كتاب جديد عن الأدب العربي المعاصر

كتاب جديد عن الأدب العربي المعاصر

للدكتور كمال أحمد غنيم

[email protected]

صدر عن الرابطة الأدبية بغزة في التاسع من أبريل كتاب (الأدب العربي المعاصر: أوراق في الأدب والنقد) للدكتور كمال غنيم في ما يقارب مائة وتسعين صفحة من القطع المتوسط.

والجدير بالذكر أن الكتاب كما جاء في مقدمته لا يعتمد شمولية العرض بقدر ما يعتمد تقديم أوراق أدبية ونقدية هامة، وهو لم يلجأ إلى تكرار ما تناولته الكتب السابقة التي تناولت هذا الموضوع؛ بل آثر أن يضيف الجديد غير المسبوق، واهتم برصد المشاهد الأخيرة من عطاءات هذا العصر، وهذا ما يميز الكتاب عن غيره.

وقد انقسم الكتاب إلى قسمين رئيسين هما قسم الشعر وقسم النثر، حيث تناول في القسم الأول صورة الإمام الشهيد أحمد ياسين في عيون الشعراء، وبيّن كيف رسم الشعراء صورة قدسية للشيخ، وهو يضحي في زمن التخاذل، ويعطي على الرغم من إعاقته الجسدية بهمة عالية، ويبينون كيف استمد الشيخ من روعة التناقض بين ضعف الجسد وقوة الإرادة؛ الحضور القوي، والتأثير المعجز في أداء المجاهدين، وفي ردود فعل العدو.

وبين كيف تفاوت الشعراء في توظيف أنواع الصورة الفنية الجزئية والكلية لتشكيل صورة الإمام ومكوّناتها، وقد كثر عندهم توظيف الصورة المفردة الجزئية، التي تعتمد على الوميض العابر في ثنايا القصيدة، وتمنح المتلقي أكثر من شكل في النص الواحد، ويعتبر الكتاب (تبادل المدركات) من أبرز عناصر تشكيل الصورة المفردة الجزئية، حيث يبدّل الشاعر بين صفات المحسوسات والمعنويات والإنسان، مما يمنح المتلقي أكثر من شكل جمالي، يتراوح بين التجسيم والتشخيص والتجريد.

وبين أن بعض الشعراء قد وظّفوا في تصوير الإمام الشهيد المفارقة التصويرية، كتقانة تقوم على نوعين رئيسين، هما: المفارقة اللفظية، ومفارقة الموقف، وتعتمد في أساسها على إبراز التناقض بين طرفين متقابلين، حيث يمتد تصوير هذا التناقض، ليشمل القصيدة كلَّها، أو جزءاً كبيراً منها.

كما بيّن كيف نوّع بعض الشعراء في تشكيل الصورة الشعرية، فاعتمدوا توظيف التراث، و تشكيلات اللون والحركة للصورتين الساكنة والدرامية؛ بل وصل الأمر إلى التماهي مع الصورة الدرامية وملحقاتها من المؤثرات الحسية مثل الصوت، والصورة الواقعية وملحقاتها مثل الرائحة والصوت.

وقد دارت مقاربات هذا المحور حول قصائد لحشد من الشعراء، منهم: خضر أبو جحجوح، وخميس لطفي، وياسر علي، وسمير عطية، وأبو جنين العلوي، وعبد الوهاب القطب، وعبد الرحمن العشماوي، وجابر قميحة، وعبد الغني التميمي، وفارس عودة، وأحمد منصور الباسل، ونعيم عودة، وخالد الوقيت، وخالد حماش، وعبد الله رمضان، ورمضان عمر، ومريم العموري، وابتسام صايمة، وغيرهم... .

وتناول الكتاب في قسم الشعر تحليلا فنيا لقصيدة (عندما حدثني البحر) للشاعر خميس لطفي من ديوانه (وطني معي)، وأبرز السمات الفنية التي تميز القصيدة من تكثيف، واعتماد الأسلوب القصصي، بما فيه من حوار خارجي وداخلي، وبناء يقوم على الحلم الممتع، الذي ينكشف عن مفارقة أحداث مؤلمة مع الواقع، بالإضافة إلى اللغة السهلة التي قام بناء النص عليها، وبيّن الثوب الموسيقي الحقيقي للقصيدة، فهي تقوم على بحر البسيط من الشعر العمودي وإن تم نثرها على شكل قصيدة التفعيلة الحرة، وأبرز أن القصيدة تجمع بين الرومانسية والواقعية.

كما تناول قسم الشعر في الكتاب تحليلا فنيا لقصيدة (ماذا تبقّى؟) للشاعر ياسر علي، التي بين من خلالها مرتكزات التجربة الشعرية القائمة على هموم الإنسان العربي المعاصر، ضمن دوائر محكمة الإغلاق تصب في الاتجاه ذاته من التيه والضياع، وأبرز جدلية التشاؤم والتفاؤل في النص، وعملية جلد الذات الهادفة إلى خلق الدافع الإيجابي نحو التغيير من خلال رفض الواقع المزري، وتحدث التحليل عن الصور الجزئية وبين أن الصورة الكلية تنتمي هنا إلى البناء الدائري.

أما قسم النثر في الكتاب فقد تمحور في ثلاثة أنواع: الرواية والقصة القصيرة والسيناريو، حيث اتخذ من رواية "الجانب الآخر لأرض المعاد" للدكتور أحمد حرب أنموذجا لتحليل الأبعاد الزمنية في الرواية المعاصرة،

وهي رواية تعالج أحداثاً؛ زمن مغامرتها أوائل الانتفاضة الفلسطينية المنبثقة عام 1987، وشخصيتها الرئيسة وحيد الأستاذ الجامعي في بيرزيت، القادم من قرية العين بالخليل، من خلال علاقاته المتشابكة بشخصيات أخرى أبرزها "أبو قيس" الشيخ القادم من وراء النهر ليصحح مسيرة الهجرة والنزوح، والقائد الروحي لفعاليات الانتفاضة في قرية العين على الأقل، الحامل في طيات ذاكرته معاناة الشعب الفلسطيني على مر التاريخ، حيث يسرد بعضها، وقيادات الانتفاضة المحليين ماجد والشيخ محمد وهادي وعبد الله، وما تمثله كل شخصية من عمق درامي منشغل بالحدث الكبير، ويبرز الخيط الدرامي في قضية استشهاد "وديعة" شقيقة وحيد، وما يتعلق بذلك من ممارسات مخابراتية، ورغبة الجميع في تصعيد الحدث والرد بقوة، في مقابل ممارسات هادي السلمية في الداخل، وعدم وضوح الرؤية عند إسماعيل في الخارج، والرواية تعتمد أكثر من خيط درامي، كأنها فسيفساء، تجمع أحداثها وشخصياتها من واقع محترق، حيث تسهم كل هذه الخيوط في خلق عنصر التشويق.

وقد بيّن الكتاب أن رواية "الجانب الآخر لأرض المعاد" قد تخللها مفهوم الزمن، وأصبح جزءاً من نسيجها الداخلي، متماهياً مع العلاقة الحميمة بين الشعر والموسيقى، فروايته رواية زمنية استغرقها الزمن الموضوعي، المتمثل في انتفاضة ذات إيقاع، يتماوج مع معطيات ثورة وقضية تتفنن في تقديم المشاهد، وإعادة صياغة البطولات على لحن المآسي والآلام، وقد رصد البحث هنا لعبة أحمد حرب الزمنية ضمن محاور ثلاثة، هي: الترتيب، والديمومة، والتواتر، حيث تبين أنه اتبع في الترتيب حالة الانطلاق من وسط المتن الحكائي أو النسق الزمني المتقطع، معتمداً الإرصاد كنوع من أنواع التضمين، مكثراً من الاسترجاع - خصوصاً الخارجي- وذلك أكثر من الاستباق بنوعيه.

كما وظف في "الديمومة” التقنيات الأربعة: الحذف، والخلاصة، والمشهد، والوقفة وفق رؤية خاصة تم ضبطها، وتحديد كثافاتها، أما على صعيد التواتر فقد استطاع أن يوظف أنواعه الثلاثة، ليكسر بها رتم سيرورة القصة، وفق النوع الرابع -حكاية مرة واحدة لما حدث مرة واحدة- متلافياً سلبيات التكرار، باعثاً التشويق في الجزيئات مظنة الملل، مما جعل نصه الروائي بشكله الزمني المعقد نصاً جاذباً محفزاً، يعتمد على توتير النسيج، والإيغال في إثارة نهم المتلقي.

وقدم قسم النثر في الكتاب تعريفا بالقصة القصيرة وعناصرها، مبرزا مدى التشابه بينها وبين المسرحية الكلاسيكية في تحقيق الوحدات الثلاثة: الزمان والمكان والحدث. وقدم بين يدي القارئ أنموذجا للقصة القصيرة هو قصة "مصرع الذئب" للكاتب المصري الدكتور نجيب الكيلاني، ليتيح الفرصة أمام المتلقي لمعاينة القصة القصيرة عمليا.

ولم يغفل الكتاب فن كتابة السيناريو المتسلل إلى عالم الأدب منذ منتصف القرن العشرين، وقال كمال غنيم في مقدمته تعليقا على إيراد هذا الفن الجديد ضمن الأدب العربي المعاصر: "وقد حاولنا فيه أن نشير إلى فن جديد يستحق الاهتمام من الأدباء والنقاد، هو السيناريو، في محاولة لوضع النقاط على الحروف في مجال هويته الأدبية المتنازع عليها بين الفن والأدب، فما نص السيناريو من خلال وجهة النظر الجديدة التي نتبناها إلا نص أدبي يستحق الاهتمام به شأن نص المسرحية التي حسم الناس أمرهم في اعتبارها من الأدب، لعدة أسباب، منها أن السيناريو لا يكاد يختلف في خطوطه العريضة مع الرواية والمسرحية من حيث العناصر الفنية الأولية التي يتكون منها "الأحداث والشخصيات والصراع والحوار والزمان والمكان..."، وتبقى ملامح السرد الروائي والتعليمات المسرحية عن وصف سلوك الأشخاص وصفاتهم النفسية والمادية لحظة الظهور على خشبة المسرح متباينة في تقارب لا يخفى مع التفاصيل الدقيقة المكوّنة للقطات والمشاهد في السيناريو ضمن متغيراته وتقاناته الخاصة، مع مراعاة الفروق الدقيقة بين جميع العناصر التي ذكرنا، ولعل الأمر يبقى مستغربا ونحن نترك ميدانا أدبيا فسيحا نهبا لهواة أو محترفين مبعَدِين عن سمة الأدب التي تجذبهم إلى التسامي بعملهم، وتضعهم في السياق الصحيح الذي ينبغي أن يكون.

ثم أليس هذا هو سمت خطاب عصرنا الذي تكاد الدراما بكافة أنواعها أن تعتلي عرش الأدب فيه؟ وهل كان امرؤ القيس أو بديع الزمان الهمداني سينتظران العراك الدائر قبل أن يخوضا معترك فن أدبي قادر على تحقيق الكثير مما طمحا إليه؟ دعونا نحتضن هذا الفن ونمنحه من ثقافتنا ما يساعده على البقاء والتألق ضمن شروطنا الحضارية ومفاهيمنا السامية".