ألف باء الحب والجنس
محمد الحوراني*
كان الحديث في أمور الحب والجنس من وجهة النظر الإسلامية،وحتى فترة ليست بالطويلة،واحدا من أشد الأمور حرمة عند بعض الفقهاء وأنصاف العلماء،ولعل تحريمهم لواحد من أهم الموضوعات التي حللت الشريعة السؤال عنها والخوض فيها،ناجم عن افتقارهم للجرأة على الخوض في موضوعات خُيل إليهم أنها مُفْسِدة للأمة والجيل،حتى جاءت الثورة الإعلاميـة بتقنياتها لتُربي الجيل التربية التي طالما خشيها أنصاف المتعلمين،فشعروا وقتئذ بالحسرة والندامة لأنهم لم يربوا الأجيال التربية الإيمانية لاسيما في مسألتي الحب والجنس.ويبدو أن هذه العقدة قد أصابت الكثيرين ممن درسوا على أيدي هؤلاء ومنهم الأستاذ علاء الدين آل رشي ،الذي حمل بشدة على هذه التربية المغلوطة التي بُلي بها أثناء دراسته، وهو ما ظهر جلياً في مقدمته لكتاب الدكتورة ليلى الأحدب الموسوم بـ "ألف باء الحب والجنس". في هذا الكتاب الصادر أخيرا عن مركز الراية للتنمية الفكرية في المملكة العربية السعودية ترى الدكتورة ليلى أن الحاجة إلى الحب والاهتمام حاجة فطرية أصيلة،وإن الاستجابة لهذا الميل الطبيعي وإشباع هذه الحاجة جزء من المنهاج التربوي السليم .من جهة أخرى فإن عاطفة الحب الموجودة بين الوالدين وكذلك الموجهة منهما لطفلهما تجعله يشعر بالأمان،الأمر الذي تنبني عليه الشخصية السوية المتمثلة بالاستقرار الانفعالي فيما بعد.فالطفل الذي يفتقد الحب والاهتمام في محيطه الأسري سيبحث عنه خارج المنزل عندما يصبح في سن أكبر،مما يؤدي إلى عواقب عاطفية شديدة إذ يمكن أن يمنح عواطفه لمن يستغلها أبشع استغلال .ولذا وجب أن يمنح الوالدين أطفالهما كامل الحب والاهتمام والرعاية وأن يؤكدا باستمرار على هذه الأمور،وينتبها أن لا يصدر عنهما ما يخالفها نتيجة غضب أو انفعال.
وتناقش الدكتورة بأسلوب منطقي بعيد كل البعد عن التعصب والانطواء مسألة حب الغير التي تعتبر رمزا للسمو النفسي والنضج الأخلاقي ،إذ بدون هذه الخصلة لا يمكن أن يستتب السلام الداخلي في نفوس الأفراد ولا السلام الخارجي في المجتمعات ولا السلام العالمي في البشرية،وهذا ما نراه اليوم بعد أن عم الدمار في العالم نتيجة الحروب الناجمة عن حب التدمير والرغبة بالاستعلاء؛لذلك يجب بناء هذه الصفة في الأطفال،وفاقد الشيء لا يعطيه فمن افتقد الحب في طفولته لا يمكن أن يمنحه لغيره عندما يكبر.وتقرُّ الدكتورة ليلى في كتابها القيم أن الحب ليس عيبا أو حراما،بل هو شعور قسري لا يتعلق به تكليف ولا يدخل في نطاق الأحكام أو المحظورات،فالإسلام ليس له انتقاد على الحب،ولكنه ينتقد الانحرافات التي يقود إليها هذا الحب.وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل".غير أن مشاعر الحب شيء،وتعريض الإنسان نفسه لهذه المشاعر شيء آخر؛أولهما انفعال قسري لا اختيار فيه،وثانيهما فعل اختياري يتحمل صاحبه نتائجه من خير أو شرّ.من جهة أخرى ترى الباحثة أن السخافات الشائعة بين الشباب والفتيات باسم الحب والحب منها بريء،إنما سببها الخلط بين الحب والجنس الذي سببه نظريات (فرويد).فكما يساء استعمال الدين ،والقانون ،والأدب،والطب ،وغيرها،فكذلك يساء استعمال الحب،وهو ما أدى إلى رفض مفهوم الحب عند الكثيرين من الملتزمين واعتباره حراما أو قلة أدب،أما الحقيقة فإن ديننا الإسلام هو الثوب السابغ للفطرة الإنسانية،لا ينكر أشواق الروح ولا يهمل مطالب الجسد ،بل يعترف بالميل العاطفي والغريزي بين الجنسين،لأنه هو الأساس الذي تقوم عليه الحياة والنسل.
إن ما تطرحه الدكتورة ليلى في كتابها القيم هذا يعد خرقا كبيرا في جدار فولاذي ،لم يجرؤ الكثيرون ،حتى على مجرد الاقتراب منه،وهو اختراق يحسب لها ولمركز الراية للتنمية الفكرية،فهل تسير دور النشر فيما سار عليه هذا المركز من بحث في أمور لطالما اعتقد الكثيرون أنها من المحرمات أو إحدى السبع الموبقات؟.
الكتاب:ما لا نعلمه لأولادنا.
المؤلفة:د.ليلى الأحدب.
الناشر:مركز الراية للتنمية الفكرية_ جدة_ط1- 2003