قراءة في كتاب « الإمام الغزالي » بين العقل والنقل للباحث الأستاذ عيد الدرويش
قراءة في كتاب « الإمام الغزالي » بين العقل والنقل للباحث الأستاذ عيد الدرويش
• أصدر الباحث عيد الدرويش كتاباً بعنوان « الإمام الغزالي بين العقل والنقل » وهو دراسة فلسفية هامة، إذ اعتمدَ على اثنين وعشرين مرجعاً مهمّاً من أجل تأليف هذا الكتاب، الكتاب من إصدارات 2004 لمؤسسة علاء الدين للطباعة والتوزيع في دمشق.
الكتاب يتضّمن مقدّمة من قبل الباحث، يوضح فيها كيف سخّر العقل بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية، فانتقد الزهاد والمتصوّفة الذين تركوا لذائذ الحياة، فنعِمَ بها الكافر على الرغم من أنها خلقت للمؤمنين.
وردّ على « جالينوس » الذي قال إن الشمس لا تقبل الانعدام وكان ردّ الغزالي بأن الشمس في حالة انعدام تخف حرارتها وهذا ما استقاه من الشريعة والمنطق كما ردّ على بعض الفرق الإسلامية، كالمعتزلة، والكرامية ،فكانت حجّته ألحن من حججهم وبأدلة أكثر عقلية ونقلية، كما ردّ على بعض الفلاسفة والمتكلمين ومنهم فلاسفة الاغريق في كتابه ( تهافت الفلاسفة) ودحض مقولاتهم حجّة بحجّة، دأب الغزالي المتعطش للحقيقة والذي أخذ من الشك مبدأً اعتبره بجدارةٍ حجّة الإسلام في نهاية الكتاب خاتمة من ثلاث صفحات، وما بين المقدّمة والخاتمة أحد عشر فصلاً تتفاوت في الطول والأهميّة، بعضها صفحات عدّة لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة، وبعضها الآخر طويل. وهو يناقش مسائل فلسفية لها علاقة بالدّين والانسان والعقل، والذات الإلهية، وغيرها من المواضيع الحساسة والدقيقة، والتي يُعتبر الخوض فيها مجازفة غير مستحبة.
كانت حياة الغزالي حافلةً بالمعرفة والتنقّل ما بين مدن خراسان وبغداد والقدس ودمشق ومصر، وقد عاش فقيراً ويتيماً، إلاّ أنه استطاع من خلال المعاناة أن يحصل على العلوم. ومما لا ريب فيه أن الغزالي نال في بغداد من السمعة والصيت والمكانة العلمية مالم ينله غيره، فبالإضافة إلى رعاية الخليفة العباسي، كان هناك إجماع على تفوّقه في مجال العلم ورجاحة العقل وذكائه وبراعته في التأليف والتدريس والتعبير.
لاشك أن طريقة الشك قادته إلى الإبداع في الفلسفة والعلم والدين، واستطاع العرب أن يخلقوا لهم فلسفة مليئة بالعناصر الخاصة بهم، ومختلف الفلسفة اليونانية، كما فعل الغزالي إذ جاء إبداعه في علوم مختلفة ولم يأتِ ذلك من فراغ، بل بالعمل والعلم والاطلاع، وخاصة في مسألة العقل والنقل، ويلاحظ أن الفترة الأولى من حياته والتي لم تتسم بالشك لم تكن طويلة، وفيها لم يكن قادراً على الانتاج الفكري.
هناك مسائل عديدة تعرّض لها كالتأويل والاجتهاد المبني على استنباط المجهول من المعلوم، وهو القياس الفلسفي أو المنطقي المعروف.
ثمّة مسائل عدّة خاض بها، كالدّين والفلسفة ومسألة الوحي، والصلة بين الوحي وبين العقل، وفي المعجزات، والنبوة، وفيما يكون أو لا يكون.
وقد استعرض الباحث في فصل كامل التأويل ( النقل موضوعاً والعقل محمولاً)وبيّن أن للغزالي فلسفته وقدرته على تبسيط المسائل العلمية وإيضاحها، الغزالي الذي يشك بالعقل ويرى أنه عاجز عن أن يبحث عن الصواب، ولذلك لا يقول بالمعرفة عن طريقه بل بنور يقذفه الله في القلب، وكذلك بنفي السببية، لأن الأمور تتمّ بإرادة الله لا بالأسباب الظاهرة.
في فصل ( الغزالي ورأيه في العقل )نجد أن العقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، لهذا ينصفه ويجعله في مرتبة الشرف فهو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة، وهو الذي ميّزَ الله به الإنسان عن سائر البهائم، ومع ذلك تتفاوت النفوس في العقل.
أما في مجال ( الغزالي وآراؤه الكلامية) نجد أنه يتطرق إلى مسائل على غاية في الأهمية، مثل اثبات قدم الباري وبقائه، وعالج مشكلة التنزيه بين العقل والنقل، وإثبات كون الباري متكلماً بالكلام النفسي، وموقفه من المعتزلة ورده على الباطنية، وإثباته أن القرآن كلام الله غير مخلوق، أما في رسائله فيتطرّق إلى عودة النفس إلى البدن بعد مفارقتها إياه وذلك يوم القيامة.أما مسائل العقل الواردة في « تهافت الفلاسفة » فهي عشرون مسألة، وكل مسألة من المسائل يناقشها بوجهها أو عناصرها، وهو دائماً يطالب بالدليل « بم عرفتم ذلك » إن المسائل العشرين تعد مسائل عقلية يرد بها على المتكلمين وبعض الفلاسفة حجة بحجة فمثلاً يبدأ من المسألة الأولى ( في إبطال قولهم بقدم العالم ) حتى المسألة العشرين القائلة: « في إبطال إنكارهم لبعث الأجساد، ورد الأرواح إلى الأبدان، ووجود النار الجسمانية، ووجود الجنة وحور العين، وسائر ما وعد به الناس » ص 201
أخيراً يُعتبر كتاب « الإمام الغزالي بين العقل والنقل » هامّاً لأنه يُطلعنا بأسلوب موضوعي على آراء الغزالي ومكانته العلمية، وأهميته ليس فقط على المستوى الإسلامي بل على المستوى العالمي، وهو لهذه الأسباب وغيرها يستحقّ القراءة والنقد.•