الإسلام في روسيا المعاصرة

الإسلام في روسيا المعاصرة

عن صحيفة نيزافيسامايا

ترجمة: أحمد محمد الرحبي

صدر مؤخرا في إحدى دور النشر بموسكو بحث علمي بعنوان "الإسلام  في روسيا المعاصرة"، كتبه أبرز رجال الدين الروس، رئيس الإدارة الدينية لمسلمي القسم الأوروبي لروسيا، رئيس مجلس الإفتاء الروسي، المفتي راويل عين الدين.

وأساس هذا الكتاب نص أطروحته لنيل الدكتوراه في  علوم الفلسفة، مع إضافات وإعادة تأليف قام بها الكاتب. وهناك الكثير مما كتب حول الإسلام في روسيا من بحوث ومقالات، إلا أن  مؤلف الكتاب هذا ليس باحثا عاديا يري الموضوع من جهة خارجية محايدة.

فالمفتي راويل عين الدين هو أحد مؤسسي وقادة العملية التي سميت بالنهضة الإسلامية في روسيا. ونجح المؤلف في وصف و تحليل التغيرات الجذرية التي حدثت في حياة مسلمي روسيا، كما نجح في تغطية نشاط المنظمات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة.

يتحدث الكتاب عن ألوف المساجد القائمة والجمعيات الرسمية المسجلة وعن المدارس الدينية التابعة للمساجد والمطبوعات الدورية الإسلامية الجديدة والحج الجماعي المنظم للأماكن المقدسة لكل مسلم. ويشيد الكتاب خاصة بإمكانية المساهمة الاجتماعية والأخلاقية التي فُتحت أمام المنظمات الإسلامية في روسيا.

ويستبعد المفتي  راويل عين الدين فكرة أن مجمل ذلك التغير جاء بفضل رجال الدين الروس و المنظمات الإسلامية وحدها، إذ يعتبر أن النمو السريع لنشاط المنظمات حدث عموما بفضل المعاملة الجديدة تجاه الإسلام من قبل الدولة الروسية وبفضل علاقات الشراكة التي تتشكل الآن بين أعضاء السلطة الحكومية والتنظيمات الدينية.

ولا يقتصر الباحث على إثبات الوقائع من الحياة الدينية وحسب، إذ يقلقه عدم التوازي بين تطور المؤسسات الإسلامية وبين الشروط المتوفرة  لرعاية قواعد السلوك الإسلامي في المجتمع. ويشدد أنه ليست في روسيا المعاصرة مدينة أو قرية حيث يغلب على حياتها الروحية المسجد والإمام، معللا أنه، وفي أيامنا هذه، يتركز اهتمام المساجد والأئمة على أداء الطقوس وحسب، ذلك ما لا يرضي آمال المسلمين الروس المعاصرين، لا سيما وأن في روسيا يعيش مسلمون يسعون، بجانب تطبيق الممارسات الدينية، إلى تجديد الفكر الديني من أجل التكيف مع ظروف الزمن.

ويرى الباحث أن الخروج من هذه الحالة يكمن في تجديد الإسلام بما يتوافق مع الظروف الحياتية الجديدة. فالإسلام هو دين شامل لا يضيق عن تلبية شؤون العالم الحديث، والقرآن  يسمح للشخص بأن يحدد خطة حياته وفق الحالات والظروف المحيطة به.

ولتعزيز وجهات نظره بالأدلة التاريخية، يسرد الباحث الغاية من النبوة، حيث أرسل الله الأنبياء والرسل لغاية التجديد في الدين. وحتى في عهد النبي محمد  كان أتباعه من المؤمنين يسلكون نهج التجديد في الدين دون أن يخرجوا عن حدوده، مثلما تواصل ذلك بعد وفاة النبي. ويتطرق الكاتب إلى تعقد عملية  التجديد في الإسلام حيث يقول أن الإسلام تطور وهو آخذ بعين الاعتبار ظروف حياة المسلمين في أقاليم مختلفة من العالم. وبجانب  مصادر الشريعة الأولى (القرآن والسنة) يوجد كذلك الإجماع والمصلحة والعرف والضرورة. ويصر المفتي على أن جوهر الشريعة ليس في إخضاع الشخص لقواعد لا تغيير لها، وإنما في تعليمه على تقييم الحالة والتصرف حيالها بالسلوك الإسلامي الواسع والسمح. كما احتل جزءا ملحوظا من الكتاب، مراجعة للحركة الإصلاحية في روسيا القرون الماضية. ويُذكر بأن الحركة التجديدية  كانت مرتبطة بإشراك التتار والبشكير في عملية التطور الصناعي وعلاقات السوق.

ويعتبر المؤلف أن لهذه الخبرة قيمة كبيرة على ظروف المسلمين  في روسيا المعاصرة والتي تجد صداها وتجددها في مختلف مجالات الحياة.

ويشير المفتي إلى أن المجددين اعتبروا أن للإنسان حرية التصرف وبأنه يحتكم بعقل مستقل مبدع وهو ما لا يتعارض مع وضعية مسلمي أوروبا، بل مما يجعل الباب مشرعا أمام غيرهم لاعتناق الإسلام. وقد طبق  المجددين أفكارهم وخططهم الإصلاحية وأدخلوها في البرامج التعليمية كتعليم اللغة الروسية والعلوم الطبيعية.

وكانوا مقتنعين بأن الله قد أعطى الإنسان ثروتين وهما القرآن وأهلية إدراكه العقل.

وبما أن القرآن هو المؤثر الأكبر على أخلاق المسلمين والهادي إلى خير الإنسان، يصبح من اللامعقول أن يتناقض أي دين مع العقل واستثمار الخبرة الملاءمة لحياة العصر.

هذا ويُعد المفتي راويل عين الدين الأول في الدولة الروسية من يقترح نظرية لتجديد الإسلام وذلك على أساس من دراسة عميقة ودقيقة  للقرآن الكريم وأحاديث النبي، فالإسلام هو دين يطمح إلى تسهيل الحياة أمام الإنسان لا لتعقيدها، كما يأخذ الإسلام بعين الاعتبار طبيعة الإنسان وكل مكوناته الفيزيقية والروحية. وفي القلب من نظرية التجديد التي يطرحها المفتي راويل عين الدين في كتابه، كيفية الاقتراب الروحي من الخالق، وعن إمكانية تطوير العلوم الدينية في عصرنا وتوجيهه الوجهة الصحيحة وذلك بتركيزنا في دراسة العلوم الدينية على الإنسان المعاصر بكل مكتسباته ومشاكله.

وإجمالا يعد هذا الكتاب ردا على النقد الذي جاء من الذين يمكن تسميتهم (بعبارة العلامة العربي المشهور أبو حامد الغزالي) بأصدقاء الإسلام الجاهلين.

وللأسف يوجد في روسيا الكثيرون منهم. ورغم ذلك فإن الباحث لا يخشى النقد والجدال، إذا  لم نقل بأنه يسعى إليهما، ذلك لأن التجديد في الإسلام في روسيا يعد مسألة في أطوارها المبكرة. كما يأمل مفتي الديار الروسية، راويل عين الدين بأن يساعد بحثه أولئك الذين تقع على كاهلهم مسؤولية تطوير العلوم الدينية كالأئمة والطلاب والمدرسين في المدارس الدينية الروسية.