الشعر المتفلّت بين النثر والتفعيلة
الشعر المتفلّت بين النثر والتفعيلة
|
تأليف: د.عدنان علي رضا النحوي |
قضية " الشعر المتفلت " ليست من حيث الأساس والمنطلق قضيّة حلال أو حرام . إنها ابتداءً قضية لغة ، قضيّة اللغة العربية ، شأنها في ذلك شأن من خالف قاعدة من قواعد النحو أو قاعدة من قواعد الصرف . فنقول له : إنك أخطأت فالتزم قواعد النحو . مثله كذلك مثل من قال إن (1+1= 3 )، نقول له هذا خطأ ، فعُدْ والتزم قواعد الحساب .
وكذلك لمن خالف قواعد الشعر في اللغة العربية نقول له : أخطأت فعد والتزم قواعد الشعر . وفي هذا المستوى تظل القضية قضية خطأ خالف القواعد ، أو صواب التزم القاعدة .
إلا أن الحالة تختلف حين يُصرُّ من خالف قاعدة النحو على المخالفة ، وحين يُصرُّ من خالف قاعدة الحساب على المخالفة ، وحين يُصرُّ من خالف قاعدة الشعر على المخالفة . فإن هذا الإصرار يعني شيئاً واحداً وهو : هدم النحو وقواعده ، وهدم الشعر وقواعده ، وهدم الحساب وقواعده .
وحين يتجه الإصرار ليُصْبح عمليّة هدم هنا أو هناك ، فإنه يقترب من الحرام شيئاً فشيئاً ، حتى يوقعه الشيطان فيه . وفي حالة الشعر فإن الخطر أكبر والمدى أوسع ، يكاد يرتع صاحب الخطأ في الشبهات فيقع في الحرام .
قبل عدد من السنوات كنت أحسب " الشعر المتفلت " فتنة ، أرادها الله ابتلاءً منه لعباده ، سرعان ما تنتهي ، وسرعان ما يهب المؤمنون الصادقون يدافعون عن دين الله ولغته ، بالكلمة والحجة البالغة ، وذلك أيسر أبواب الجهاد في سبيل الله .
ثمّ لبثتُ أن رأيت أن واقع المسلمين تشتدّ فيه الفتنة بعد الفتنة ، وتتوالى القوارع بعد القوارع ، ويمضي بعض المسلمين مع ذلك في غفلة تزداد وغفوة تمتد .
ورأيت أنّ أهل الفتنة غزوا في جملة ما غزوا ، ميدان الأدب ، فنشروا نظريات الغرب من حداثة وبنيوية وتفكيكية وأسلوبية . ونشروا كذلك الشعر المتفلت نثراً أو بالتفعيلة ، في مرحلة هبط فيها اللغة العربية الفصحى بين الناس، وغلبت العامية ، وكثر اللحن بين المتعلمين ، وامتدّ الوهن في الكلمة والأسلوب . فجاء " الشعر المتفلت " ليجد القبول بين عزائم قد وهنت ، وقلوب قد جهلت ، ونفوس رضيت .
وامتدّت الدعاية " للشعر المتفلت " تتبناه الصحف والمجلات ، ثم بعض الصحف والمجلات الإسلامية ، ووقع الخلاف بين مؤيد " للشعر المتفلت " ومحارب له ، أو بين مؤيد لما يسمونه شعر التفعيلة ومحارب له .و ما زالت المعركة قائمة، ويعلوا ضجيج الخلاف ، وقد يغذيه هؤلاء وهؤلاء ، فيفرح أهل الحداثة ويفركون أيديهم طرباً بما أحدثوه من فتنة .
ولقد سبق أن بيّنت رأيي في الشعر بعامة ، وفي " الشعر المتفلت بين النثر والتفعيلة " ، موزّعاً في أكثر من كتاب ، وفي كلمتي هنا أعرض الصورة الجامعة للقضية عسى أن يكون رأيي أكثر وضوحاً وحجّتي أوضح بياناً .
نعرض في هذا الكتاب من خلال صفحاته الـ (170) الموضوعات التالية:
اللغة العربية ومنزلتها في الإسلام ، الخصائص الثابتة للغة العربية في بنائها ونسيجها نثراً وشعراً ، والخصائص الثابتة في شعر اللغة العربية وتميّزه من النثر، الشعر في ميزان الإسلام شكلاً ومضموناً ، والغارة على الإسلام استهدفت اللغة العربية نثراً وشعراً ، ومصدر هذا التفلّت والهبوط في بعض الشعر في أدبنا اليوم ، ومغالطات وادعاءات باطلة ، ونعرض كذلك التقريرية والخطابية والمباشرة، ومدى تأثير الحداثة والحداثيين في بعض المسلمين وأدبائهم ، ولماذا نرفض الشعر المتفلت بالتفعيلة ؟! ونعرض كذلك لنماذج وأمثلة تطبيقية ، ثم نختم الكتاب بقصيدة لآلئ الشعر أوزان وقافية .