أهمّيّة المقاصد في الشّريعة الإسلاميّة

أهمّيّة المقاصد في الشّريعة الإسلاميّة

 وآثارها

 في فهم النّصّ واستنباط الحكم

بقلم: د.عبدالكريم مدلج

عنوان كتاب ذُكِرَ بعده أنه دراسة علميّة نال بها المؤلّف درجة الماجستير, تأليف الدكتور سميح عبدالوهّاب الجندي, إشراف الدكتور حسن محمّد الأهدل, صادرًا عن دار الإيمان في الإسكندريّة, واقعًا في (352) اثنتين وخمسين وثلاثمئة صفحةٍ من الحجم المتوسط.     

ذكر مؤلّفه أنّ الإسلام دعوة ربانيّة متكاملة, قابلة للتطبيق في كل زمانٍ ومكانٍ, وأنّ علماء الشّريعة الإسلاميّة قد اجتهدوا في حلّ أية معضلةٍ شرعيّةٍ قد تعترض الإنسان في حياته, منذ بزوغ فجر الإسلام, وعلى مدار تاريخه, مستندين في ذلك على مصادر التّشريع الإسلامي.

        ولكن تطوّر الحياة وتعقيداتها, ومستجدات الأمور وتقليباتها, وفتوى العلماء والفقهاء بما أفتى به السّابقون في تلك الأزمنة والأمكنة, جعل بعض النّاس يشعرون بقصور الشريعة عن مواكبة العصر, وأنّها لا تقوم بمتطلّبات الحياة واحتياجاتها, وأنّها ازدهرت في عصرٍ من العصور, ثمّ تلاشت شيئًا فشيئًا, فهي غير صالحةٍ لهذا الزّمان.

        والحقيقة الّتي لا ريب فيها أنّ القصور في الرّجال الّذين تجمّدت عقولهم عن التّفكير بمقاصد الشّريعة الغرّاء, تلك المقاصد الّتي هي أساس استنباط الأحكام المستحدثة لمواكبة كلّ جديد. لذلك كانت أهمّيّة العقل المقاصدي البرهاني الاستدلالي بمكان, ممّا يؤكّد صلاحيةّ هذه الشّريعة الغرّاء, واستمرارها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, قال تعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) [الحجر9].

واشتمل الكتاب على أربعة أبوابٍ, تناول في الأوّل منها مفهوم المقاصد عند الأصوليّين, وتاريخ نشأتها منذ عهد الرّسالة إلى عصرنا الحديث, وتحدّث في الثّاني منها عن إثبات مقاصد الشّريعة, وأهمّيّتها, فضلاً عن خطر إهمالها, ثمّ جاء الباب الثّالث محتجنًا صلة المقاصد بجلب المصالح, ودرء المفاسد, وعلاقة المقاصد بالتّعليل, ليصل بعده إلى الباب الرّابع الّذي أفصح فيه عن أثر المقاصد في الضّروريّات والحاجيّات والتّحسينيّات, وأخيرًا جاءت الخاتمة الّتي بيّنت أهمّ النّتائج الّتي توصل إليها المؤلف, وهي أنّ علم مقاصد الشّريعة ليس مبتدعًا في الدّين, إنما هو قديم قِدم الدّين, وقد أقرّه القرآن الكريم, والسّنّة المطهّرة, ومارسه الصحابة رضوان الله عليهم, وتناقله العلماء السّابقون, فهو علم ضروريّ للفقيه المجتهد؛ لاستنباط الأحكام الشّرعيّة في النّوازل الّتي لا نصّ فيها, وكذلك للتّرجيح بين الأدلّة الّتي ظاهرها التّعارض.

فمقصد الشّريعة وغايتها مصلحة العباد وسعادتهم في الدّارين, فأينما رجحت المصلحة على المفسدة أمر الشّارع بها, وأينما رجحت المفسدة على المصلحة نهى الشّارع عنها, وحدّدت المقاصد بحماية الكلّيّات الخمس وحفظها وهي: " الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال ". ويبقى الباب مفتوحًا للمزيد من الاجتهاد في ضوء التّطورات الاجتماعيّة والثّقافيّة والحضاريّة, حفظًا لمصالح العباد, والرّحمة بهم, ومن أهمّ ما ختم به المؤلف كتابه مراعاة الاعتدال في مقاصد الشّريعة, فلا إفراط ولا تفريط, والثّوابت يجب الوقوف عندها, ولا ينبغي تجاوزها, أو تغييرها؛ لأنّ ثباتها نفسه مقصد معتبر, كالعقائد والعبادات والمقدّرات وغيرها.