعني بالعربية : غير معروف) وابنة عمه كُلهبار (وتعني : وردة الربيع) .
وملخصها : كان نناس وحيد والديه ، مات أبوه وترك له شقيقات ، أحس بميل نحو ابنة عمه خليل ، لكن عمه لا يزوج الفقراء ، وحدث أن تعرض نناس لهجوم ذئبين ، فقتل أحدهما ، وجرحه الآخر ، فرق له عمه وزوجه كلبهار ، ولم يمض على زواجهما أسابيع حتى اجتاحت الجيوش الروسية منطقة أرز روم التركية ، ومنها قرية (كفري قل) ، فقتلت واستباحت ، وكانت كلبهار من جملة السبايا .. فخرج نناس كالمجنون يبحث عنها لا يقر له قرار . وتحزن أمه لفراقه ، فيصيبها العمى ، وتتشتت الأسرة .
وفي أثناء بحث نناس عن ابنة عمه عبر الحدود الروسية التركية ، وقرب أحد البساتين فوجئ بها ، فذكرها بنفسه ، فادعت أنها لا تعرفه ! ثم تأمره بالانصراف ، وتهدده إن هو لم يرحل ! فتمضي إلى القصر وتخبر زوجها الروسي (غاري) بوجود نناس ، فيخرج إليه ليرى رجلاً براه الجوع والتعب ، فيربطه بشجرة ، وفي منتصف الليل تخرج (إيفلين) زوجة الضابط وتقطع الحبال التي ربط بها نناس ، وتخبره بأن كلبهار اختارت بنفسها أن تأتي مع غاري حين أبدى إعجابه بها ووعدها أن يسكنها قصراً جميلاً وأنها لم تكن تحبه قبل الزواج وإنما أعجبت بشجاعته حين قتل الذئب .
ويتمكن نناس من قتل كلبهار وغاري وهما نائمان ، وترحل معه إيفلين ، وقد أعلنت إسلامها ، وبعد وصوله إلى القرية يفاجأ بأن شقيقته الصغرى قد احترقت مع شقيقة أخرى حاولت إطفاءها ، ويتعرض لمضايقات عمه الذي لم يصدق خيانة كلبهار ، فيترك القرية ويرحل مع زوجته (إيفلين) إلى قرية أخرى ، حيث تضع مولودها (قدري) وتموت!
وما إن يكبر قدري قليلاً حتى يعزم نناس على الحج عن والده المتوفى ، ولكنه لم يكد يصل إلى الموصل حتى يقضي نحبه ، فيدفن فيها . وتمضي سنوات على قدري وهو في رعاية إمام القرية يرعاه ويعلمه . وحين يشتد عوده يخطر له أن يبحث عن أبيه فيعبر الحدود التركية العراقية ولكنه يتعرض للسجن بتهمة هو بريء منها ، لمدة شهرين ، فأصبح كالوردة الذابلة .
وبعد خروجه من السجن يتجه إلى قبر أبيه ليموت قريباً منه ! ويفاجأ أهل القرية الذين اعتادوا المرور من هذا المكان وهم عائدون من الحج بقبر نناس ، وإلى جواره قبر جديد عليه غصن شجر لم ييبس بعد !
مجمل أحداث هذه القصة يغلفها الحزن ، فهل هو سمة في الأدب الكردي ، خاصة حين يتحدث عن المرأة وعلاقتها بالرجل إخلاصاً أو خيانة ، لتنتهي حياتها معه بالموت ، مثلما وجدنا في قصة (مموزين) ، وكما هو شائع في التراث الشعبي ، كالحكاية الشعبية المغناة (فاتو) فاطمة ؟! فليس ثمة دراسات تؤكد ذلك ، ولا يمكن الجزم بذلك من خلال عملين أو ثلاثة !
وأما الدلالات الإسلامية فهي واضحة في السلوك الإسلامي وتغلغله في حياة الشعب الكردي ، فهذه كلبهار تعود خائفة إلى غاري ، وتؤكد له أن نناس سيقتلهما إذا تأكد أنها تزوجت من روسي كافر ! وكما نجد ذلك في إسلام إيفلين ، وفي خروج الناس إلى الحج ، وفي حرص الإمام على رعاية قدري وتعليمه . وقد انطبعت هذه القصة بالطابع الشعبي في توالي المفاجآت والمصادفات التي أسهمت في تنمية الحدث ، وسيطرت عليها روح الحكاية ، وهي في الأصل حكاية تناقلها الناس قبل أن يدونها المؤلف وينقلها إلى العربية.