خليقة التوراة ـ يوسف يوسف

عبد الله الطنطاوي

خليقة التوراة

تأليف: يوسف يوسف

عبدالله الطنطاوي  

[email protected]

هذا كتاب مهم،، يأتي في إبانه، وكاتبه ناقد أدبي وناقد سينمائي، واطلاعه علي هذين الفنين كبير، واهتمامه بما ينتجه السينمائيون والروائيون اليهود منذ وعى الحياة فانطلق يقرأ ليحيط بأبعاد القضية، وكان من نتائج قراءاته هذا الكتاب، وكتب أخرى على الطريق إن شاء الله.

ومن خلال مطالعتنا لهذا الكتاب القيم، يتجلى لنا الفكر اليهودي في أدبيات اليهود، وقد ركز منها على محورين: محور الرواية والقصة، ومحور السينما، حسب اختصاصه واهتماماته.

وأدبيات اليهود تميّز ما بين اليهود وغير اليهود (الجوييم) الأممين، فترفع اليهود منازل لا يرقى إليها إلا الملائكة الأطهار، وتنزل بالأممين إلى أسفل السافلين، وهم في هذا عميٌ لا يبصرون إلا مَنْ حولهم من البسطاء، من العمال المساكين، والفلاحين الكادحين، والخدم الجهلة، ثم يسقطون ما يرونه في أولئك البائسين، على سائر الأمميين، فهم، في نظرهم:

لا يملكون إرادة البناء، والشيطان قادر على شرائهم بأبخس الأثمان، لعدم وجود الحصن الذي يقيهم من التردي في أحابيل الأبالسة، ولهذا فإن عالمهم -عالم الأغيار- أيل إلى الانهيار.

و(الأغيار) - في أدبياتهم - متخلفون، وجهلة، يجهلون فلسفة الزمان والمكان، وسوف ينضوون تحت راية اليهودية أو الصهيونية - وهما اسمان لمسمى واحد - لأنهم عبيد.. خلقوا عبيداً لليهود وأعداء، ومنحدرون من أرواح نجسة شريرة تعادي الحضارة، وهم بلا قضية تشغلهم ويضحون في سبيلها،، ولذا تراهم يعيشون على هامش الحياة، كسالى، جبناء، خونة، متوحشين، كأنهم قادمون من العصور البدائية السحيقة، يسعون إلى تخريب الحضارات، أما اليهود، فهم، على النقيض من هذا، أهل حضارة، وأصحاب قضية، وبناؤون أحرار، يعملون من أجل هدم ما هو قائم، ليقيموا على أنقاضه البناء الذي يريدون، والحضارة التلمودية التي بها يحلمون.

ونظرة الاستعلاء واضحة بيّنة في هذه المزاعم التي تحفل بها أدبياتهم، وفي تعاليم التوراة والتلمود التي تحرم على اليهود أن يمدحوا أحداً من الأغيار، مهما تسامت به عبقريته.

هذا بعض ما رصده يوسف يوسف في عدد من الروايات والأفلام التي توغل فيها، وقرأ ظلالها، وما بين سطورها. وفكّ رموزها، ثم أخرجها إلينا في هذه الدراسة القيّمة، وسوف يطالعها القارئ مفصلة فيما رصد وكتب.. لأن دور الفنانين السينمائيين وكتّاب القصة والرواية، وهو دور المبشّر باليهودية (المخلصة) والعامل على تشويه (الأغيار) عامة، من مسلمين ومسيحيين، والعدو العربي المسلم خاصة.. أي إنهم يعملون على الجبهة الثقافية والفنية، من أجل تخريب النفوس، كما يعمل السياسي، ويقاتل العسكري منهم،على الجبهات الأخرى.

إن اليهودي التوراتي -كما يظهر في أدبيات اليهود، قديمها وحديثها-هو غاية الخليقة، ولولاه ما خلق الكون،، وما ينبغي له أن يخلق، لذا كان (شعب الله المختار) الذي خلقه إلههم (يهوه) من عرق واحد، ليكونوا حكماء، تسيل في عروقهم دماء التوراة، وهم قادة الجنس البشري كله، ومعلموه، وربّهم لهم وحدهم، وهم أبناؤه وأحباؤه، لذا كانوا متحضرين، متفوقين، وأبطالاً أسطوريين، ومقاتلين شجعاناً، ولهذا يرفضون الاندماج مع الآخرين، لأنهم فوق (الأغيار) الذين هم (رجس من نسل الشيطان وعمله) كما يزعمون.

ويستعرض المؤلف التربية اليهودية كما جاءت في أعمال الروائية اليهودية: يائيل دايان (بنت موشيه دايان) ويراها قائمة على انتفاء ثقة اليهودي بأحد من الأغيار، إذ (ليس ثمة أصدقاء حقيقيون) و(لا تتوقع خيراً من أي إنسان) و(القوة هي صديقك الوحيد) و(أنت لا تحتاج إلى أصدقاء) و(احذر من الشفقة والرقة والحب، فإنها تقودك إلى الكوارث) و(عندما يخاف منك الناس، يحترمونك، وإلا، فإنهم يتغلبون عليك). وتدعو اليهود إلى التصميم والتعصّب ليهوديتهم وأن يكونوا دائماً في المقدمة، لأنهم يهود، وأن يسيروا على درب الأجداد لئلا يضيعوا، وتقول لليهودي:

"إذا استطعت أن تقتل الأممي، فلا تقصر".

وتذكّر اليهود بقول ابن غوريون:

إن العنف هو الوسيلة الوحيدة لفرض الإنسان الهندسيّ اليهودي على جدل الواقع« و »ابقروا بطون الحوامل.. اذبحوا الأطفال.. اقتلوا الرجال.. أحرقوا الأرض ثم استولوا عليها. وهو هنا يعيد مقولة يوشع بن نون كما جاءت في توراتهم.

وهكذا نرى اليهود في قمة (حضارتهم الإنسانية) الداعية إلى ذبح النساء والأطفال، وإحراق المدن والقرى والمزارع.

وعناية اليهود كبيرة بالقصة والرواية، وقد ساعد على انتشارها، الرساميل اليهودية في أمريكا وفرنسا وسواهما، ووسائل الإعلام اليهودية، والجوائز الأدبية، بما لها من أهمية مادية ومعنوية، تساعدها في الانتشار وزيادة عدد المبيعات، وكسب جماهير القراء إليهم، والتأثير بهم، بما يقدمون من أفكار وحوادث ملفقة ومتخيلة، تدعو إلى العطف عليهم، وعلى قضاياهم التي لا يملون من الحديث عنها بشتى الوسائل والأساليب، وكلها تصور اليهودي بأنه هو (المخلص) للبشر، فلا خلاص للبشرية، إلا في اعتناق اليهودية، والسير في ركاب الصهيونية.

ولو عرف المسلمون الميزانيات الضخمة التي يرصدونها لمسلسلاتهم التي يوجهونها للصغار مرة، وللكبار مرة، والدعاية الواسعة لها، والممثلين الكبار، والممثلات الشهيرات، الذين يؤدون أدوارها، وكثير منها يصور معسكرات الاعتقال المزعومة في عهد النازية.. لو عرفوا ذلك لما عجبوا من استحواذهم على الفكر الغربي، وتوجيهه الوجهة التي يريدون.

إنها تقدم فكراً عنصرياً شوفينيّاً يقوم على الإرهاب، والاستبعاد، واغتصاب أراضي العرب، وتنتهج سياسة الاستعلاء، والحقد، والعدوان على الآخرين (الأغيار). ومواقف العلمانيين كمواقف المتدينين، تقوم "على تحليل ميثولوجي يرفض أي إمكانية للتسوية القائمة على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وعلى التطلع للشراكة والمساواة بين العرب واليهود". ولهذا يمكن القول:

"إن الصهيونية يمكن أن تفرز يساراً على صعيد الممارسة السياسية، لكنها لا يمكن أن تفرز يساراً على الصعيد الأيديولوجي".

فالمتدينون والعلمانيون جميعاً توراتيون مرة، وصهاينة مرة أخرى، والتوراة هي منطلقهم جميعاً.

وقد تنبه لهذا الفكر اليهودي المدمّر عدد من الغربيين والأمريكيين منذ بدايات هذا القرن، فقد حذرت جريدة التايمس اللندنية في عددها الصادر في 8/5/1920 من (بروتوكولات) الصهاينة، ومما تخطط له، من رغبة اليهودية الجشعة في التسلط على العالم، وإبادة كيانات الدول، والاستعاضة عنها بحكم يهودي، وذلك من خلال زرع بذور الفرقة والنزاعات، وإفساد أخلاق الشباب، وإثارة الغرائز، وتوجيهها نحو الرذيلة، وسحق ميول الإنسان نحو المسيحية، ودعوتها إلى عبادة المال، والشهوة، والمادة، واللذة.

ويتنبأ دستوفسكي بأن "اليهود والبنوك تسيطران الآن على سماء أوربا، وبهذه الاشتراكية التي تدعو إليها اليهودية، ستستأصل المسيحية من جذورها، وتدمر الثقافة المسيحية."

ويقول: "إن اليهود سوف يقفون على أنقاض روسيا وأطلالها في مستقبل الأيام."

وقد حصل ما تنبأ به دستوفسكي، وصارت روسيا ألعوبة في أيدي اليهود الذين حطموها سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وأخلاقياً.

فعلوا هذا في رواياتهم، وفي أفلامهم، وكان أول فيلم يهودي لهم، هو فيلم (قضية دريفوس) ظهر في فرنسا عام 1899 تلته مئات الأفلام، مثل: سالومي وقضاء سليمان - شمشون ودليلة- يوسف على أرض مصر -مولد أمة - موسى - الوصايا العشر..إلخ.. مما شكل ظاهرة يهودية في السينما الغربية.

وقد أوصى مؤتمر بازل باستخدام الفيلم السينمائي لخلق القومية اليهودية، والتبشير بها ، ودعوة يهود الشتات إلى الهجرة لفلسطين. وبناء عليه، أسس اليهود شركات سينمائية، برساميل يهودية، حتى غدت السينما صناعة يهودية، مهمتها التخريب الثقافي والاجتماعي للشعوب التي تعيش بين ظهرانيها، وليس على العرب وحدهم.. وحرضت اليهود على السيطرة على العالم، وهذا لن يكون إلا بالتخريب الثقافي والاجتماعي.

اجتمع مفكّروهم، وتدارسوا أمورهم، ووضعوا الخطط التي رأوها موصلتهم إلى أهدافهم القريبة والبعيدة، ثم انطلقوا ينفذونها بدهاء، مستخدمين شتى الأساليب الخسيسة، شعارهم في ذلك: (الغاية تبرر الوسيلة) واستطاعوا استقطاب أصحاب الكفاءات من الغربيين، ناهيك عن اليهود، أغروهم بالمال والنساء، حتى غدوا مطايا مذلّلة، تسعى إلى تحقيق أهدافهم، وصرنا نقرأ لهؤلاء وأولئك، ونشاهد على شاشات السينما، أكاذيب بني صهيون وافتراءاتهم على الإسلام ونبي الإسلام، وعلى العرب والمسلمين، فأظهروا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بصورة الساحر مرة، والمجنون مرات، وقالوا للناس: إن كتاب المسلمين كأي كتاب عادي، وشوّهوا صورة العرب، والعربي عندهم هو المسلم طبعاً، وخلصوا من تشويهه إلى تشويه الإسلام ومبادئه وسيرة نبيه وتاريخ أتباعه المسلمين الذين هم مجموعة من البدو والرعاة، لا تربطهم بالأرض رابطة تجعلهم يدافعون عنها، ويتشبثون بها، ولا يغادرونها، مهما غلت التضحيات، وأن العرب يحتقرون العمل، ولذا كانت أرضهم مهملة، مليئة بالحصى والحجارة والأشواك.. والعرب بدائيون، متخلفون تخلفاً غير معقول.. منغمسون في اللذات، جشعون، متخمون أثرياء مترفون، أغبياء بدناء مترهلون، فيهم شبق وبله ونزق، يحاولون الحصول على كل شيء بالمال أو الإرهاب، ذوو أرواح شيطانية، يحلمون بالماضي وبالجنس وبالكسب الحرام.. جواسيس، عملاء، من السهل شراؤهم، لصوص، متآمرون، قطاع طرق، مسلوبو الإرادة، شحاذون، خانعون، أذلاء، حسودون، حقودون، تملأ الكراهية قلوبهم، ذوو عواطف مبتذلة، منتنون يثيرون الغثيان، يلهثون وراء المال والمركز ، ليسوا أهلاً للثقة، لا يحترمون وعودهم، ويكرهون كل الناس.

والعربي -المسلم- أيضاً، محتال، مستسلم، ساذج، قاس، متوحش، انفعالي، ازدواجي، عدواني، وأطفاله مثل العقارب السامة.

والعرب -المسلمون- أعداء متناحرون، ولأسباب تافهة، لا يتورع الابن عن قتل أبيه من أجل راقصة، ويقتل سيده، وأمه، وأخاه.. وفي اختصار: العرب كلاب وسفلة.

هكذا صوّروا العرب والمسلمين، والإسلام ونبي الإسلام في أفلامهم، وقصصهم، ورواياتهم، وفي محافلهم الماسونية التي فتكت - وما تزال- بالمنتسبين إليها، من عرب وعجم، ومن مسلمين ومسيحيين، في الشرق وفي الغرب..

قال روبرت فاليري رادو في الكلمة التي ألقاها عام 1938 بمناسبة افتتاح نادي جوان في باريس:

"إننا -نحن المسيحيين- لم نفهم شبابنا ما هي الماسونية، وما هي أغراضها. فلو فكرنا فيها جيداً وبعمق، لرأيناها يهودية بحتة، تعمل لقتل الأخلاق الحميدة، ولتجرد الإنسان من القيم والمثل العليا، ولتبعده عن الإيمان بالله، ولتسوقه نحو الإلحاد والكفر والمادية القذرة، والتعالي، وحب الذات والمال".

"لقد خطت الماسونية خطوات واسعة في ميدان إضعاف الإيمان بالله، وتمكنت من قتل روح الوطنية، وقضت على المثل لدى معتنقي أفكارها، كالشرف، والعرض والأمانة، والأخلاق، وهي الآن في طريقها إلى إسدال حجب الكفر والإلحاد والحيوانية المطلقة على العالم أجمع«. عن كتاب: المفسدون في الأرض. تأليف: س.ناجي.ص 15

إن اليهود عنصريون، ولديهم من التمييز العنصري ما ليس عند غيرهم، وإن مقولاتهم عن العرق، والدين، والوعد الإلهي، والشعب المختار، والرسالة، وغيرها من المقولات التي تروج لها الحركة الصهيونية، إنما تبغي من ورائها الوصول إلى أهدافها البعيدة التي رسمها لها دهاقنة بني صهيون في بروتوكولاتهم في بال عام 1897م وقد قالوا لهم: إن كل ما على الأرض ملك لكم، وعليكم أن تعملوا من أجل السيطرة على العالم، وهذا لن يكون إلا بهزيمة الأديان الأخرى، وخاصة المسيحية والإسلام، وهذا ما تؤكده بروتكولاتهم بمراحلها السبعة، ونظرة متأنية إلى ما آلت إليه النصرانية في السنوات الأخيرة، تبرهن على مدى نجاح اليهود نجاحاً في العمق وفي الطول والعرض.. وأشهد، أنهم بذلوا الكثير من الجهود والأوقات والمال والنساء، وارتكبوا الكثير من الجرائم، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، في حين نرى المال العربي (المسلم) يوظف في غير ما ينبغي أن يوظف من أجله.. نرى الرساميل العربية - والإسلامية - لا تهتم بالإعلام، بعيدة عن السينما الهادفة، والصحيفة الملتزمة، عن المحطات الفضائية التي تخاف الله، وتبث ما يفيد الأمة في دينها ودنياها وأخراها، إنها توضع في الأحجار لتشييد القصور، وفي تجارة العقارات، وأنواع التجارات الأخرى، وهمّها الأول هو الربح، وليس خدمة قضايا الأمة والأوطان والجماهير المسحوقة..

وإذا كنا نتهم آباءنا وأجدادنا أجيال القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، بالجهل والأمية والفقر، فماذا نقول عن المثقفين والمتنورين والأغنياء في النصف الثاني منه؟