الحداثة في منظور إيماني
كتـــاب
الحداثة في منظور إيماني
|
|
الدكتور عدنان علي رضا النحوي
هذا البحث في الأساس كان فصلاً في كتابي " الأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته " ، ورأيت أن أخرج الفصل الخاص بالحداثة في كتاب مستقل ، استجابة لعدد غير قليل من القراء . وما كدت أبدأ بذلك حتى رأيت أن هناك تعديلات وإضافات يقتضيها البحث المستقل . ثم دَفَعتْ كل زيادة أو تعديل إضافة أخرى ، حتى شعرت بالضرورة إلى إضافة أبواب جديدة وفصول جديدة . فكان لا بدّ من استعراض بعض كتب الحداثة الهامة ، خلاف كتاب أدونيس ، حتى نرى امتداد الفكر الحداثيّ وارتباطه ، والأسس العامة التي يقوم عليها ، ذلك كله من أقوال كتابهم ومفكريهم ، فلا يكون هنالك ظنٌّ ولا تخمين ، وإنما نصوص ويقين . فتناولت كتاب "جدلية الخفاء والتجلي " للدكتور " كمال أبو ديب " ، وكذلك كتاب " الخطيئة والتكفير " للدكتور " عبد الله الغذامي " ، وأخذت من كلٍّ نصوصاً رأيت ضرورة الوقوف عندها ومناقشتها .
والحداثة لفظة محببة ، ولكنها أخذت اليوم أبعاداً واسعةً في بلادنا وخارجها، وأصبحت تحمل من الامتداد ما أبعدها عن أصلها اللغوي ، ومن الغرابة ما أبعدها عن الأمة الإسلامية وتاريخها ودينها ، ثم حملت في فكرها غموضاً يجب توضيحه ، وشراً يجب دفعه ، ومكراً يجب ردُّه .
والحداثة كما نبين في ثنايا الكتاب ليست حديثة ، إلا بما جدَّ من تعابير ومصطلحات ، وأساليب وشعارات . أما جوهر الفكر والتصور فهو قديم في حياة الإنسان ، يحمل مع كلّ عصر من يلائمه من الأصباغ والزخارف والزينة . ولذلك لن يجد رجال الحداثة ما يُعنيهم على النجاة من فتنة هذه الزخارف والأصباغ المضللة إلا في الإسلام . ذلك لأن الإسلام هو العقيدة الوحيدة لدى الإنسان في الأرض كلها ، العقيدة الوحيدة التي تستطيع أن تفعل ذلك ، وقد فعلته في التاريخ البشري مع كل نبوة ورسالة ، ومضت تفعل ذلك بعد أن حملت الأمة الإسلامية أمانة الدعوة في الأرض ، وأمانة الكلمة ، وصدق النصيحة للناس كلهم.
من هذا المنطلق كان حرصي على عرض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة مع القضية هذه أو تلك ، حتى نرى الحجة البالغة في منهاج الله نوراً يزيح الظلمة عن العيون ويرفع الغفلة عن القلوب . وحتى تطرق هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة القلوب ، فترفع عنها الرّان .
ولقد رأيت أن أزيد صورة الحداثة وضوحاً بإضافة تعريفات أوسع لها ومعلومات أبعد ، وذلك في الفصل الثاني من الباب الأول .وقد أشرت في فصول الكتاب إلى مقتبسات من كتاب " الحداثة 1890-1930 " من تحرير مالكوم برادبري وجميس ماكفارلن ، صدر من دار " بنجوين Penguin " سنة 1978م .
مالكوم برادبري هو أستاذ الدراسات الأمريكية في جامعة إيست إنكاليا ، وجميس ماكفارلن هو أستاذ الأدب الأوروبي في الجامعة نفسها . قام بتأليف الكتاب تسعة أساتذة آخرين من جامعات وكليات متعددة ولكل أستاذ تخصص محدد كتب فيه ، وشارك في إعداده .
خلال دراسة بعض الفصول سأشير إلى هذا الكتاب " الحداثة " وأهمية هذا الكتاب تنبع من عدد المتخصصين في إعداده وجمعه وتحريره حتى بلغوا أحد عشر أستاذاً . والناحية الثانية هي أنه بسبب هذا العدد وتنوع الاختصاص طاف الكتاب بأهم ملامح الأدب والفكر في إنكلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا ، وقدّم نماذج من نصوص ونماذج من معلومات . الذي يهمنا نحن : هذه النماذج التي أشرنا في مكانها ، ولا يهمنا وجهة نظر هؤلاء الأساتذة في الحداثة نفسها ، فوجهة النظر والتحليل نقوم به نحن مستندين على المعلومات المتوافرة والنماذج بعد أن نردّها إلى منهاج الله قرآنا وسنة رداً نرجو به طاعة الله والإنابة إليه .
نتناول في هذا الكتاب الذي يقع في (296 صفحة ) في الباب الأول والذي بعنوان : الحداثة بين القديم والجديد ، كلمة الحداثة ومحتواها اللغوي ، وتعريف الحداثة . جذورها وآفاقها . وولادة النص الحداثة ظروفها ونموها ، وأخيراً بعض مذاهب الحداثة وحركاتها .
أما الباب الثاني والذي بعنوان : مع نماذج من فكر الحداثة وآدابها ، نعرض لتاريخ دخول الحداثة إلى العالم الإسلامي ، ومع كتاب مقدمة في الشعر العربي لأدونيس ، ووقفات مع كتاب جدلية الخفاء والتجلي ، ووقفات مع كتاب الخطيئة والتكفير .
والباب الثالث جاء بعنوان : الحداثة بين الشعر والنثر ، نعرض من خلال هذا الباب ملامح فاصلة بين النثر والشعر ، والشعر بين " البنيوية " و" الشاعرية".
وفي الباب الأخير والذي بعنوان امتداد الحداثة بين الشرق والغرب ، نعرض الركائز الأساسية في الحداثة والبنيوية ، والحداثة والمادية الجدلية .